أمامه وحده، كان يمكن للروح أن تذهب إلى حيث تريد، أن تكون ما تريده، فلا يمكن لأحد أن يحكم عليك.. العدسة التي تراقبك، وتلتقطك وحدها هي مرآتك، وهو على استعداد ليمنحك حياة أخرى تعيش خلالها لحظات لن تعيشها مجددًا.. ستتذكرها بالصورة التي سيمنحها لك بعد التصوير والتحميض والتلوين.. هذا المبدأ عاشت به فنانات الخمسينيات والستينيات فترة ليست بقليلة، كنّ يضعن كل شيء وراء ظهورهن، يتحررن، ثم يقفن أمام كاميرا «فان ليو» في ستوديو بالزمالك، اعتبره هو كنيسته، التي يتعبّد فيها بالصور، ويتقرَّب إلى الفنانين بالعدسة، ويعتبرها مصنع النجوم.. فمن يدخل لن يخرج كما كان. سيتحوَّل إلى نجم درجة أولى، فقد جاء إلى القاهرة، ليدخل الوسط الفنى من «بوابة الحلواني»، وهو من يمنح الجميع رخصة الدخول والخروج والظهور، وصورهم التي تنشر في المجلات والصحف.. وتحولهم إلى «علامات». ويقول فان ليو عن بداياته: «عندما حضرت إلى الزمالك في المرة الأولى كان المكان يبدو كقطعة من أوروبا. امتلك اليهود معظم المحال رفيعة المستوى، وكان الأرامانيون يعملون كحرفيين وجواهرجية وخياطين. كان هناك بعض الأرامانيين الأغنياء أيضًا». ويضيف: «أحببت التصوير منذ كنت طفلا صغيرا، وكنت أجمع المجلات التي تحتوى على صور نجوم هوليوود وأدرس تلك الصور، وأفكر في الإضاءة والأزياء، وأماكن التصوير. وحين حضرت إلى القاهرة في البداية عملت مساعدًا لدى (أرتنيان)، صاحب استديو (فينوس) في شارع قصر النيل، وكان أحد أهم الاستديوهات في القاهرة. معه عملت دون أجر لكنى تعلمت كثيرا من المهارات». ويروي: «صورت آلاف البشر، وكما كنت أتقاضى أموالًا على صوري، كنت في بعض الأحيان أصور من أجل متعتى فقط، حين يلهمنى وجه شخص ما. صورت يومًا شحاذا اعتاد أن يأتى ليعرض علىّ وردة كوسيلة لطلب المال، أعجبنى وجهه، صورته وسميت صورته الشحاذ الفيلسوف». وعن علاقته بالفنانات، يشرح فكرته الأولى عن التصوير: «كنت مهتمًا بالتصوير العارى كغيرى من المصورين في تلك الحقبة من الزمن، وليس من السهل أبدًا أن تقف عاريًا أمام الكاميرا، ينتابك القلق على صورتك أمام المجتمع، أو أن تتعرض للابتزاز، هناك شيء غاية في الخصوصية بهذه النوعية من الصور، يمثلون لحظات حميمية جدًا، وكمصور يجب أن تعرف زبونتك قبل أن تطلب منها أن تتصور عارية، وإلا سترفض بالتأكيد». وعن أغرب «صورة عارية التقطها»، أكد أنه لم يطلبها: «كل الصور العارية التي صورتها كانت لنساء أعرفهن جيدًا، جميعهن إلا صورة واحدة، أتت يومًا امرأة من مصر الجديدة، عمرها نحو 25 عامًا، وأرادت أن آخذ لها مجموعة من الصور، وبينما كنت أصورها، بدأت في خلع ملابسها قطعة وراء الأخرى، حتى خلعت كل ملابسها، لم أكن أعرف أي شيء عنها، لم أعرف حتى ماذا تعمل، لكنها كانت الوحيدة التي طلبت أن ألتقط لها صورا من هذه النوعية». ويروى نهايتها: «صورت مئات الصور من هذه النوعية، ومنها لفنانات، لكنى لا أملك أيا منها، حرقتها جميعًا منذ نحو عشرة أعوام بسبب المتشددين، كنت أعرف أن احتفاظى بها قد يسبب لى المشاكل».