نائب محافظ الأقصر يفتتح فصول متعددي الإعاقة بمدرسة الأمل للصم وضعاف السمع (صور)    22 صورة ترصد انطلاق امتحانات صفوف النقل بالدقي    وزير التموين: التحديات العالمية الراهنة تتطلب تعزيز التعاون الاقتصادي ودعم سلاسل الإمداد    الكيرجاوي يكسب البلدي.. تعرف على أسعار وأنواع خراف الأضاحي بأسوان    الرئيس يوجه باتخاذ كل ما يلزم من إجراءات بشكل مسبق لضمان استقرار التغذية الكهربائية    رئيس مصلحة الضرائب: إصلاحات ضريبية شاملة لدمج الاقتصاد غير الرسمي    بحوث "مباشر" تحدد القيمة العادلة لسهم "بنيان" عند 7.94 جنيه    إعلام عبري: إعادة وفد التفاوض الإسرائيلي من الدوحة بالكامل    زلزال يضرب بني سويف دون خسائر أو إصابات    أوروجواي تستدعي السفيرة الإسرائيلية بعد الهجوم على دبلوماسيين في جنين    أمريكا ستتحمل المسؤولية.. إيران تحذر من نوايا إسرائيلية للهجوم على منشآتها النووية    وول ستريت جورنال: ترامب أخبر قادة أوروبا أن بوتين ليس مستعداً لإنهاء حرب أوكرانيا    أيمن الجميل فى افتتاح بطولة بالم هيلز الدولية للإسكواش: دعم الرياضة استثمار حقيقى فى مستقبل الوطن    سون وبوستيكوجلو.. 10 أعوام بين البكاء والمواساة والمجد الأوروبي    "وسطاء فقط".. مفاجأة بشأن رحيل إمام عاشور للدوري السعودي    كرة يد - إنجاز تاريخي.. سيدات الأهلي إلى نهائي كأس الكؤوس للمرة الأولى    بعد قرار الرمادي.. الزمالك يبدأ الاستعداد لمواجهة بتروجيت في الدوري    السيسي ورئيس وزراء بريطانيا يبحثان تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية    3 مصابين في حريق منزل بالشرقية    "آيس وبودر وهيدرو".. ضبط 19 تاجر مخدرات في بورسعيد    ماتت تحت الأنقاض.. مصرع طفلة في انهيار منزل بسوهاج    ضبط مصنع بدون ترخيص لإنتاج الأسمدة والمخصبات الزراعية المغشوشة بالمنوفية    برنامج "فضفضت أوى" يتصدر الأكثر مشاهدة على Watch it بعد عرض حلقته الأولي    مملكة الحرير على "ON" قريبا    أول تعليق من مايان السيد بعد تكريمها من السيدة انتصار السيسي في احتفالية "أسرتي.. قوتي"    مكتبة الإسكندرية تحتفل باليوم العالمي للمتاحف    مهرجان كان، إيل فانينج تخطف الأنظار في جلسة تصوير فيلم Sentimental Value    بدلة فريدة وإطلالة عصرية.. «مسلم» يخطف الأنظار في حفل زفافه (صور)    أمين الفتوى: هذا سبب زيادة حدوث الزلازل    الأزهر للفتوى يوضح أحكام المرأة في الحج    خالد الجندي: يوضح حكم الصلاة في المساجد التي تضم أضرحة؟    تأثير الكبد الدهني على القلب- نصائح فعالة للوقاية    رئيس «الرقابة والاعتماد» يفوز بجائزة الطبيب العربي 2025 في «الحوكمة الصحية»    الدكتور محمد خليل رئيسًا لفرع التأمين الصحي في كفر الشيخ    محافظ الغربية يستقبل وكيل وزارة الزراعة الجديد    وزير الداخلية الفرنسي يأمر بتعزيز المراقبة الأمنية في المواقع المرتبطة باليهود بالبلاد    عاجل.. غياب عبد الله السعيد عن الزمالك في نهائي كأس مصر يثير الجدل    إعلام عبري: إسرائيل تستعد للسيطرة على 75% من أراضي غزة    ضبط لحوم