رغم أن مجلس النواب أكمل شهرا واحدا من مدته الدستورية خلال دور الانعقاد الأول له حتى الآن، وأن هذه المدة ليست كافية للحكم على الممارسة البرلمانية لرئيس المجلس الدكتور على عبدالعال، إلا أن البعض تحت قبة مجلس النواب وخارجها يحمله المسئولية عن الصورة الذهنية التي ترسخت حول هذا المجلس خلال هذا الشهر، ووجود حالة عدم رضاء عما دار خلال الجلسات العشرين التي عقدها المجلس، والتي شهدت حالات طرد من داخل القاعة لأحد النواب، ثم استقالة المستشار سري صيام كأول نائب معين يبادر بتقديم استقالته في تاريخ المجلس. فعملية الرصد والتحليل لأداء وممارسات "عبدالعال" تكشف وقوع 10 أخطاء أسهمت في حالة الغضب والثورة تحت قبة المجلس سواء من جانب ائتلاف سيف اليزل، وهو الائتلاف الذي دعم وساند "عبدالعال" لرئاسة المجلس، ولكنه لم يستمر في دعمه، وأيضًا من جانب نواب خارج هذا الائتلاف. وشملت قائمة الأخطاء التي وقعت خلال هذا الشهر، وإن كانت بحسن نية: أولًا: التسرع في عرض بعض القرارات دون التشاور الكافى مع الكتل البرلمانية قبل طرحها للتصويت، وهو ما حدث خلال عرض اقتراح تشكيل 6 لجان خاصة لمناقشة القرارات بقوانين التي صدرت في غيبة المجلس، ثم العدول عن هذا الاقتراح تحت رفض معارضة غالبية نواب المجلس. كما أظهرت ممارسات المنصة عدم الحسم لبعض القضايا العاجلة والجماهيرية، وظهر ذلك بوضوح في تشكيل لجنة تقصى حقائق حول تقرير الفساد، وعدم صحة أرقام ومعلومات المستشار هشام جنينة، حيث تقرر تشكيل لجنة وتأجيل إعلان الأسماء، ثم عرض الأمر للتصويت مرة ثانية وأيضًا عدم عرض الأسماء حتى الآن رغم أن السوابق البرلمانية تفرض على رئيس المجلس عرض الأسماء والتصويت عليها. والأمر نفسه ظهر عند تشكيل لجنة إعداد مشروع اللائحة، حيث تم اتخاذ قرار باختيار 7 أعضاء من ذوى الخبرة القانونية دون عرض الأسماء على المجلس وإعلانهم بعد ذلك وخلو الأسماء من اسم المستشار سرى صيام الذي قدم استقالته بسبب هذا الإقصاء والتهميش، ولو كان رئيس المجلس عرض أسماء الأعضاء السبعة للتصويت لتحمل المجلس المسئولية أمام سرى صيام بدلا من أن يتحملها رئيس المجلس. وشهدت جلسة مناقشة أول 3 طلبات لرفع الحصانة البرلمانية حالة من الشد والجذب بين الدكتور على عبدالعال من ناحية وعبدالرحيم على من ناحية أخرى، حيث إن الدكتور على عبدالعال فسر نص المادة 113 من الدستور بصورة وضعت أصحاب طلبات رفع الحصانة في منزلة أصحاب الحقوق والنواب في موضع الاتهام، ما أساء للنواب رغم أنها طلبات كيدية ومخالفة للقواعد المستقرة برلمانيا بالنسبة لمثل هذه الطلبات، وأن هيئة مستشارى رئيس المجلس لم تقدم له المشورة الدستورية والقانونية السليمة ما وضعته في هذا المأزق البرلمانى الذي ربما يتكرر كثيرا ويؤدى لمزيد من المشاكل البرلمانية للمنصة. ولعل لجوء الدكتور على عبدالعال لاستخدام بعض الصلاحيات الممنوحة له في لائحة المجلس دون قدر من التنازلات دفعت إلى زيادة نيران غضب النواب، وهو ما ظهر في أول حالة طرد لنائب من داخل القاعة وهو النائب المستقل أحمد طنطاوى واستخدامه لفظ طرد من القاعة وليس إخراج العضو من القاعة ما دفع النواب الغاضبين