وظيفة فورية ومضمونة.. تنسيق مدارس التمريض بعد الإعدادية (الشروط وتوقعات الحد الأدنى للقبول)    ختام امتحانات الفصل الدراسي الثاني بكلية دار العلوم جامعة أسوان    الفريق أول محمد زكي القائد العام للقوات المسلحة يلتقى منسق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمجلس الأمن القومي الأمريكي    وزير الاتصالات يبحث مع نظيره الكوري التعاون فى مجالات الرقائق الالكترونية والذكاء الاصطناعى    للراغبين في الشراء.. تراجع أسعار المولدات الكهربائية في مصر 2024    رئيس هيئة الدواء يبحث مع المستحضرات الدوائية بالكونغو فرص الاستثمار    نمو الناتج الصناعي الإسباني بواقع 0.8% في أبريل    CNN: إسرائيل استخدمت صواريخ أمريكية في قصف مدرسة الأونروا بالنصيرات    المستشار الألمانى يتعهد بترحيل مهاجرين عقب حادث طعن شرطى    أويارزابال يحتفي بالهاتريك الأول    مدرب تونس: حققنا الأهم أمام غينيا الاستوائية.. ونعاني من الغيابات    عبد الرحمن مجدي: ظُلمت في مشكلة الأولمبياد.. والأهلي سيتوج بالدوري وأنتقل للنادي الأكثر بطولات    حسام البدري يكشف كواليس رحيله عن بيراميدز ورفض عرض الزمالك    لوكاكو: الأندية الأوروبية تعلم أن السعودية قادمة.. المزيد يرغبون في اللعب هناك    وزيرة التضامن: استمرار تفويج حجاج الجمعيات حتى 9 يونيو الجاري    رسميًا اليوم.. المحكمة العليا تستطلع هلال شهر ذي الحجة 1445 في السعودية    هل عمر المنسي شرير في مسلسل مفترق طرق؟.. ماجد المصري يجيب    الأقوى والأكثر جاذبية.. 3 أبراج تستطيع الاستحواذ على اهتمام الآخرين    جميلة عوض تحتفل بحنتها قبل ساعات من حفل زفافها الليلة    ثقافة بورسعيد تناقش تلوث البيئة وأثره على الصحة العامة    انطلاق أول حلقتين من الفيلم الوثائقي "أم الدنيا" حصريًا على WATCH IT    صيام العشرة الأوائل من ذي الحجة.. لماذا استحب الصيام بها؟    تكبيرات عيد الأضحى 2024.. وطقوس ليلة العيد    تزامنًا مع عيد الأضحى 2024.. «الإفتاء» تكشف أفضل وقت لذبح الأضحية    دراسة تحذر من مخاطر مشروبات الطاقة على مرضى القلب    هيئة الدواء تستعرض تجربتها الرائدة في مجال النشرات الإلكترونية    المشدد 5 سنوات لعاطل وربة منزل بتهمة تزوير عقود بيع شقة    التحقيق مع عاطل هتك عرض طفل في الهرم    محافظ أسوان يكرم أبطال نادي ذوي الاحتياجات الخاصة لحصدهم العديد من الميداليات الذهبية    التحالف الوطنى للعمل الأهلى ينظم احتفالية لتكريم ذوى الهمم بالأقصر    طلب إحاطة بشأن رفع بعض المدارس الخاصة للمصروفات بنسبة 100%    في يوم واحد.. ضبط 14 ألف قضية تتعلق بالنقل والمواصلات    فحص 889 حالة خلال قافلة طبية بقرية الفرجاني بمركز بني مزار في المنيا    تخريج 6 دفعات من معهد المحاماة ومشروع تدريبي لنقابة المحامين للعدالة الإلكترونية بالوادي الجديد    حسام البدري: تعرضت للظلم في المنتخب.. ولاعبو الأهلي في حاجة إلى التأهيل    إسبانيا تبدي رغبتها في الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام «العدل الدولية»    ليلة في حب سيدة المسرح العربي.. تفاصيل تكريم سميحة أيوب بدار الأوبرا    تركي آل الشيخ: أتمنى جزء رابع من "ولاد رزق" ومستعدين لدعمه بشكل أكبر    أبوالغيط يتسلم أوراق اعتماد مندوب الصومال الجديد لدى جامعة الدول العربية    وزير الري: تراجع نصيب الفرد من المياه إلى 500 متر مكعب (تفاصيل)    عضو بالبرلمان.. من هو وزير الزراعة في تشكيل الحكومة الجديد؟    