غير صالحة ودواجن محقونة بالمياه في بورسعيد قبل عيد الأضحى    تأجل محاكمة اللاعب إمام عاشور ل جلسة 19 يونيو للنطق بالحكم في اتهامه بسب وقذف مشجع بالدقهلية    الكشف عن اسم وألقاب صاحب مقبرة Kampp23 بمنطقة العساسيف بالبر الغربي بالأقصر    جامعة بنها الأهلية تنظم اليوم العلمي الأول لكلية الاقتصاد وإدارة الأعمال    وزير البيئة: ربط التنوع البيولوجي بأهداف التنمية المستدامة أولوية قصوى    «القومي للمرأة»: استحداث اختصاص اضافي للجنة البحث العلمي    سون هيونج مين يقود توتنهام لتحقيق لقب الدوري الأوروبي ويصف نفسه ب"أسطورة ليوم واحد"    مباشر مباراة الأهلي والمنتدى المغربي في نصف نهائي الكؤوس الأفريقية لكرة اليد    «سلوكك مرآتك على الطريق».. حملة توعوية جديدة لمجمع البحوث الإسلامية    الزراعة : تعزيز الاستقرار الوبائي في المحافظات وتحصين أكثر من 4.5 مليون طائر منذ 2025    محافظ دمياط يتابع تطوير عيادة الطلبة بشطا    محافظ القاهرة يُسلّم تأشيرات ل179 حاجًا (تفاصيل)    راتب 28 ألف جنيه شهريًا.. بدء اختبارات المُتقدمين لوظيفة عمال زراعة بالأردن    سعر الريال القطرى اليوم الخميس 22-5-2025 فى منتصف التعاملات    "التميز في النشر العلمي الدولي" ورش عمل بجامعة حلوان    هبة مجدي بعد تكريمها من السيدة انتصار السيسي: فرحت من قلبي    «فولكانو ديسكفري»: نشاط زلزالي محتمل في الإسكندرية أو القرب منها    طلاب الصف الأول الثانوي يؤدون اليوم امتحان العلوم المتكاملة بالدقهلية    حكم من يحج وتارك للصلاة.. دار الإفتاء توضح    خالد الجندي: الصلاة في المساجد التي تضم أضرحة «جائزة» بشروط شرعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستثمار الأسود.. في حادث وأحداث أكثر سوادًا
نشر في البوابة يوم 10 - 11 - 2015

أقلعت طائرة روسية من طراز «إيرباص 321» من مطار شرم الشيخ الدولى فى اتجاهها إلى سان بيترسبرج بروسيا السبت فى تمام الساعة 5:58 صباحا وعلى متنها 224 راكبا، هذا العدد يشمل سبعة أفراد هم طاقم الطائرة، بعد مرور 23 دقيقة تعلن شركة الطيران الروسية فقد الاتصال معها، ليتبين لاحقا سقوطها فى منطقة قريبة من «مدينة الحسنة» بشمال سيناء وتحطمها بالكامل، جميع ركاب الطائرة لقوا مصرعهم فى الحال لتبدأ من تلك اللحظة رحلة شائكة من أجل الوصول إلى الحقيقة أو ما يقارب الحقيقة على الأقل.
قائد الطائرة المنكوبة يدعى «الكابتن فاليرى نيموف 48 عاما»، ونيموف فى الأصل طيار سابق فى الجيش الروسى، خدم فى الطيران العسكرى وكان يقود المقاتلات والطائرات العسكرية التى تقل كبار الضباط العسكريين، تخرج فى كلية «ستافروبول العليا العسكرية للطيران» قسم الطيارين والملاحين، كان نيموف يطير جوا على متن طائرات نقل عسكرية مثل AN-72، بالإضافة إلى أنه خدم لسنوات عديدة فى مطار وحدة «شكاللوفسكى» العسكرية، فى النصف الأول من التسعينيات، كان نيموف يخرج فى العديد من الرحلات إلى الشيشان، وكان مسئولا عن نقل كبار الضباط فى وزارة الدفاع الروسية وهذه المهمة تتطلب مهارة وأمانة وكفاءة عالية.
