شدد د. أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، خلال كلمته إلى المسلمين في آسيا والعالم الإسلامي صباح اليوم من جامعة شريف هداية الله بالعاصمة الإندونيسية جاكرتا على أنَّ الله، سبحانه وتعالى، لم يُنزل الأديان من لدنه لشقاء النَّاس ولا لتعريضهم للضرر والرهبة والخوف والرعب، وإنما انزلها نورًا وهدًى ورحمة، والمسلمون على وجه الخصوص أبعد الخلق قاطبة عن الإرهاب، وما يتولد عنه من عنف، وقتل، وسفك للدم، وإزهاق للروح.. وأنا شخصيًّا لا أعلم دينًا ولا كتابًا سماويًّا توعَّد سفك الدماء بالعقوبة المغلظة في الدنيا والآخرة مثل الإسلام ومثل القرآن الكريم، فقد أوجب القرآن القصاص في القتل العمد في الدنيا، وتوعَّد قاتل العمد بجزاء شديد في الدار الآخرة. وتساءل قائلًا: "كيف يُوصَف الإِسلام بالإرهَاب وهو الدِّين الذي أعلن رسوله صلى الله عليه وسلم أن المسلم هو «مَنْ سَلِمَ النَّاس مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ»()، وقال: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ»().. ولم يقتصر الإسلام على تحريم القتل وتحريم إسالة الدم فحسب، بل حرَّم ترويع الناس وتخويفهم حتى لو كان الترويع والتخويف على سبيل المزاح فقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أشارَ إلى أخيه بحديدةٍ، فإنَّ الملائكةَ تلعنُهُ حتَّى يَدَعهُ، وإنْ كَان أخاه لأبيهِ وأُمِّهِ»()، وقال: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا»().. وكيف يُتَّهم هذا الدين بالإرهاب والعنف والقتل والهمجية وقد وصف الله النبي الذي حمل هذا الدين وبلَّغه للنَّاس بأنَّه: رَحْمَةٌ لِّلْعَالَمِينَ، فقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ {. وهو صلى الله عليه وسلم وصف نفسه بقوله: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ»()، أي أنا رحمة الله المهداةُ للعَالَمين. ولفت إلى أن المتأمل في الآية الكريمة والحديث الشريف لا بد له من أن ينتهي إلى حقيقتين لا مجال فيهما لريبة أو شك: الأولى: أن «الرحمة» بمفهومها الأعم الواسع هي الحكمة العليا التي من أجلها بعث الله نبيه إلى الناس. والحقيقة الثانية هي عموم رحمته صلى الله عليه وسلم بالعوالم كلها، بمعنى أنَّه رحمة الله إلى الخلق كل وإلى الناس أجمعين، وأن رحمته ليست خاصة بالمسلمين فحسب، بل تتعداهم -بنص الآية – إلى غيرهم من سائر الأمم والشعوب، وهذا ما يؤخذ من كلمة: «العالمين»، والتي لا يتوقَّف مفهومها ومعناها عند حدود عالَم الإنس فقط، بل يشمل أيضًا كل العوالم التي أحصاها العلماء والحكماء والفلاسفة، وحصروها في عوالم الإنسان والحيوان والنبات والجماد.