إلى التلويح بعدم الاستجابة بعد ذلك إلى أي قرارات يعرضها رئيس المجلس بشأن إخراج أي عضو من داخل القاعة باعتبار أن المجلس ليس ساحة مدرسية بل ساحة للممارسة البرلمانية. وواقعة تأنيب رئيس المجلس للوكيل سليمان وهدان بسبب إرساله ورقة لمنح الكلمة لأحد الأعضاء وتوجيه رئيس المجلس رسالة غضب له بألا يرسل مثل هذه الطلبات مرة أخرى، وألا يتوسط لنائب للحصول على كلمة، أثارت أيضا دهشة وغضبا، حيث إن الوكيل يهدف إلى مساعدة رئيس المجلس وتهدئة ثورة النواب الغاضبين من عدم الحصول على الكلمة وأن رئيس المجلس كان يمكن أن يوجه حديثه للوكيل عبر ورقة يرسلها إليه بدلا من الحديث العلنى كما كان يحدث من قبل. ولعل من الأخطاء التي تفجر نيران الغضب شعور النواب بوجود حالة من التدليل والمجاملة من جانب رئيس المجلس لبعض النواب مثل مرتضى منصور وحصوله على الكلمة كلما طلب ذلك، واختياره ضمن أعضاء لجنة اللائحة، وعدم اتخاذ أي إجراءات تجاه بعض التجاوزات التي حدثت منه في حق بعض النواب، ومنها واقعة النائب محمد أنور السادات وتقديم السادات بمذكرة رسمية لمحاسبة مرتضى، ثم واقعة النائبة سوزان ناشد داخل لجنة إعداد مشروع اللائحة الداخلية للمجلس. وتؤخذ على الدكتور على عبدالعال من جانب غالبية نواب المجلس عدم رفع أجندة برلمانية لأعمال المجلس واضحة المعالم حتى الآن وأن جدول أعمال الجلسات يصل للنواب قبل موعد الجلسة بنحو 24 ساعة، وهو موعد ليس كافيا، بل إن جلسة أمس لم يصدر بشأنها جدول أعمال ولم يتم إبلاغ النواب قبلها بوقت كاف عما إذا كانت مخصصة لحضور رئيس الجمهورية أم لا، وهى سابقة لم تحدث من قبل، حيث إن جلسة حضور رئيس الجمهورية كانت معروفة لنواب المجلس قبل عقدها بأسبوع على الأقل. وبعيدًا عن إدارة الجلسات فإن الزيارات البرلمانية التي شهدها المجلس من جانب وفود برلمانية أجنبية وقادة وشخصيات عالمية أظهرت حضور ودعوة عدد من ممثلى الأحزاب السياسية داخل المجلس دون دعوة عدد من النواب المستقلين لهذه اللقاءات رغم أن المستقلين هم الأغلبية، وأن رئيس المجلس نفسه لا ينتمى إلى حزب من الأحزاب بل مستقل ما يفرض عليه مراعاة التوازن في دعوة نواب مستقلين لحضور مثل هذه اللقاءات مع الوفود البرلمانية. ولعل غياب أغلبية قوية متماسكة تحت القبة وزعيم للأغلبية يدير حركة نوابها ويسهم في ضبط الإيقاع البرلمانى من الأسباب الرئيسية في تفجر نيران الغضب البرلمانية ضد المنصة ورئيس المجلس، لأنه يقوم بكل الأدوار البرلمانية في المرحلة الراهنة، وربما يستمر في أداء هذه الأدوار لشهور أخرى مقبلة ما يجعله في مرمى نيران الغضب البرلمانية حتى يتمكن من ترويض بعض الغاضبين. ومن الصعب المقارنة بين الدكتور على عبدالعال وأى من رؤساء المجالس السابقين خاصة الدكتور أحمد فتحى سرور الذي كان يقوم بدور واحد فقط دور المنصة وليس إدارة القاعة، كما أن مجالس سرور كانت تضم حزبا حاكما مسيطرا على أعضائه، وأن أي خروج عن النص يأتى العقاب من الحزب قبل أن يأتى من المجلس، وكانت إدارة الجلسات متعة ونزه، بينما إدارة الجلسات الآن للدكتور على عبدالعال كرة لهب يمسك بها وألغام داخل القاعة مطلوب إبطال مفعولها.