أقامت وزارة الأوقاف أمسية دينية من مسجد "عمرو بن العاص" رضي الله عنه تحت عنوان: "قيمة العمل في الإسلام"، وفي بداية اللقاء أكد الدكتور محمد خطاب مدير أوقاف القاهرة أن العمل هو حديث الساعة في مصر اليوم، لأنها تحتفل بعيد العمال، فالعمل هو كل جهد يؤدي إلى إنتاج، مشيرًا إلى أن العمل بهذا المعنى يمتاز بقيمة إنسانية وحضارية نراها في الحضارات القديمة كالفرعونية وغيرها، وصولا إلى الحضارة الإسلامية الراقية، فلابد من العمل لنهضة أي أمة من الأمم. وأوضح أن الإسلام أضاف للعمل ميزة جديدة عن الحضارات الأخرى وهي كونه عبادة يتقرب بها إلى الله عز وجل، نجد ذلك في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من أمسى كالًّا من عمل يده أمسى مغفورًا له". فالمغفرة لا تكون إلا بالعبادة، ولما رَأَى أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَلَدِ رجل ونَشَاطِهِ مَا أَعْجَبَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يَعِفُّها فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وتَفَاخُرًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ". كما أردف أن القرآن الكريم لم يقصر العمل على الجهد البدني فقط، بل إن الكلمة الطيبة من أفضل الأعمال، والنصيحة كذلك، وشكر النعمة من أفضل الأعمال، لقوله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}، مشيرًا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم بذل جهده وطاقته في سبيل دعوته وأمته، لدرجة أن القرآن الكريم وصفه بقوله: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} وقال له: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ}، وهكذا كان العمل بشقيه البدني والقولي متلازمان لكل الأنبياء ، فما أحوجنا إلى تقديم الجهد لهذا الوطن الغالي لنحقق له العزة والكرامة. وفي سياق متصل أوضح الشيخ إسلام النواوي من علماء الأوقاف أن الإسلام دين لا يعرف التواكل، بل يحاربه وينبذه ويدفع إلى الاجتهاد والعمل، وإنما هو دين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله ، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. وفي الحديث عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا"، فالأخذ بالأسباب هو طريق الحصول على ما عند الله عز وجل، مع مواصلة العمل الجاد المحكم وقوة العزم وإخلاص النية وصدقها. وشدد على أننا بصدد بناء الوطن فلا يستوي رجل يستيقظ حيث ينام الناس، ورجل ينام حيث يستيقظ الناس، فما عند الله من العزة والكرامة والفضل لا يناله أحد إلا بالعمل والسعي، مشيرًا إلى أن الإسلام جاء ليعلي من قيمة العمل ، فقال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، قائلا للشباب: إن الواسطة لا تصنع النوابغ ، وإن سحابات الهموم تكسرها أمطار الفرج، وكما جاء في قصة مجيء عرش بلقيس لسليمان: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}، فالذي يسعى لتحصيل العلم لخدمة وطنه سيكون مقدمًا على غيره في الدنيا، ويجزل الله تعالى له العطاء في الآخرة، لحبه وتفانيه لرفعة دينه ووطنه.