سؤال لا يزال يتردد بقوة في الحياة السياسية بمصر بل وفي العالم كله: هل جماعة الإخوان مؤسسة اقتصادية جعلت من الإسلام ستارًا لها.. أم إنها جماعة إسلامية جعلت من الاقتصاد وسيلة لها؟. وإذا كان السؤال السابق قد تم طرحه منذ سنوات إلا أنه للأسف الشديد لم يجد إجابة وافية، حيث ظل معلقًا في سقف الحياة السياسية دون أن يرصد خباياه أحد أو يتوغل في أعماقه باحث، وإذا كان من حظي أن عشت في أروقة جماعة الإخوان سنوات وسنوات، وعايشت أحداثها عن كثب، وتداخلت مع أحزانها وأفراحها، فقد بات من لزوميات “,”الشفافية“,” التي افتقدتها جماعة الإخوان لسنوات، أن نفتح “,”كشف حسابات الإخوان وأرصدتهم المالية“,” إذ من حق كل أخ دخل الجماعة وانضم على محافلها أن يعلم مسار الأموال التي دفعها كاشتراكات شهرية أو تبرعات أو صدقات أو زكاة.. ليس هذا الحق للإخوان فقط بل من حق الكل إخوان أو غير إخوان أن ينظر لتك الجماعة عن بصر وبصيرة.. هكذا هو الإسلام وهكذا هي الشفافية. ورغمًا عنا.. يجب أن نتحدث بلغة الأرقام، فالمقال الذي يتحدث عن المال يجب أن يقوم على الحقائق، وحقائق الأموال هي الأرقام. وأول ما يطرح نفسه هو “,”ما هي مصادر ميزانية جماعة الإخوان“,”؟ يقول قادة الإخوان في كل المناسبات: إن أموال الإخوان من جيوبهم.. وهذا الطرح صحيح إلى حد ما، فاللائحة تلزم كل أخ بسداد اشتراك شهري يدفعه “,”قربى لله“,” وعبادة له، يرفع بها شأن جماعته التي تسعى إلى “,”تطبيق الإسلام“,” واستعادة “,”أستاذية العالم“,”، كما أن الأخ يقوم طواعية بسداد زكاة المال لجماعته لتصريفها في الوجه الشرعي الذي تراه الجماعة.. وإذا كانت جماعة الإخوان ما زالت تخفي “,”حجم ميزانيتها وتطور العضوية فيها“,” حتى أن معظم، بل غالبية أفراد الإخوان، لا يعلمون شيئًا عن أموالها، فإننا سنضطر إلى الحديث بشكل تقريبي، ولكنه التقريب الذي هو أقرب ما يكون إلى الحقيقة. يبلغ حجم اشتراكات أعضاء الجماعة - وهو البند الأول في ميزانية الجماعة - ما يقرب من نصف مليار جنيه سنويًا، يدفعها 400 ألف عضو عامل منتظم وفقًا لآخر إحصاء داخلي بالجماعة لسنة 2008.. وليس كل عضو بطبيعة الحال يسدد الاشتراك الشهري، إذ توجد ثلاث فئات إخوانية يتم إعفاؤها من سداد الاشتراكات، الفئة الأولي: عضوات قسم الأخوات بالجماعة، إلا إنه ليس هناك ما يمنع من أن تقوم الأخت بسداد تبرعات اختيارية لدعم الأنشطة الإخوانية، وهو الأمر الذي يحدث بشكل دائم ولكن لا يوجد حصر له ولا وسيلة علمية لاستنتاج قيمته. أما الفئة الثانية التي لا تسدد اشتراكات شهرية للجماعة هي: الطلبة الذين يصل عددهم إلى حوالي 30 ألف طالب إخواني تقريبًا، بالإضافة إلي عدد متغير من فقراء الإخوان يصل أحيانًا إلى خمسة آلاف عضو ويقل أحيانًا أخرى عن هذا العدد وهؤلاء تمنعهم ظروفهم المادية من سداد قيمة الاشتراك الشهري. وتصل قيمة الاشتراك الشهري الذي تحدده لائحة الجماعة إلي 8% من إجمالي الدخل الشهري للعضو يقوم بسدادها أول كل شهر، وبالتالي.. ونظرًا لتفاوت الدخول بين أعضاء الجماعة، فإن قيمة هذه الاشتراكات الشهرية دائمًا ما تأتي متفاوتة، حتى الفرد نفسه أحيانًا يسدد “,”قيمة ما“,”، وأحيانًا أخرى يسدد قيمة مختلفة. ولكن بحسبة بسيطة نجد أن متوسط الاشتراك الشهري لعضو الجماعة يصل في الغالب إلى مائتي جنيه، فإذا ما قمنا باستبعاد الطلبة والفقراء يكون دخل الجماعة الشهري قيمته تصل إلى ثمانين مليون جنيه تقريبًا، أي حوالي مليار جنيه سنويًا كدخل ثابت للجماعة من اشتراكات الأعضاء فقط. وإذا كانت الجماعة قد دخلت إلى سوق المال “,”الدولية“,” وأصبحت تستثمر جزءًا كبيرًا من أموالها في الخارج وفقًا للدراسات التي أعدها أحد رجال الاقتصاد فقد بات حتميًا حسب هذه الدراسات أن تحصل الجماعة علي حوالي مليار دولار تقريبًا نسبة عائد على استثماراتها وأموالها المتراكمة في تركيا وهونج كونج. ولكن.. أين تذهب هذه الأموال؟ ستجدون الإجابة عن هذا السؤال في الأسبوع المقبل إن شاء الله.