بعد التقاعد قرر نيموف أن يتدرب على قيادة الطائرات المدنية، وتدرب بالفعل على قيادة مختلف أنواع الطائرات المدنية مثل «توبوليف 134» و«توبوليف 154» ومن ثم أتقن قيادة طائرات طراز «بوينج» و«إيرباص»، بلغ مجموع عدد ساعات الطيران المسجلة لنيموف حوالى 12 ألف ساعة طيران، من ضمنها 3860 ساعة خبرة فى قيادة الطائرات طراز «إيرباص A321»، طبقا لشركة الطيران لا يعتبر نيموف مسئولا عن حادث سقوط الطائرة حيث يستبعد وجود خطأ بشرى، وترجع المأساة لحدوث خلل فنى وتقنى بالطائرة حيث ألمحت تقارير مختلفة إلى أن مشكلة ميكانيكية لعبت دورا فى ذلك، خاصة أن الفحص المبدئى لموقع تحطم الطائرة أظهر أن سبب سقوطها عطل فنى وفقا لما أعلنته المتحدثة الرسمية باسم شركة الطيران، أو على الأقل هكذا سار الأمر فى اليومين الذين أعقبا الحادث، وفيهما نشرت «الجارديان» البريطانية مثلا أن نيموف أبلغ الفنيين بمطار شرم الشيخ الدولى عن قلقله بسبب «فشل تشغيل المحرك أكثر من مرة خلال الأسبوع الماضى»!!
أعطت مصر موافقتها الرسمية على استقبال فريق تحقيق جوى روسى الجنسية لمتابعة التحقيقات الجارية، بقصد الشفافية أولا وبغرض الاستفادة من الخبرات الدولية التى أضافت لها استقدام فريق ألمانى وآخر فرنسى بمعرفة سلطات الطيران المدنى المصرية، وفى ثنايا تلك الأيام الأولية كان هناك فى موسكو مشهد يسير فى نفس طريق الترجيح للأعطال الفنية كمسبب للحادث كشفت عنه صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية، خاص بمعلومات مهمة عن الشركة الروسية «بريسكو» المالكة للطائرة المنكوبة التى سقطت فى سيناء، حيث داهمت الشرطة الروسية مقر الشركة وأيضا شركة السياحة المنظمة للرحلة إلى شرم الشيخ، وهاتان الشركتان مملوكتان لشخص واحد بحسب ما ذكرته الصحيفة الفرنسية ونقلا عن وحدة الأمن الروسية التى تولت ملف الحادث، وتابعت أن نتائج التحقيقات الأولية التى أظهرتها وثائق وبرامج الرحلات وعينات من الوقود تمت مصادرتها، فإن السلطات الروسية فى طريقها إلى استبعاد العملية الإرهابية تماما فى الوقت الراهن من تحقيقاتها، فبعد مداهمة لجنة التحقيقات لأحد الأجهزة الأمنية المتخصصة والمقربة من الكرملين مقر الشركة المالكة للطائرة وشركة السياحة التى نظمت الرحلة إلى مصر، صدر اتهام أولى للشركتين «بتقديم خدمات سياحية لا تلتزم معايير السلامة الدنيا المطلوبة».
أضافت الصحيفة الفرنسية أن ملكية شركة الطيران «ميتروجات» وشركة السياحة «بريسكو» تعودان إلى روسى يدعى «فيشكان تابولاييف»، الذى تحوم حوله شكوك منذ فترة وتتعلق بطرق تسيير أعماله وشرعيتها، خاصة فى ظل شك السلطات فى أنه مجرد واجهة لرجال أعمال آخرين من الشيشان وتركيا لتسيير أعمالهما فى روسيا، المداهمة المذكورة سمحت بمصادرة وحجز وثائق تتعلق بأنشطة الشركتين واستغلال خطوط الطيران الجوى وتنظيم الرحلات السياحية، إلى جانب مصادرة عينات من الوقود المستخدم من قبل الشركة فى رحلاتها الجوية فى «مطار سامرا» جنوب روسيا وهو المطار الذى تزودت فيه الطائرة بالوقود قبل الرحيل إلى شرم الشيخ.
