في أحد أزقة حى الخليفة بالقاهرة، بناء لا يوحى من هيئته أنه مكان للعبادة، لا يصل إليه سوى من يسأل أهالي المنطقة: «فين جامع الشيخ أسامة؟». مسجد «عباد الرحمن» الكائن بجوار ضريح الإمام الشافعى يطلق عليه معظم سكان المنطقة «خير وبرَكة الشارع»، حيث يصلى رواد المسجد على جلود الأغنام ويعتكفون شهورا تقربا إلى الله. «معمار المسجد، الشيخ أسامة عبدالعظيم وتلاميذه، وأرضية المسجد».. عناصر تشكل حالة فريدة من نوعها، فمعمار المسجد برغم أنه يحاكى الطراز العصرى في ارتفاعه الذي يبلغ 7 أدوار، إلا أنه يشبه القرون الماضية سواء في مظهره الخارجى الذي لا يبرز أي شكل جمالى، مرورا بافتراش أرضية المسجد بجلود الأغنام المدبوغة كنوع من الزهد والتقشف والبساطة، التي تكسو أدوات المسجد ليقترب من حالة البساطة التي كانت عليها مساجد المسلمين الأوائل، وانتهاءً بالغرف المغلقة التي يقول سيف الدين سعيد أحد مرتادى المسجد أن بعض الغرف لم تُفتح منذ عشرات السنين. من يدخل إلى المسجد مرتديا «بنطلون» يجد من يعطيه قطعة من القماش يلفها حوله، والمصلى الذي يمسح على الجورب أثناء وضوئه يتفاجأ بمن يقول له «المسح على الجورب لا يجوز وعليك إعادة الوضوء، ولازم تسأل الشيخ على صلواتك اللى صليتها قبل كدا لأنها لا تصح». في الفقه الإسلامى فإن البنطلون الفضفاض إذا كان يستر ما بين السرة والركبة وكان صفيقًا غير شفاف صحت الصلاة فيه، والأفضل أن يكون فوقه قميص يستر ما بين السرة والركبة. وينبغى للإنسان أن يتهيأ للصلاة ويتجمل لها ويكون على أحسن هيئة لقوله تعالى: (يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ) [الأعراف:31]. وفى المذهب الحنفى «لا يضر التصاقه وتشكله»، أي الثوب الذي يلبس في الصلاة، أما المذهب الشافعى فقال النووى في المجموع (3/176): «فلو ستر اللون ووصف حجم البشرة كالركبة والإلية ونحوها صحت الصلاة فيه لوجود الستر، وحكى الدارمى وصاحب البيان وجهًا أنه لا يصح إذا وصف الحجم، وهو غلط ظاهر»، وفى المذهب المالكى يُشْتَرَطُ فِيه ِكَوْنُهُ كَثِيفًا بِحَيْثُ لا يَصِفُ وَلا يَشِفُّ، وَإِلا كُرِهَ وَكَوْنُهُ سَاتِرًا لِجَمِيعِ جَسَدِهِ، فَإِنْ سَتَرَ الْعَوْرَةَ الْمُغَلَّظَةَ فَقَطْ أَوْ كَانَ مِمَّا يَصِفُ - أَيْ يُحَدِّدُ الْعَوْرَةَ - كُرِهَتْ الصَّلاةُ فِيهِ مَعَ الإِعَادَةِ فِى الْوَقْت، وفى المذهب الحنبلى: قال البهوتى في «الروض المربع» (1/494): «ولا يعتبر أن لا يصف حجم العضو، لأنه لا يمكن التحرز عنه». أي أنه إذا صلى الإنسان وعورته مستورة بهذا اللباس فصلاته في حد ذاتها صحيحة لوجود ستر العورة، لكن يأثم من صلى بلباس ضيق؛ لأنه قد يخل بشيء من شرائع الصلاة لضيق اللباس، ومن ناحية ثانية يكون مدعاة للافتتان وصرف الأنظار إليه، ولا سيما المرأة، فيجب عليها أن تستتر بثوب وافٍ واسعٍ يسترها، ولا يصف