تحيى إسرائيل خلال هذه الأيام ذكرى مرور عشر سنوات على حرب لبنان الثانية، وهو ما دفع بعض الكتاب والمحللين إلى أن يكرسوا مقالات كثيرة حول دروس الحرب واستخلاص العبر. فكتب «أودى ديكيل» الباحث فى معهد دراسات الأمن القومى، دراسة حول الحرب ونتائجها وتقييمها بعد مرور عشر سنوات، ورد فيها أن إسرائيل كانت تؤجل هذه المعركة لحين انتهائها من الانتفاضة الثانية، والتى سميت بعملية «الجدار الواقى» فأدركت إسرائيل أن عليها أن تضع حدًا للاستفزازات المتواصلة لحزب الله، ولمعالجة الجبهة الشمالية. فعندما وقعت حادثة خطف الإسرائيليين فى جنوبلبنان فى يوليو 2006، التى جاءت، وفى الخلفية حادثة الخطف فى قطاع غزة، لم تستطع حكومة إسرائيل ضبط النفس وقررت مع قادة الجيش الإسرائيلى أنه يتعين عليها هذه المرة أن ترد بصورة صارمة. وجاء الرد العسكرى على حادثة الخطف فى جنوبلبنان من دون إجراء تقدير للوضع الاستراتيجى، ومن دون نقاش ما الذى تريد إسرائيل تحقيقه من هذا الهجوم. ويومها عقدت جلسة للحكومة الإسرائيلية وقرر القادة خوض الحرب من دون تعريف العملية بأنها حرب، ومن دون إجراء التوضيح الضرورى المتعلق بأهداف الحرب وفرص تحقيق هذه الأهداف، وطرح ديكيل خيارين كانا سيغيران مجريات الحرب تماما الأول هو توصيف الأزمة الإسرائيلية بأنها تآكل فى الردع. وتجلى هذا التآكل عمليًا عبر استعداد حزب الله لتكرار مهاجمة إسرائيل، وجرّاء ذلك هناك حاجة إلى ترميم الردع. ومن أجل تحقيق هذا الغرض كان المطلوب تنفيذ عملية انتقامية شديدة جدًا فى لبنان تستمر عدة أيام، وتستند إلى شن هجوم ونيران بصورة أساسية من سلاح الجو. وذلك ليدفع حزب الله ثمنًا باهظًا، وفى الوقت نفسه التسبب بضرر ودمار للبنان نفسه المسئول عما يجرى على أراضيه. أما الخيار الثانى فينجم عن تحديد الأزمة بأنها مشكلة تعاظم قوة حزب الله كتنظيم عسكرى قوى ولاعب مسيطر فى الجبهة الشمالية قادر على مهاجمة مواطنى إسرائيل فى أى لحظة يشاء. وبناء على ذلك كان المطلوب تغيير الوضع من أساسه وتغيير موازين القوى فى هذه المنطقة. ويتطلب هذا استخدام قوة هائلة والقيام بمناورة برية فى عمق الأراضى اللبنانية، على الأقل حتى خط نهر الليطانى. ورأى المحلل «آيال زيسر» فى مقاله بجريدة «إسرائيل اليوم» أنه فى منظار عقد من الزمن لا شك أن إنجازات إسرائيل فى هذه الحرب، بغض النظر عن أهميتها، كان يمكن تحقيقها بثمن أقل كثيرا من الثمن الذى تم دفعه. ابتعاد حزب الله عن الحدود وانتشار الجيش اللبنانى فى جنوبلبنان وأيضا قواعد اللعب الجديدة التى تضمن الهدوء على طول الحدود، كانت أهدافا يمكن تحقيقها دون توريط إسرائيل فى حرب لمدة 33 يومًا ودون تعريض مناطق الشمال لإطلاق الصواريخ ودون دفع ثمن بشرى كبير، وبالمقابل إنجاز حزب الله فى البقاء ونجاحه فى التسبب بالضرر لإسرائيل لم يغطيا الثمن الباهظ الذى دفعه من مئات القتلى والدمار الذى تسببت به الحرب للطائفة الشيعية فى لبنان، التى تؤيد الحزب وقائده. وبدا أن الدرس الوحيد الذى تعلمه حزب الله من الحرب هو تطوير قدرته على مواجهة إسرائيل فى المرة المقبلة، وقام حزب الله بزيادة كمية الصواريخ من 12 - 18 ألف صاروخ عشية حرب لبنان الثانية إلى نحو 100 ألف بعد مرور عقد، وبعض هذه الصواريخ لها مدى يغطى كل المناطق فى إسرائيل. وعكس الآخرين رأى «إيتان هابر» فى مقاله بجريدة «يديعوت أحرونوت» قائلا: إذا ما حاكمنا الأمور حسب «اختبار النتيجة» فإن على دولة إسرائيل كلها تقريبا أن تنزل على ركبتها أمام إيهود أولمرت، وعمير بيرتس ودان حلوتس وتطلب منهم المعذرة والغفران. فالحقيقة التى لا جدال فيها هى أن منطقة الشمال هادئة على نحو شبه تام منذ عشر سنوات، ويمكن لهذا أن يستمر لزمن طويل آخر. فى هذه الأثناء نشأ هناك جيل من الأطفال لم يقضوا يوما فى الملاجئ. متى شهدنا هدنة طويلة كهذه فى الشمال؟ ثم طرح سؤال آخر وهو ما إذا كانت عشر سنوات من الهدوء حتى الآن «تستحق» تلك الحرب. وأضاف أنه ثمة من يقولون إن حرب لبنان الثانية كانت تستحق هذا الثمن الباهظ لو أن حزب الله جلس على مدى هذه السنين مكتوف الأيدى. أما المحلل العسكرى «عاموس هرئيل» فعلق قائلا: البعد الزمنى يساعد فى إعطاء الإطار المناسب. فالحرب التى اندلعت فى يوليو 2006 لم تسبب كارثة بحجم حرب يوم الغفران فى 1973.