تباين أداء مؤشرات البورصة بعد مرور ساعة من بدء التداولات    اقتصادي يكشف أسباب ارتفاع احتياطي مصر من النقد الأجنبي ل46.125 مليار دولار    رئيس الوفد فى ذكرى دخول العائلة المقدسة: مصر مهبط الديانات    كيفية تنظيف مكيف الهواء في المنزل لضمان أداء فعّال وصحة أفضل    أمين الفتوى: لابد من أداء هذه الصلاة مرة واحدة كل شهر    ننشر أسماء الفائزين بمسابقة "وقف الفنجري" جامعة القاهرة 2024    جواب نهائي مع أشطر.. مراجعة شاملة لمادة الجيولوجيا للثانوية العامة الجزء الثاني    قبل عيد الأضحى.. ضبط أطنان من الدواجن واللحوم والأسماك مجهولة المصدر بالقاهرة    بوريل يستدعي وزير خارجية إسرائيل بعد طلب دول أوروبية فرض عقوبات    وزيرة الثقافة تشهد الاحتفال باليوم العالمي للبيئة في قصر الأمير طاز    إصابات في قصف مسيرة إسرائيلية دراجة نارية بجنوب لبنان    رئيس شؤون التعليم يتفقد لجان امتحانات الثانوية الأزهرية بالأقصر    البرلمان العربي: مسيرات الأعلام واقتحام المسجد الأقصى اعتداء سافر على الوضع التاريخي لمدينة القدس    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المحافظ جاى 000!!؟    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    وزير الخارجية القبرصي: هناك تنسيق كبير بين مصر وقبرص بشأن الأزمة في غزة    ملف رياضة مصراوي.. تصريحات صلاح.. مؤتمر حسام حسن.. تشكيل منتخب مصر المتوقع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستثمار الأسود.. في حادث وأحداث أكثر سوادًا
نشر في البوابة يوم 10 - 11 - 2015

أقلعت طائرة روسية من طراز «إيرباص 321» من مطار شرم الشيخ الدولى فى اتجاهها إلى سان بيترسبرج بروسيا السبت فى تمام الساعة 5:58 صباحا وعلى متنها 224 راكبا، هذا العدد يشمل سبعة أفراد هم طاقم الطائرة، بعد مرور 23 دقيقة تعلن شركة الطيران الروسية فقد الاتصال معها، ليتبين لاحقا سقوطها فى منطقة قريبة من «مدينة الحسنة» بشمال سيناء وتحطمها بالكامل، جميع ركاب الطائرة لقوا مصرعهم فى الحال لتبدأ من تلك اللحظة رحلة شائكة من أجل الوصول إلى الحقيقة أو ما يقارب الحقيقة على الأقل.
قائد الطائرة المنكوبة يدعى «الكابتن فاليرى نيموف 48 عاما»، ونيموف فى الأصل طيار سابق فى الجيش الروسى، خدم فى الطيران العسكرى وكان يقود المقاتلات والطائرات العسكرية التى تقل كبار الضباط العسكريين، تخرج فى كلية «ستافروبول العليا العسكرية للطيران» قسم الطيارين والملاحين، كان نيموف يطير جوا على متن طائرات نقل عسكرية مثل AN-72، بالإضافة إلى أنه خدم لسنوات عديدة فى مطار وحدة «شكاللوفسكى» العسكرية، فى النصف الأول من التسعينيات، كان نيموف يخرج فى العديد من الرحلات إلى الشيشان، وكان مسئولا عن نقل كبار الضباط فى وزارة الدفاع الروسية وهذه المهمة تتطلب مهارة وأمانة وكفاءة عالية.