شيئًا من أعضاء جسمها، ولا يلفت الأنظار إليها، ولا يكون ثوبًا خفيفًا أو شفافًا، وإنما يكون ثوبًا ساترًا يستر المرأة سترًا كاملًا. نعود مرة أخرى إلى مسجد «عباد الرحمن»، ففى مقدمة الصفوف رجل ذو لحية طويلة يكسوها البياض، تعلو رأسه «زبيبة» السجود، يلبس جلبابا قصيرا، ويلتف من حوله بعض تلاميذه. من يريد أن يأخذ فتواه في أمر ما عليه أن يمكث في المسجد يوما كاملا حتى ينظر الشيخ في الفتوى، ومن أراد أن يذهب إليه في رمضان فليستعد أن ينتصب ظهره في الصلاة خلف «الشيخ أسامة» من المغرب حتى مطلع الفجر، وعليه أن يأتى بالتلفاز من بيته ووضعه في المسجد ضمانا لعدم مشاهدة أهله ل«ما يغضب الله»، أما من يطمع في أن يوصف ب«تلميذ الشيخ أسامة» فعليه بالاعتكاف في المسجد ولبس الجلباب القصير وإطلاق لحيته وختم القرآن كل 3 أيام. ورغم تخطى الشيخ أسامة - صاحب المدرسة السلفية الفريدة من نوعها- السبعين من العمر، إلا أنه لا يزال على عهده في إطالة الصلاة في جميع الفروض والنوافل، حتى أن تلاميذه ومن يتبعون مدرسته في العبادة لا يستطيعون الصلاة خلفه إلا بشق الأنفس، حيث يختم الشيخ القرآن مرتين كل أسبوع، وتنتظم تلك الختمات في رمضان وخصوصا في العشر الأواخر حيث يختمه مرة كل 3 أيام، ولا يقتنى الشيخ أيا من وسائل الإعلام الحديثة كالتلفاز أو الهاتف المحمول ويرفض هو وتلاميذه بشكل قاطع تسجيل أي مقاطع فيديو له أو للمسجد، أو حتى التقاط صور فوتوغرافية نظرا لأنه يتبنى آراء محرمة للتصوير. تلامذة الشيخ يتباينون في جنسياتهم ومستواهم الاقتصادى، فمنهم أجناس عربية وأفريقية أتت لتقف بالساعات خلف الشيخ في صلاته، وبعضهم أتى من بلاد الصعيد بحثا عن فتوى تريح قلوبهم، ومنهم الفقراء وآخرون من الشريحة المتوسطة، وبعضهم من الأغنياء الذين تصطف سياراتهم الفارهة في الشوارع المجاورة للمسجد. طقوس «الشيخ أسامة» الرمضانية تبدأ عند بدء صلاة المغرب، حيث يؤم «أسامة» المصلين ويطيل في القراءة حتى إنه قد يتلو في الركعة الأولى سورة يونس، وفى الثانية العنكبوت أو الرعد أو نحو ذلك من السور الطويلة، وبالنسبة للركوع والسجود فإنه يطيل بها حتى تنتهى صلاة المغرب قبل صلاة العشاء بدقائق. «إحنا بنبدأ صلاة العشاء الساعة 11».. جملة يقولها تلاميذ «الشيخ أسامة» لمن يدخل للمرة الأولى إلى المسجد منتظرا إقامة الصلاة مثل المساجد الأخرى، أما فترة ما بين صلاة المغرب وبدء صلاة العشاء فيقضيها المعتكفين في المسجد في تناول طعام الإفطار وقراءة القرآن وإراحة الجسد، استعدادا لصلاة العشاء والتراويح التي تبدأ عند الساعة 11 ولا تنتهى إلا قبل صلاة الفجر بأقل من الساعة، وبعد ذلك يذهب التلاميذ إلى المطبخ الملحق بالمسجد لإعداد وجبة السحور، ليصلى الشيخ بهم بعدها صلاة الفجر ويبقى حتى شروق الشمس ليقول أذكار الصباح ويصلى صلاة الضحى التي قد تستمر حتى صلاة الظهر.