أيضا هناك تقرير أمنى رفيع المستوى تم رفعه إلى الكرملين مباشرة وسط الأسبوع الماضى تقريبا، سلط الضوء على شركة الطيران الروسية «كوجاليمايا» أو «ميتروجات» بشكل مثير، وبين أن الشركة التى تخصصت فى «الطيران الاقتصادى» ونقل السياح خاصة إلى مصر وتركيا وإسبانيا تأسست فى 1993م، زمن الفوضى التى ميزت قطاع الطيران الروسى بعد سنوات قليلة من انهيار الاتحاد السوفيتى، وهذه الجزئية من التقرير نقلتها صحيفة «نوفايا جازيتا» الروسية، وبحسب الصحيفة أيضا اشتكى قائد الطائرة فى أكثر من مناسبة آخرها قبل أسبوع من سقوطها لدى المصالح الفنية فى الشركة «من استجابة محركاتها بشكل غير سليم خاصة عند الإقلاع»، وأضاف التقرير المشار إليه أن التحقيقات الرسمية كشفت أن المالكين الحقيقيين لشركة الطيران وعلى عكس ما تؤكد الوثائق هم رجال أعمال من القوقاز وآخر تركى، وتبين أن الأخير رئيس «شركة أونور إير» التى باعت الطائرة المنكوبة إلى «شركة ميتروجات» الروسية، وأشار التقرير كتوصية فنية وأمنية إلى أن الحادث المأساوى قد يستلزم فتح باب النقاش من جديد فى روسيا حول التساهل مع الشركات التى تستغل طائرات متهالكة، مشيرا إلى مطالبة الخبراء منذ سنوات عدة بضرورة منع الطائرات التى يفوق عمرها 15 سنة من التحليق فى سماء روسيا، وأن الوقت حان بعد الفاجعة الأخيرة لتنفيذ هذا المطلب، كما ذكر نائب رئيس لجنة الصناعة فى الدوما «البرلمان الروسى» مساء السبت وهو يوم وقوع الحادث: «يبلغ متوسط عمر الطائرات فى عموم روسيا 21 عاما، فى مقابل 13 عاما فقط فى الولايات المتحدة».
«شركة ميتروجات» الروسية اعتمدت فى تأمين رحلاتها السياحية على أسطول يتألف من 7 طائرات إيرباص 321A، وجميعها من نفس الطراز مثل التى تحطمت فى مصر وهى التى تجاوز عمر استغلالها 18.5 عام، بعد سنوات من الخدمة ضمن أسطول «شركة الشرق الأوسط» اللبنانية ثم «الخطوط السعودية»، وبعدها فى «شركة أونور إير» التركية ثم «شام وينجز» السورية قبل أن تستقر لدى الشركة الروسية، ما دعا سلطات الطيران المدنى الروسية أن تأمر بتعليق جميع رحلات «شركة ميتروجات» وإلزامها بعدم مغادرة مطاراتها، فى انتظار نتائج التحقيق حول سقوط الطائرة وفى انتظار إجراء فحوصات فنية متخصصة على أسطولها الجوى بكامله، بعد تنامى الشكوك فى سلامتها واستجابتها لمواصفات الطيران الآمن وهو قرار يستهدف تحقيق أكبر قدر من الشفافية.
السلطات المصرية الرسمية لم تكن أقل شفافية من نظيرتها الروسية منذ لحظات الحادث الأولى، فموافقة فورية صدرت من الرئاسة المصرية باستقبال طاقم محققين روسى للمشاركة فى الأعمال التقنية للتحقيق فى جميع مراحله، بل زادت مصر على ذلك باستقدام ثلاثة أطقم فنية أخرى «ألمانى، فرنسى، وأيرلندى» يوصفون بأنهم الأعلى احترافية على مستوى العالم فى التحقيق بحوادث الطيران، لذلك لم يصمد الادعاء الأولى «لتنظيم ولاية سيناء» بتبنيه لعملية إسقاط الطائرة بواسطة صاروخ حرارى أطلق من أرض سيناء وبث مقطع مصور لسقوط طائرة، فجاء أول نفى صادرا من الجانب الروسى الذى التقط هذا المقطع فى لحظات واستطاع تحليلة وتوصل إلى زيفه بل وأعلن عن مكان وتاريخ تصويره فى قاعدة «باجرام الجوية» بأفغانستان فى العام 2013م، وكان هذا الإعلان الروسى السريع قبل حتى أن يعلن المحللون المصريون أن تنظيم ولاية سيناء لا يمتلك إمكانية إسقاط طائرة مدنية تحلق على ارتفاع يزيد على 30 ألف قدم، ومثلت هذه الحالة أول محاولة لاستثمار الحادث من قبل آخرين فى اتجاه حصد المكاسب أو إنفاذ رسائل ما لأطراف بعينها على رأسها بالطبع مصر وروسيا.