بعد التقاعد قرر نيموف أن يتدرب على قيادة الطائرات المدنية، وتدرب بالفعل على قيادة مختلف أنواع الطائرات المدنية مثل «توبوليف 134» و«توبوليف 154» ومن ثم أتقن قيادة طائرات طراز «بوينج» و«إيرباص»، بلغ مجموع عدد ساعات الطيران المسجلة لنيموف حوالى 12 ألف ساعة طيران، من ضمنها 3860 ساعة خبرة فى قيادة الطائرات طراز «إيرباص A321»، طبقا لشركة الطيران لا يعتبر نيموف مسئولا عن حادث سقوط الطائرة حيث يستبعد وجود خطأ بشرى، وترجع المأساة لحدوث خلل فنى وتقنى بالطائرة حيث ألمحت تقارير مختلفة إلى أن مشكلة ميكانيكية لعبت دورا فى ذلك، خاصة أن الفحص المبدئى لموقع تحطم الطائرة أظهر أن سبب سقوطها عطل فنى وفقا لما أعلنته المتحدثة الرسمية باسم شركة الطيران، أو على الأقل هكذا سار الأمر فى اليومين الذين أعقبا الحادث، وفيهما نشرت «الجارديان» البريطانية مثلا أن نيموف أبلغ الفنيين بمطار شرم الشيخ الدولى عن قلقله بسبب «فشل تشغيل المحرك أكثر من مرة خلال الأسبوع الماضى»!!
أعطت مصر موافقتها الرسمية على استقبال فريق تحقيق جوى روسى الجنسية لمتابعة التحقيقات الجارية، بقصد الشفافية أولا وبغرض الاستفادة من الخبرات الدولية التى أضافت لها استقدام فريق ألمانى وآخر فرنسى بمعرفة سلطات الطيران المدنى المصرية، وفى ثنايا تلك الأيام الأولية كان هناك فى موسكو مشهد يسير فى نفس طريق الترجيح للأعطال الفنية كمسبب للحادث كشفت عنه صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية، خاص بمعلومات مهمة عن الشركة الروسية «بريسكو» المالكة للطائرة المنكوبة التى سقطت فى سيناء، حيث داهمت الشرطة الروسية مقر الشركة وأيضا شركة السياحة المنظمة للرحلة إلى شرم الشيخ، وهاتان الشركتان مملوكتان لشخص واحد بحسب ما ذكرته الصحيفة الفرنسية ونقلا عن وحدة الأمن الروسية التى تولت ملف الحادث، وتابعت أن نتائج التحقيقات الأولية التى أظهرتها وثائق وبرامج الرحلات وعينات من الوقود تمت مصادرتها، فإن السلطات الروسية فى طريقها إلى استبعاد العملية الإرهابية تماما فى الوقت الراهن من تحقيقاتها، فبعد مداهمة لجنة التحقيقات لأحد الأجهزة الأمنية المتخصصة والمقربة من الكرملين مقر الشركة المالكة للطائرة وشركة السياحة التى نظمت الرحلة إلى مصر، صدر اتهام أولى للشركتين «بتقديم خدمات سياحية لا تلتزم معايير السلامة الدنيا المطلوبة».
أضافت الصحيفة الفرنسية أن ملكية شركة الطيران «ميتروجات» وشركة السياحة «بريسكو» تعودان إلى روسى يدعى «فيشكان تابولاييف»، الذى تحوم حوله شكوك منذ فترة وتتعلق بطرق تسيير أعماله وشرعيتها، خاصة فى ظل شك السلطات فى أنه مجرد واجهة لرجال أعمال آخرين من الشيشان وتركيا لتسيير أعمالهما فى روسيا، المداهمة المذكورة سمحت بمصادرة وحجز وثائق تتعلق بأنشطة الشركتين واستغلال خطوط الطيران الجوى وتنظيم الرحلات السياحية، إلى جانب مصادرة عينات من الوقود المستخدم من قبل الشركة فى رحلاتها الجوية فى «مطار سامرا» جنوب روسيا وهو المطار الذى تزودت فيه الطائرة بالوقود قبل الرحيل إلى شرم الشيخ.
