"كيهك صباحك مساك، تقوم من فطورك تحضر عشاك"، " كيهك برد فوق وبرد تحت ".. هكذا يقول الأقباط في أمثالهم الدينية، حيث تشهد الكنائس القبطية خلال هذه الأيام صلوات وتسابيح شهر كيهك القبطي والذي يعرف أيضا بالشهر المريمي على اسم السيدة العذراء مريم، وهذا الشهر القبطي له مكانة خاصة لدى الكنيسة وطقوسها والأقباط كل عام ينتظرونه بشغف قبل الاحتفال بعيد الميلاد. وفي شهر كيهك، يقوم الأقباط بتسبيحة منتصف الليل لإحياء ذكرى تجسد السيد المسيح وتعظيم والدته مريم العذراء من خلال المدائح والتسابيح وبعض الفلكلور القبطي القديم. يرتبط التقويم القبطي بالمواسم الزراعية ومناخ مصر والسنة المصرية القديمة عند الفراعنة، وقد سمى المصريون شهورهم بأسماء معبوداتهم، وشهر كيهك نسبة إلى الإله "كاهاكا" اله الخير.. وتكثر الكنيسة التسبيح في شهر كيهك قبل عيد الميلاد (29 كيهك ) الموافق 7 يناير العام المقبل، حيث قال البابا تواضروس الثاني خلال عظته الأسبوعية عن شهر كيهك فهو الشهر الرابع في شهور السنة القبطية وهذا الشهر له طعم خاص في كنيستنا والشهر القبطي دائمًا يأتي فيه أيام آحاد، عادة تكون 4 أو 5 آحاد، وعندما يأتي الأحد الخامس نقول عنه " أحد البركة " وفيه نقرأ بالكنيسة معجزة إشباع الجموع الخاصة بالسيد المسيح، ولكن شهر كيهك يتميز ب 4 آحاد فقط والكنيسة لارتباطها بالكتاب المقدس تأخذ الإصحاح الأول من إنجيل لوقا للقراءة، فالكنيسة تختار إصحاحًا واحد تقسمه إلى 4 أجزاء على مدى الشهر ويتم فيه قراءة إنجيل معلمنا لوقا، لأن لوقا في الترتيب هو الإنجيل الثالث وله طابع أدبى وتعليمي وإنساني ومسكوني، وفي الأصل اليوناني كتبه القديس لوقا بصورة أدبية، وبطريقة تعليمية لكن الأهم أنه كتبه بروح إنسانية. ارتبط شهر كيهك ببعض الاساقفة الذين اشتهروا بقيادة الأقباط لتلاوة التسابيح والمدائح المسيحية الكيهكية كل عام، حيث يتوافد آلاف الأقباط وراء الأنبا يؤانس أسقف الخدمات العامة والمشرف على إيبارشية أسيوط بعد وفاة مطرانها الأنبا ميخائيل، لدرجة أن أتوبيسات قد تأتي من مختلف المحافظات لحضور التسبحة الكيهيكة معه حيث اشتهر بها منذ أن بدأها في كنيسة العذراء بالزيتون وكان قد يحضر الكنيسة عدد ضئيل إلا أن مع مرور السنين أصبحت الكنيسة تكتظ بالمصليين، ويرتلون وراءه بحماس شديد وفرحة عارمة للاحتفال بالسيدة العذراء. فيما يحرص اعداد غفيرة من الاقباط بحضور طقوس شهر كيهك مع الانبا رافائيل سكرتير مجمع اساقفة الكنيسة واسقف عام كنائس وسط القاهرة وذلك داخل الكنيسة المرقسية بالأزبكية وكنيسة جاردن سيتي وكنائس أخرى على مستوي القاهرة، حيث أن الانبا رافائيل لديه طابع خاص في هذا الشهر وهو يعتمد على الروحانية الشديدة في الصلاة. قال الراهب القمص بطرس البراموسي في كتابه "سلسلة التسبحة الكيهيكة ": "لا شك أن السهر في بدايته يكون عبئًا على الإنسان وشيئًا ثقيلًا عليه، ولكن مع جهاد الإنسان وتخطيه هذه المرحلة بالتغصب، " يبدأ بالتغصب.. أي تغصب الذات على السهر، وينتهي بالحب".. تنتهي هذه المرحلة بالمحبة الغير محدودة، والانطلاقة الروحية التي لا يساويها شيء، وهي أن يقضي الإنسان ليلة في التسبيح والشكر وتقديم صلوات يشتمها ضابط الكل رائحة بخور عطرة، فيتحول السهر داخل الإنسان من شيء ثقيل إلى عادة شهية لذيذة، يتمتع بها، ولا يستطع فيما بعد أن يتخلى عنها أو يفضل النوم عنها. اعتادت الكنيسة أن تسهر في التسابيح الكيهكية طوال الليل حيث تبدأ السهرة بتسبحة " قوموا يا بنى النور ".. وكأنها تدعوا أن تحول ظلام الليل إلى نور كما يقول معلمنا بولس الرسول " جميعكم أبناء نور وأبناء نهار.. لسنا من ليل ولا ظلمة فلا ننم كالباقين بل لنسهر ونصح. يذكر أن شهر كيهك، بشهر التسبيح أو الشهر المريمى أو سبعة وأربعة، وتسمية "سبعة وأربعة" لها علاقة بتلاوة ال"7 ثيؤطوكيات"، وال"4 هوسات"، الخاصة بالتسبحة، لذلك اصطلح الناس على تسميتها بهذا الاسم، و"الثيؤطوكية" كلمة مأخوذة من الكلمة اليونانية "ثيئوطوكوس" ومعناها "والدة الإله"، وهو لقب السيد العذراء، و"الثيؤطوكية"، هي تمجيد لاهوتي يتحدث عن سر التجسد واتحاد الطبيعتين للسيد المسيح "اللاهوت والناسوت"، وتطوبيات وتمجيدات للسيدة العذراء أما "الهوسات" فكلمة جمع، مفردها "هوس" ومعناها تسبيح في اللغة القبطية، وكل من الثيؤطوكيات والهوسات عبارة عن تمهيد لأمجاد ميلاد السيد المسيح وأحداثه، وما ورد عنه من نبوءات في العهد القديم، سواء في المزامير أو كتب الأنبياء، وكل هذا لكى يكون الذهن مركزًا في ميلاد السيد المسيح، كما يكون الذهن أيام البصخة المقدسة، أسبوع الآلم الذي يسبق عيد القيامة، مركزًا في آلامه.