لكن حالة الاستثمار تلك لم تكن الوحيدة فى خضم أسبوع عاصف بالأحداث المتلاحقة وسباق حقيقى مع الزمن يخوضه فريق التحقيق من أجل فك طلاسم الحادث ووضع إجابة شافية أولية تجيب عن سؤال ماذا حدث، الاستثمار البريطانى المفاجئ للحدث كان هو الأعلى قبل أن يصل الرئيس المصرى للعاصمة لندن بساعات معدودة، فالإعلان البريطانى عن امتلاك جهاز استخباراتها لمعلومات تفيد بأن المرجح لديها أن سقوط الطائرة جاء بسبب عبوة ناسفة تم زرعها داخل الطائرة فى محطة إقلاعها «مطار شرم الشيخ»، وكان اتهام بريطانيا يتجه ناحية تنظيم داعش فى التنفيذ وإجراءات التأمين فى المطار المصرى فى ارتكاب قصور سمح بهذا التنفيذ، كان الإعلان البريطانى يستند إلى ما سمى «بمعلومات استخبارية سرية» وهى صيغة ضبابية فى مثل تلك الحوادث، خاصة أنه لا يوجد ما يؤكدها ماديا، لكن قرارا مفاجئا من رئيس الوزراء البريطانى بوقف الرحلات من وإلى شرم الشيخ بالنسبة للشركات الإنجليزية حبس العالم كله أنفاسه متابعة لتداعيات مثل هذا القرار، وكانت ظلال تزامنه مع وصول الرئيس المصرى تطبق على دوافعه بشدة، هكذا دار التساؤل المشروع كل عواصم العالم وفى أذهان كافة المعنيين حتى وهو يتم ربطه بما تقوم به روسيا عسكريا على الأرض السورية، كان المشهد فى تصدره لكافة وسائل الأخبار العالمية ليومين كاملين مغامرة ومجازفة بريطانية محسوبة بدقة، فهى ترجع قرارها إلى الرغبة فى حماية مواطنيها وهذا توجه لا يمكن وضع التحفظ عليه بأى صورة، وفى المقابل الاستناد على معلومات استخباراتية هو فرضية يمكن التراجع عنها بسهولة إذا ثبت عدم دقتها، لذلك لم يكن الموقف برمته يبدو شفافا أو يحظى بالمصداقية الواجبة.
وفى جزئية تلك المعلومات الاستخباراتية دار الأمر حول مكالمة هاتفية تم رصدها بطريقة إلكترونية أمريكيا وهى تحمل بعض الإشارات حول عمل إرهابى وطائرة، وتم تمرير تلك المعلومات من المخابرات الأمريكية إلى نظريتها البريطانية وتركت لها حرية استثمار تلك المعلومة الغائمة، ولم تفلت الإدارة البريطانية الفرصة وضخمت من ردود فعلها بشكل يحقق لها مكاسب داخلية تدور حول إدارة تخاف على رعايها وتبذل فى سبيل حمايتهم كل طاقتها، التى من الممكن أن تصل لحد إرسال طائرات نقل عسكرية تابعة للجيش البريطانى تجلى بها رعاياها من مصر، وهو التصرف الذى استنكرته مصر بشدة بعد وصول الرئيس السيسى إلى لندن ورأته ردة فعل عالية جدا لا تتناسب مطلقا مع احتمالية لا تتعدى التكهنات، ولا تتناسب أيضا مع الأوضاع على الأرض فى مدينة شرم الشيخ وفى سيناء بكاملها فهى ليست منطقة كوارث أو خطر داهم يستلزم مثل تلك ردود الأفعال، وفى كل الأحداث المشابهة لم تلجأ الدول لمثل تلك التصرفات واستطاعت مصر الرسمية أن تجهض هذا الاستثمار البريطانى الأسود، فهو فى أبسط مفرداته ينال من السمعة الأمنية لمصر بشدة ويفرغ زيارة الرئيس المصرى من أى نجاحات يمكن تحقيقها فى جدول تلك الزيارة الهامة.
تفاجأ الجميع عصر الجمعة الماضى بتوقيت القاهرة بتصريح رسمى صادر عن المتحدث باسم الرئاسة الروسية «دميترى بيسكوف»: «أن رئيس جهاز الأمن الفيدرالى «ألكسندر بورتنيكوف» اقترح على الرئيس فلاديمير بوتين تعليق الرحلات الجوية إلى مصر حتى التحقق من أسباب تحطم الطائرة المنكوبة فى سيناء، وذكر بيسكوف: لقد وافق رئيس الدولة على تلك التوصيات»، وبالفعل أمر بوتين الحكومة بوضع آليات لتنفيذ هذه التوصيات وضمان عودة المواطنين الروس»، وأضاف بيسكوف «أوعز الرئيس بالتعاون مع الجانب المصرى لضمان سلامة الرحلات الجوية».