أيضا هناك تقرير أمنى رفيع المستوى تم رفعه إلى الكرملين مباشرة وسط الأسبوع الماضى تقريبا، سلط الضوء على شركة الطيران الروسية «كوجاليمايا» أو «ميتروجات» بشكل مثير، وبين أن الشركة التى تخصصت فى «الطيران الاقتصادى» ونقل السياح خاصة إلى مصر وتركيا وإسبانيا تأسست فى 1993م، زمن الفوضى التى ميزت قطاع الطيران الروسى بعد سنوات قليلة من انهيار الاتحاد السوفيتى، وهذه الجزئية من التقرير نقلتها صحيفة «نوفايا جازيتا» الروسية، وبحسب الصحيفة أيضا اشتكى قائد الطائرة فى أكثر من مناسبة آخرها قبل أسبوع من سقوطها لدى المصالح الفنية فى الشركة «من استجابة محركاتها بشكل غير سليم خاصة عند الإقلاع»، وأضاف التقرير المشار إليه أن التحقيقات الرسمية كشفت أن المالكين الحقيقيين لشركة الطيران وعلى عكس ما تؤكد الوثائق هم رجال أعمال من القوقاز وآخر تركى، وتبين أن الأخير رئيس «شركة أونور إير» التى باعت الطائرة المنكوبة إلى «شركة ميتروجات» الروسية، وأشار التقرير كتوصية فنية وأمنية إلى أن الحادث المأساوى قد يستلزم فتح باب النقاش من جديد فى روسيا حول التساهل مع الشركات التى تستغل طائرات متهالكة، مشيرا إلى مطالبة الخبراء منذ سنوات عدة بضرورة منع الطائرات التى يفوق عمرها 15 سنة من التحليق فى سماء روسيا، وأن الوقت حان بعد الفاجعة الأخيرة لتنفيذ هذا المطلب، كما ذكر نائب رئيس لجنة الصناعة فى الدوما «البرلمان الروسى» مساء السبت وهو يوم وقوع الحادث: «يبلغ متوسط عمر الطائرات فى عموم روسيا 21 عاما، فى مقابل 13 عاما فقط فى الولايات المتحدة».
«شركة ميتروجات» الروسية اعتمدت فى تأمين رحلاتها السياحية على أسطول يتألف من 7 طائرات إيرباص 321A، وجميعها من نفس الطراز مثل التى تحطمت فى مصر وهى التى تجاوز عمر استغلالها 18.5 عام، بعد سنوات من الخدمة ضمن أسطول «شركة الشرق الأوسط» اللبنانية ثم «الخطوط السعودية»، وبعدها فى «شركة أونور إير» التركية ثم «شام وينجز» السورية قبل أن تستقر لدى الشركة الروسية، ما دعا سلطات الطيران المدنى الروسية أن تأمر بتعليق جميع رحلات «شركة ميتروجات» وإلزامها بعدم مغادرة مطاراتها، فى انتظار نتائج التحقيق حول سقوط الطائرة وفى انتظار إجراء فحوصات فنية متخصصة على أسطولها الجوى بكامله، بعد تنامى الشكوك فى سلامتها واستجابتها لمواصفات الطيران الآمن وهو قرار يستهدف تحقيق أكبر قدر من الشفافية.
السلطات المصرية الرسمية لم تكن أقل شفافية من نظيرتها الروسية منذ لحظات الحادث الأولى، فموافقة فورية صدرت من الرئاسة المصرية باستقبال طاقم محققين روسى للمشاركة فى الأعمال التقنية للتحقيق فى جميع مراحله، بل زادت مصر على ذلك باستقدام ثلاثة أطقم فنية أخرى «ألمانى، فرنسى، وأيرلندى» يوصفون بأنهم الأعلى احترافية على مستوى العالم فى التحقيق بحوادث الطيران، لذلك لم يصمد الادعاء الأولى «لتنظيم ولاية سيناء» بتبنيه لعملية إسقاط الطائرة بواسطة صاروخ حرارى أطلق من أرض سيناء وبث مقطع مصور لسقوط طائرة، فجاء أول نفى صادرا من الجانب الروسى الذى التقط هذا المقطع فى لحظات واستطاع تحليلة وتوصل إلى زيفه بل وأعلن عن مكان وتاريخ تصويره فى قاعدة «باجرام الجوية» بأفغانستان فى العام 2013م، وكان هذا الإعلان الروسى السريع قبل حتى أن يعلن المحللون المصريون أن تنظيم ولاية سيناء لا يمتلك إمكانية إسقاط طائرة مدنية تحلق على ارتفاع يزيد على 30 ألف قدم، ومثلت هذه الحالة أول محاولة لاستثمار الحادث من قبل آخرين فى اتجاه حصد المكاسب أو إنفاذ رسائل ما لأطراف بعينها على رأسها بالطبع مصر وروسيا.
