نميل نحن المصريون عامة إلى استعجال النتائج وتغليب العواطف على اعمال العقل فى قراراتنا ورؤيتنا للسياسة بصفة عامة. فمع قيام ثورة 25 يناير - على سبيل المثال - أصيب المتظاهرون بالملل سريعا وظنوا أنهم سيعودون إلى ديارهم خلال ساعات ليحتفلوا بسقوط النظام، وعقب تنحى مبارك هجر الثوار الميدان واعتزلوا التظاهر ظنا بأن الحرية والديمقراطية قادمتان على الأبواب وأن “,”مصر الجديدة“,” ستكون نموذجا سياسيا واقتصاديا يحتذى به وتسير خلفه الدول المجاورة رغم أن التغيير فى أى مجتمع لا يحدث بين يوم وليلة وقد يختلف فعليا عن الأحلام والأمانى. حتى عندما قام الاخوان وحلفاؤهم من التيار الإسلامى ب“,”سلق“,” الدستور فى منتصف الليل ظنوا أنهم استطاعوا فرض إرادتهم على المصريين وعلى الجانب الآخر شعر أنصار التيار المدنى بالإحباط واعتقدوا أن الأمر انتهى! ولم يستوعب الجميع دروس التاريخ، فالشعوب تحتاج لسنوات وربما عقود من أجل تغيير دساتيرها وقد يستدعى الأمر أكثر من محاولة فاشلة قبل الاستقرار على دستور دائم يعيش لعقود عديدة. نفس الأمر يتعلق بالمواجهة الدائرة الآن ضد الإرهاب فى سيناء حيث ظن البعض أنها مواجهة ستستغرق أسابيع قليلة لتنتهى جرائم الإرهاب الآثمة هناك وتعود أرض الفيروز مرة أخرى مكانا يشعر فيه القادم إليها بالأمن بالأمان. وساعد على هذا الاحساس موجة من تصريحات المسئولين والخبراء العسكريين والأمنيين بأن الحملة على الإرهاب على وشك الانتهاء وأن منحنى العمليات الإرهابية فى سيناء فى تراجع بعد الضربات التى تلقاها الجهاديون والمتطرفون من الجيش على الأرض. وهى التصريحات التى فندتها العمليات الإرهابية الأخيرة وأبرزها استهداف مبنى تابع المخابرات الحربية فى رفح ومحاولة اغتيال مساعد قائد الجيش الثالث الميداني. نتفهم بالطبع أن هذه التصريحات ربما يكون الهدف منها رفع الروح المعنوية لقوات الجيش والشرطة المتواجدة بسيناء، أو اعطاء انطباع ايجابى للرأى العام حول سير العمليات واستئصالها لخطر الإرهاب، لكن الواقع ربما يكون مختلف عن التصريحات. الوضع فى سيناء لايزال صعبا لأسباب لها علاقة بجغرافية المنطقة التى تتسم بجبالها ومدقاتها الوعرة مما يصعب على أى قوات نظامية مواجهة عدو هلامى يسلك مسلك حرب العصابات، كما أن اهمال نظام مبارك لسيناء جعل شبابها عرضة للتطرف بسبب البطالة وسياسة التضييق الأمنى. أيضا لايمكن اغفال أن السنوات الثلاث الماضية فى اعقاب الثورة تسببت فى هشاشة الوضع الأمنى أكثر مما أدى لانتشار العناصر الجهادية والتكفيرية وجلب الأسلحة الثقيلة سواء عبر الأنفاق مع غزة أو عن طريق الحدود ليبيا، وساهم فى ذلك الرئيس المعزول محمد مرسى وجماعته بالإفراج عن مئات الاسلاميين ومنحهم حرية التواجد والعمل السرى من داخل سيناء. وبالتالى لا يجب أن نحمل القوات المتواجدة فى سيناء أكثر من طاقتها فى ظل هذه الظروف، ولنتذكر أن الولاياتالمتحدة القوة العسكرية الأولى فى العالم بأسلحتها الحديثة ومخابراتها صاحبة الذراع الطويلة لم تنجح فى التوصل إلى أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة واغتياله إلا بعد نحو 10 سنوات من الملاحقة عقب أحداث 11 سبتمبر، كما أن القوات الأمريكية لا تزال تواجه صعوبات بالغة فى مواجهة حركة طالبان بسبب طبيعة المناطق الجبلية التى يختبئ بها عناصر القاعدة وطالبان، نفس الأمر تكرر فى مواجهات اسرائيل المتعددة مع حزب الله، وفشل الموساد فى الوصول إلى حسن نصر الله زعيم التنظيم حتى الآن. وحتى نكون منصفين لابد من الإشارة إلى أن الحملة الدائرة الآن على الإرهاب ربما تكون قد انقذت سيناء من شبح الانفصال عن مصر بعج كافة التهديدات التى تعرضت لها، لكن ينبغى من مصارحة الرأى العام بأن هذه العمليات ستستغرق وقتا طويلا وتحتاج دعما شعبيا لأبعد الحدود حتى تحقق النجاح المأمول.