فى تفسير بسيط لما جرى فى المملكة من عمليات إرهابية، دعونا ننظر إلى الاستراتيجيات التى اعتمد عليها التنظيم، وتطورت مع تطور الأحداث الجارية. فى البداية كان التنظيم يقاتل وفق ما يعرف ب(حروب الأنصار)، وهى تلك الاستراتيجية التى اعتمدها تنظيم القاعدة، القائمة على جلب أنصار له من الدول المختلفة، وتشكيل شبكة لا مركزية، كان رأسها فى أفغانستان وأحد فروعها هو فى جزيرة العرب والعراق. مع انفصال تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين، عن القاعدة الأم، اعتمد التنظيم على سياسة جديدة أطلق عليها (حرب الهويات)، وهى تلك الحرب المعنية بمقاتلة العدو القريب، واستخدام الطائفية فى تجنيد المقاتلين، والاعتماد بشكل مباشر على إشعال الصراع الشيعى السُنى فى المنطقة، لأنه وفق أدبيات القيادات، فإن قتال الشيعة، هو فرصة مثالية للتجنيد، وتقديم التنظيم فى صورة الحامى لأهل السُنة، والممثل الحصرى الوحيد للمذهب، ومن هنا جاءت التفجيرات التى تمت فى مساجد الشيعة بالقطيف، والكويت وفى اليمن. أدرك داعش أن صراع الهويات يستجلب مزيدًا من الأنصار، فأطلقت مواقعه الإلكترونية استراتيجية أطلقوا عليها «الانتشار عبر الفروع» مركزين فيها على آسيا وعلى شمال إفريقيا، ومستغلين فيها الأوضاع السائدة فى أكثر من بلد، من خلافات وانقسامات قومية ودينية، وطائفية وعرقية، ومستفيدين من خواء السيطرة الأمنية، أو ضعفها فى أكثر من دولة، ومنها أفغانستان، أو اليمن، على سبيل المثال لا الحصر، واستخدامها كملاذات مؤقتة انتقل منها فيما بعد لدول الخليج. الأسباب التى جعلت قوة داعش تتعاظم فى آسيا وتحديدًا منطقة الخليج، متنوعة ومنها: اعتماده على محطات من الجماعات القريبة منه فكريًا مثل أكناف بيت المقدس، وجماعة أنصار الإسلام، وجماعة المجاهدين فى بنجلاديش، والثانى هو عودة حملة الجنسيات الأجنبية الذين يتمتعون بحرية التنقل، إلى بلادهم، ومنها طاجيكستان وأوزبكستان والشيشان، دون وجود خارطة تفصيلية دقيقة عنهم، بعد أن بدأ التنظيم يفقد معاقله الأساسية فى سوريا والعراق. وقد استغل التنظيم مشاكل الأقليات الإسلامية فى القارة برمتها للتحريض على رد الفعل، إما من خلال تنظيمات محلية أو من خلال ما يسمى بالذئاب المنفردة، التى تتحرك بشكل معزول، ولعب أيضًا على التناقضات التى وجدها فى عدد من المجتمعات فى اليمن، كى يجند أتباعًا له ويوسع انتشاره الجغرافى، كما استخدم الذئاب المنفردة. كما استغل التنظيم بعض الشخصيات الجهادية المؤثرة فى تجنيد عناصر جديدة، مثل محمد على تامباكو وعثمان باسط عثمان فى الفلبين، إضافة إلى بحرون نعيم الذى ساهم فى تمدد التنظيم بشكل ملحوظ فى إندونيسيا، أو الشخصيات السعودية مثل سعود الفايز وغيرهم، أو مثل البحرينى تركى البنعلى، أو قيادات التنظيم السعوديين المؤثرين. فى هذه الفترة أيضًا استفاد التنظيم، أيضًا من تراجع دور تنظيم القاعدة، لا سيما فى أفغانستانوباكستان، حيث أعلن عن إنشاء ولاية خراسان، وبايعه قادة منشقون عن حركتى طالبان باكستان وطالبان أفغانستان، وكل ذلك أثر بلا شك على التواجد الداعشى بالخليج، والحادث الأخير فى المملكة أثبت ذلك، حيث كان أحد الجناة من جنسية أجنبية. الأهم مما سبق هو ما أطلق عليه داعش (تأمين الحدود)، وهى استراتيجية لحماية مركز التنظيم فى الرقة والموصل، أو حماية ما تبقى من أراضٍ يسيطر عليها، وهى تعنى بالضبط خلق بؤر صراع جديدة فى الإقليم أو العالم، لإشغال التحالف والقوات المعادية له عن حصار المركز، ومن هنا جاء الهجوم على الحدود الأردنية، والهجوم فى تركيا، ودا ببنجلاديش، وأخيرًا المملكة العربية السعودية. الآن، وعقب تناقص حدود داعش، وتقلص التنظيم، وانحساره، جدد التنظيم هذه الاستراتيجية، وفق بيان العدنانى فى أول رمضان الذى دعا لمناكفة الأنظمة، عن طريق ضرب اقتصادها، وأمنها، وجيوشها، وهو ما يعنى عمليات إرهابية مسلحة داخل الأنظمة العربية، قد تحدث فى فترات متقاربة، أكثر بكثير، من المرحلة الماضية، وهذا الذى يفسر ما جرى بالمملكة.