لكن حالة الاستثمار تلك لم تكن الوحيدة فى خضم أسبوع عاصف بالأحداث المتلاحقة وسباق حقيقى مع الزمن يخوضه فريق التحقيق من أجل فك طلاسم الحادث ووضع إجابة شافية أولية تجيب عن سؤال ماذا حدث، الاستثمار البريطانى المفاجئ للحدث كان هو الأعلى قبل أن يصل الرئيس المصرى للعاصمة لندن بساعات معدودة، فالإعلان البريطانى عن امتلاك جهاز استخباراتها لمعلومات تفيد بأن المرجح لديها أن سقوط الطائرة جاء بسبب عبوة ناسفة تم زرعها داخل الطائرة فى محطة إقلاعها «مطار شرم الشيخ»، وكان اتهام بريطانيا يتجه ناحية تنظيم داعش فى التنفيذ وإجراءات التأمين فى المطار المصرى فى ارتكاب قصور سمح بهذا التنفيذ، كان الإعلان البريطانى يستند إلى ما سمى «بمعلومات استخبارية سرية» وهى صيغة ضبابية فى مثل تلك الحوادث، خاصة أنه لا يوجد ما يؤكدها ماديا، لكن قرارا مفاجئا من رئيس الوزراء البريطانى بوقف الرحلات من وإلى شرم الشيخ بالنسبة للشركات الإنجليزية حبس العالم كله أنفاسه متابعة لتداعيات مثل هذا القرار، وكانت ظلال تزامنه مع وصول الرئيس المصرى تطبق على دوافعه بشدة، هكذا دار التساؤل المشروع كل عواصم العالم وفى أذهان كافة المعنيين حتى وهو يتم ربطه بما تقوم به روسيا عسكريا على الأرض السورية، كان المشهد فى تصدره لكافة وسائل الأخبار العالمية ليومين كاملين مغامرة ومجازفة بريطانية محسوبة بدقة، فهى ترجع قرارها إلى الرغبة فى حماية مواطنيها وهذا توجه لا يمكن وضع التحفظ عليه بأى صورة، وفى المقابل الاستناد على معلومات استخباراتية هو فرضية يمكن التراجع عنها بسهولة إذا ثبت عدم دقتها، لذلك لم يكن الموقف برمته يبدو شفافا أو يحظى بالمصداقية الواجبة.
وفى جزئية تلك المعلومات الاستخباراتية دار الأمر حول مكالمة هاتفية تم رصدها بطريقة إلكترونية أمريكيا وهى تحمل بعض الإشارات حول عمل إرهابى وطائرة، وتم تمرير تلك المعلومات من المخابرات الأمريكية إلى نظريتها البريطانية وتركت لها حرية استثمار تلك المعلومة الغائمة، ولم تفلت الإدارة البريطانية الفرصة وضخمت من ردود فعلها بشكل يحقق لها مكاسب داخلية تدور حول إدارة تخاف على رعايها وتبذل فى سبيل حمايتهم كل طاقتها، التى من الممكن أن تصل لحد إرسال طائرات نقل عسكرية تابعة للجيش البريطانى تجلى بها رعاياها من مصر، وهو التصرف الذى استنكرته مصر بشدة بعد وصول الرئيس السيسى إلى لندن ورأته ردة فعل عالية جدا لا تتناسب مطلقا مع احتمالية لا تتعدى التكهنات، ولا تتناسب أيضا مع الأوضاع على الأرض فى مدينة شرم الشيخ وفى سيناء بكاملها فهى ليست منطقة كوارث أو خطر داهم يستلزم مثل تلك ردود الأفعال، وفى كل الأحداث المشابهة لم تلجأ الدول لمثل تلك التصرفات واستطاعت مصر الرسمية أن تجهض هذا الاستثمار البريطانى الأسود، فهو فى أبسط مفرداته ينال من السمعة الأمنية لمصر بشدة ويفرغ زيارة الرئيس المصرى من أى نجاحات يمكن تحقيقها فى جدول تلك الزيارة الهامة.
تفاجأ الجميع عصر الجمعة الماضى بتوقيت القاهرة بتصريح رسمى صادر عن المتحدث باسم الرئاسة الروسية «دميترى بيسكوف»: «أن رئيس جهاز الأمن الفيدرالى «ألكسندر بورتنيكوف» اقترح على الرئيس فلاديمير بوتين تعليق الرحلات الجوية إلى مصر حتى التحقق من أسباب تحطم الطائرة المنكوبة فى سيناء، وذكر بيسكوف: لقد وافق رئيس الدولة على تلك التوصيات»، وبالفعل أمر بوتين الحكومة بوضع آليات لتنفيذ هذه التوصيات وضمان عودة المواطنين الروس»، وأضاف بيسكوف «أوعز الرئيس بالتعاون مع الجانب المصرى لضمان سلامة الرحلات الجوية».