رئيس جهاز الأمن الفيدرالى «ألكسندر بورتنيكوف» وهو المنصب الأعلى والأول فى كافة الأجهزة الأمنية الروسية، تقدم بالفعل صباح هذا اليوم بتوصية رسمية خلال اجتماع «لجنة مكافحة الإرهاب الوطنية» تنص على أنه يرى من المناسب تعليق رحلات الطائرات الروسية إلى مصر حتى تحديد أسباب تحطم الطائرة «الإيرباص»، وهذه التوصية الأمنية من هذه الشخصية الأمنية الرفيعة متوقعة ومفهومة من الجانب المصرى خاصة مع عدم انتهاء لجان التحقيق من الوصول إلى أسباب مباشرة للحادث، وفى جانب آخر منه أن مهام منصبه تلزمه أن يتقدم بمثل هذه التوصيات مع إعصار إعلامى لا يمكن مواجهته يتحدث عن دول أخرى لم يصب مواطنوها فى الحادث وتتخذ إجراءات احترازية من أجل سلامة مواطنيها، حتى إن جاءت تلك الإجراءات مؤقتة لحين جلاء بقية الصورة وقد كان فى طيات هذا الإعصار المشار إليه أن الحادث فى حال ثبوت وقوعه بسبب عمل إرهابى فإن المستهدف الرئيسى فيه هو الجانب الروسى قبل أى أحد آخر، وقد ربط الإعصار الإعلامى بالطبع بين التدخلات العسكرية الروسية فى سوريا وبين انتقام قد تلجأ إليه الجماعات الإرهابية ضد رعايا الدولة الروسية ومصالحها، لذلك لم تكن التوصية الأمنية الروسية فى غير محلها ولا جاءت الموافقة الرئاسية عليها سوى مسار إجبارى تفرضه طبائع المناصب والمسئوليات المباشرة لهذه القيادات الروسية.
يبقى فى النهاية شىء واحد فى تلك الرحلة الشائكة بحثا عن شىء يقارب الحقيقة طالما أن مشهد التكهنات ما زال مفتوحا على مصراعيه، وهو فرضية أن يكون من قام بهذا العمل جهاز استخباراتى محترف فى ظل صراع تكسير العظام والإرادات الذى يدور حولنا ويضرب الإقليم بقوة، ففى حال ثبوت يقين فنى رسمى بأن الحادث قد وقع بسبب عمل إرهابى فهل يمكن تصديق هذا التنظيم المرتبك والمتداعى أن يكون هو من قام بها، وأقصد هنا تنظيم ولاية سيناء الذى حاول فى لحظات الحادث الأولى أن يستثمر مشهدا بدا أكبر من رصيده الائتمانى بكثير، فهذا المستوى الخطير من تلك العمليات قد ينفذه أشخاص مجندون وموجهون لطريق مراحل العملية لكن من يدير هنا لا بد أن يكون جهازا أمنيا يرصد ويخطط ويعد الخطوات بدقة متناهية لا تسمح بالفشل أو الانكشاف، والأمثلة كثيرة ولكن أشهرها فى هذا السياق «حادث لوكيربى» الذى سارت خلفه المخابرات البريطانية سنوات حتى وصلت إلى الجهاز الاستخباراتى الذى وقف خلف تلك العملية، ومن الواجب بالطبع ذكر طائرات الولايات المتحدة التى نسبت للقاعدة ضمنا لكن المتخصصين الأمريكيين يدركون تماما أن هذا فقط هو طرف الخيط الأخير، إنما بدايته لم تتضح بعد وما زال الملف مواربا ومشككا فى كافة التحقيقات والروايات الرسمية بعد أربعة عشر عاما من الحادث الأشهر، فى حال ثبوت تلك الفرضية فنيا، فإن هناك الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية التى تتلهف إلى الإمساك بخيوط تتحرك على رمال سيناء الغامضة، فقد تسمح لها تلك الخيوط أن تستثمر فى هذا النوع من الاستثمار الأسود، الذى يشكل الصندوق الائتمانى الجديد فى منطقة تتعاطى الخطر يوميا قبل الأكل وبعده.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.