رئيس جهاز الأمن الفيدرالى «ألكسندر بورتنيكوف» وهو المنصب الأعلى والأول فى كافة الأجهزة الأمنية الروسية، تقدم بالفعل صباح هذا اليوم بتوصية رسمية خلال اجتماع «لجنة مكافحة الإرهاب الوطنية» تنص على أنه يرى من المناسب تعليق رحلات الطائرات الروسية إلى مصر حتى تحديد أسباب تحطم الطائرة «الإيرباص»، وهذه التوصية الأمنية من هذه الشخصية الأمنية الرفيعة متوقعة ومفهومة من الجانب المصرى خاصة مع عدم انتهاء لجان التحقيق من الوصول إلى أسباب مباشرة للحادث، وفى جانب آخر منه أن مهام منصبه تلزمه أن يتقدم بمثل هذه التوصيات مع إعصار إعلامى لا يمكن مواجهته يتحدث عن دول أخرى لم يصب مواطنوها فى الحادث وتتخذ إجراءات احترازية من أجل سلامة مواطنيها، حتى إن جاءت تلك الإجراءات مؤقتة لحين جلاء بقية الصورة وقد كان فى طيات هذا الإعصار المشار إليه أن الحادث فى حال ثبوت وقوعه بسبب عمل إرهابى فإن المستهدف الرئيسى فيه هو الجانب الروسى قبل أى أحد آخر، وقد ربط الإعصار الإعلامى بالطبع بين التدخلات العسكرية الروسية فى سوريا وبين انتقام قد تلجأ إليه الجماعات الإرهابية ضد رعايا الدولة الروسية ومصالحها، لذلك لم تكن التوصية الأمنية الروسية فى غير محلها ولا جاءت الموافقة الرئاسية عليها سوى مسار إجبارى تفرضه طبائع المناصب والمسئوليات المباشرة لهذه القيادات الروسية.
يبقى فى النهاية شىء واحد فى تلك الرحلة الشائكة بحثا عن شىء يقارب الحقيقة طالما أن مشهد التكهنات ما زال مفتوحا على مصراعيه، وهو فرضية أن يكون من قام بهذا العمل جهاز استخباراتى محترف فى ظل صراع تكسير العظام والإرادات الذى يدور حولنا ويضرب الإقليم بقوة، ففى حال ثبوت يقين فنى رسمى بأن الحادث قد وقع بسبب عمل إرهابى فهل يمكن تصديق هذا التنظيم المرتبك والمتداعى أن يكون هو من قام بها، وأقصد هنا تنظيم ولاية سيناء الذى حاول فى لحظات الحادث الأولى أن يستثمر مشهدا بدا أكبر من رصيده الائتمانى بكثير، فهذا المستوى الخطير من تلك العمليات قد ينفذه أشخاص مجندون وموجهون لطريق مراحل العملية لكن من يدير هنا لا بد أن يكون جهازا أمنيا يرصد ويخطط ويعد الخطوات بدقة متناهية لا تسمح بالفشل أو الانكشاف، والأمثلة كثيرة ولكن أشهرها فى هذا السياق «حادث لوكيربى» الذى سارت خلفه المخابرات البريطانية سنوات حتى وصلت إلى الجهاز الاستخباراتى الذى وقف خلف تلك العملية، ومن الواجب بالطبع ذكر طائرات الولايات المتحدة التى نسبت للقاعدة ضمنا لكن المتخصصين الأمريكيين يدركون تماما أن هذا فقط هو طرف الخيط الأخير، إنما بدايته لم تتضح بعد وما زال الملف مواربا ومشككا فى كافة التحقيقات والروايات الرسمية بعد أربعة عشر عاما من الحادث الأشهر، فى حال ثبوت تلك الفرضية فنيا، فإن هناك الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية التى تتلهف إلى الإمساك بخيوط تتحرك على رمال سيناء الغامضة، فقد تسمح لها تلك الخيوط أن تستثمر فى هذا النوع من الاستثمار الأسود، الذى يشكل الصندوق الائتمانى الجديد فى منطقة تتعاطى الخطر يوميا قبل الأكل وبعده.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.