· محمد حسن المصري: ذهبت إلى ألمانيا هربًا من “,”ضُرِّة“,” أمي وأصبحت أشهر خراط في أوروبا · أحمد زكي أبدع في أداء قصة حياتي · شعرت بالخزي والعار مما يحدث الآن في بلدي من عنف ومذابح · اخترعت فكرة الكروت المترجمة للوصول الى العمل فقط.. ولصقت طوابع بريد مصرية على مباني ألمانيا لتدلني على الطريق · عندما علمت بمرض أحمد زكي الشديد حضرت من السويد خصيصًا لزيارته.. وأحتفظ بآخر صورة له معي · كنت أحلم أن أجد مصريًا واحدًا يأتي ألمانيا لأنه عبقري.. وليس للبحث عن “,”لقمة العيش“,” · أنجبت من “,”هليجا“,” ولم أتزوجها.. وزوجتي سويدية أكبر مني بسنوات · عشت مع أربع “,”ضرائر“,” كل منهن تعذبني بطريقتها الخاصة · عندما حصلت على بطولة القاهرة في الملاكمة وقّعت للنادي الأهلي · الفيلم لم يرصد مأساتي مع زوجات “,”أبي“,” · وأتمني أن يتحوّل “,”النمر الأسود“,” إلى مسلسل يتناول الجانب الإنساني ل“,”ابن الضرّة“,” · لم أحظ في حياتي إلا بالحرمان والجهل، ووالدي علمني أن الكلام مع الناس ثقافة · أصدقائي لم يصدقوني عندما قلت إنني سأعمل في أكبر مصانع ألمانيا · عاطف سالم غير مهنة والدي في الفيلم ليُظهر الجانب المأساوي · الخواجة هانز علمني الخراطة ورشحني للسفر لألمانيا ومنحني تذكرة المركب والقطار · بدأت حياتي ب3 “,”مارك“,” في الساعة والأكل والشرب والسكن علي حسابهم · القبطان وافق على منحي الطعام مقابل العمل في النظافة · حملت الشنطة لابن الخواجة أثناء ذهابه للنادي فدخلت عالم الملاكمة بالصدفة مَن منا لا يذكر فيلم “,”النمر الأسود“,” الذي قام ببطولته النجم الراحل أحمد زكي؟.. من منا لم يعجبه هذا العمل السينمائي الأروع في تاريخ السينما المصرية؟.. من منا لم يحلم في صغره بأن يحقق ما حققه ذلك الشاب المكافح الذي هاجر إلي ألمانيا وبدأ من الصفر في إحدى المؤسسات الصناعية كعامل بسيط وتم طرده.. لكنه أصبح مبتكرًا وتألق كملاكم في أحد الأندية الصغيرة ليفوز بعدة بطولات تجعله مشهورًا ورجل أعمال ناجح؟ . هذه القصة لم تكن حدوتة قبل النوم، ولكنها قصة واقعية، بطلها مازال يعيش في السويد ومن آن لآخر يأتي في زيارة قصيرة إلى مصر. والصدفة فقط هي التي جعلتنا نلتقي محمد حسن صبحي “,”المصري“,” البطل الحقيقي لفيلم “,”النمر الأسود“,” في نادي الجزيرة الرياضي، ولم يكن من المعقول أن نفوت هذه الصدفة دون أن نعلم منه القصة الحقيقية لحياته وبداية فكرة الفيلم وكيفية معرفته بأحمد زكي، الذي جسد دوره ببراعة في الفيلم. النمر الأسود الحقيقي محمد حسن المصري يكشف لنا الكثير من الأسرار.. وإلي نص الحوار. “,” إيجيبتن سيتواسيون فيودو نوخ فيشليمار.. دي ريفولسيون إندريت نيشت سينيشت “,” .. كانت هذه العبارة هي أول كلمة استقبلني بها، وعلمت منه أنها جملة ألمانية تعني “,”أن الوضع في مصر أصبح أسوأ بكثير، الثورة لم تغير شيئًا“,”. مؤكدًا أن كل التيارات السياسية لا تعمل لصالح مصر وكل منها يريد أن يفرض هويته على الشعب المصري، مطالبًا في الوقت نفسه جماعة الإخوان المسلمين بالتمصر لأن الشعب المصري لن يتأخون . ** في البداية.. لماذا لا نعود بالذاكرة إل ى 50 عامًا مضت لنعرف السبب الحقيقي الذي جعلك تهاجر من مصر؟ أنا كنت مثل أي شاب مصري بسيط يبحث عن “,”لقمة العيش“,”، وكان والدي “,”حسن صبحي“,” يعمل تاجرًا للأنتيكات وليس منجداً، كما ظهر في الفيلم، لأن المؤلف أراد أن يصبح بطلا أكثر بؤسًا، اضطررت للسفر إلى ألمانيا وأنا لم أبلغ العشرين من عمري تحت ضغط زوجة أبي التي طردتني من منزل أبي . ** وماذا عن نشأتك قبل أن تضطر للهجرة؟ نشأت في القاهرة في حي السيدة زينب ولم أكمل تعليمي فوالدي قد طلق أمي وكنا أربعة أطفال وتزوج بعد ذلك أربع مرات، وطلب منها “,”عيل منا“,” ليساعده وكان عمري 6 سنوات فقط، وفي منزل زوجته عشت حياة صعبة جدًا، وكان لديها طفل كنت عندما أجلس لأتناول طعامي معه يرفض ويصرخ فتضربني أنا وتقول لي ابني أولا ثم أنت وكنت آكل الفائض منه وتقول لي دائمًا أنت ابن الضرّة . ** وماذا كنت تفعل؟ لا شيء.. كنت أسير في الشوارع أسأل الناس “,”يعني إيه ابن الضرّة؟“,”، فقد عشت حياة لا يتحملها بشر على الإطلاق، مع أربع “,”ضرائر“,” كل منهن تعذبني بطريقتها الخاصة، لذلك فرحت جدًا عندما علمت أن قصة حياتي ستصبح فيلمًا سينمائيًا حتي يتعلم الآباء أن كثرة الزواج تقتل براءة الأطفال، وأتمنى أن يتحول “,”النمر الأسود“,” إلي مسلسل يتناول الجانب الإنساني لابن الضرة . ** هل لازلت ترتبط بعلاقات مع أشقائك؟ بالطبع علاقتي بأشقائي طيبة جدًا، وأزورهم كلما جئت الى مصر . ** ووالدك؟ لم أنس بالطبع فضله عليّ، لأنه علمني أهم شيء في الوجود وكان له دور في نجاحي في الغربة، وهو الفن وشغل الأنتيكات وكيفية اكتشاف التحف الحقيقية من المزورة، فقد كانت لديه خبرة كبيرة في مهنة الأنتيكات، وكان يعمل مع الخواجة الإيطالي ليوني، ولكن عاطف سالم جعله “,”منجد“,” حتى يظهر الجانب المأساوي في شخصية النمر الأسود . ** هذا ينقلنا إلى الفيلم نفسه.. هل تعتقد أنه نقل الواقع المأساوي لرحلتك؟ الفيلم لم يعرض مأساتي مع زوجات أبي، لأن زوجة أبي هي التي أجبرتني على الهروب من مصر والذهاب إلي ألمانيا، فقد فوجئت بها في أحد الأيام تصطحبني إلى ورشة الخواجة الألماني هانز بياليجي للخراطة وقالت له “,”خده أنا مش عوزاه عندي.. خليه يمسحلك ويكنسلك الورشة“,”، وكان الخواجة هانز في حاجة إلى طفل ليساعده بالفعل، فوافق على عملي معه لمساعدته، ولما وجد الدموع في عيوني طبطب على كتفي ومسح دموعي وقال “,”متزعلش يا ابني بكرة هتبقى أحسن منهم“,”، والحقيقة كان الخواجة هانز أفضل من زوجات أبي، ويكفي أنه كان يجعلني أذهب يوميًا الى منزله لأُحضر عمود الطعام من زوجته وكان يعطيني ملعقة لآكل معه من نفس الطبق لأول مرة في حياتي . ** كنت مجرد خادم في الورشة؟ لا بالطبع.. لقد عملت في ورشة الخراطة أكثر من 10 سنوات كاملة تعلمت فيها على يد الخواجة هانز الرسوم الهندسية للمواتير والقطع المعدنية والتشكيلية، وهو الذي رشحني للسفر بدلا منه لأخيه في ألمانيا . ** كيف هذا؟ عندما بلغ عمري 17 عامًا وفي أحد الأيام سقط الخواجة هانز على الأرض فجأة فأحضرت سيارة الإسعاف ونقلته الى المستشفى، واضطر للمبيت في المستشفى 3 أسابيع لأنه كان يعاني من جلطة في القلب، وبعد خروجه من المستشفى جاء الى الورشة ووجدني قد انتهيت من صناعة 6 مواتير وتسلمت ثمنها من تجار الصعيد، فاندهش جدًا وسألني، كيف فعلت هذا يا محمد؟ من ساعدك؟ ومن أين جئت بالأموال؟ فقلت له يا خواجة أنا كنت بشتغل 15 ساعة يوميًا، الخواجة ظل يردد “,”مش معقول.. محمد أنا اللي علمته الخراطة.. خلص المواتير.. واشتغل لواحده.. بقى أحسن مني“,”. ** وكيف جاء قرار السفر؟ كنا في 1957 عندما أصيب الخواجة بالجلطة، وعندما كان في المستشفى جاء له خطاب من أخيه الذي يعيش في ألمانيا يقول له، يجب أن تحضر حالا الي ألمانيا، لأنها في حاجة إليك بعد الحرب، ألمانيا في حاجة الى كل الفنيين والمهندسين، وعندما وجدني الخواجة هانز أنني استطعت أن انتهي من صناعة 6 مواتير بمفردي، عرض عليّ السفر بدلا منه إلى ألمانيا لأنه لا يستطيع أن يترك مصر، وسألني صراحة “,”إيه رأيك تروح ألمانيا يا محمد.. ألمانيا في حاجة إلى خراطين“,”؟ فقلت له “,”كيف أذهب إلى ألمانيا وأنا لم أتعلم ولا أعرف القراءة أو الكتابة“,”؟ فرد عليّ وقال “,”الرسم الهندسي الذي تعلمته على يدي يا محمد نفس الرسم الهندسي في ألمانيا“,”، وكان يشجعني كثيرًا . ** وأرسل لأخيه يخبره بأنك ستذهب مكانه؟ بالفعل أرسل له خطابًا يقول فيه “,”أنا باعتلك صنايعي تربيتي وسيكون له مستقبل باهر في عالم الرسم الهندسي“,”.. فوافق على الفور وقال له “,”إذا كان ماهرًا سيحصل على 3 مارك في الساعة، والأكل والشرب والسكن على حساب المصنع“,” . ** المهم أنك وافقت على قرار السفر؟ هذا صحيح.. وبدأت رحلتي في استخراج جواز السفر، وبالفعل استخرجت الفيش والتشبيه وشهادة الميلاد وعندما جاء الدور على استخراج شهادة المعاملة دخلت الجيش وقضيت به 3 سنوات، كنت في الإجازات أخرج للعمل في ورشة الخواجة هانز، وللتدريب في الملاكمة . ** كيف كانت بداياتك في عالم الملاكمة في مصر؟ ليس صحيحًا أنني كنت ألعب في نادي الشبان المسلمين، بل كنت ألعب في نادي “,”أرارات“,” نادي الأجانب، ولدخولي هذا النادي قصة غاية في الغرابة وبالصدفة البحتة، ففي أحد الأيام كان في زيارة ورشتنا شقيق الخواجة هانز وطلب مني أن أذهب مع ابنه الذي يلعب الملاكمة في نادي “,”أرارات“,” حتى أحمل له الشنطة الثقيلة، وبالفعل ذهبت مع ابنه، وفي أحد الأيام شاهدني المدرب حسين السيد وأنا أقلد الملاكمين من خلف الباب، فقال لي أنت جسدك مناسب للعب الملاكمة، وأعطاني ملابس وأدوات اللاعبين وطلب مني حضور التمرين، وشاركت في بطولة القاهرة ولعبت مع ابن الخواجة وفزت عليه، وبعد عامين حصلت على بطولة القاهرة وعندما حصلت مع نادي “,”أرارات“,” على بطولة القاهرة وقعت للنادي الأهلي . ** نعود الى رحلة الذهاب الى ألمانيا.. ماذا حدث بعد انتهاء فترة تجنيدك؟ كانوا يريدون مني أن أعمل بصفة دائمة في الوحدة التي كنت بها ولكنني رفضت وقررت إنهاء خدمتي في ميعادها، وأعطوني بالفعل مكافأة نهاية الخدمة 18 جنيهًا، ففرحت بها وذهبت الى الخواجة هانز وقلت له هل تكفي هذه الأموال يا خواجة لرحلة ألمانيا، فقال لي، يا محمد أنا سألت صاحب المركب وعلمت أن هناك دكة على السطح يمكن أن تجلس عليها بدون طعام أو شراب وتكلفتها 30 جنيهًا، فقلت له، ومن أين لي بهذه الأموال؟ رد عليّ، الورشة بها قليل من الأعمال انتهي منها وسأعطيك المبلغ، وبالفعل بعد انتهائي أعطاني 30 جنيهًا، فقلت له “,”هكذا يمكنني السفر الى ألمانيا بالقارب يا خواجة“,”، قال لي “,”لا يا محمد.. المركب سيذهب بك الى إيطاليا وستكون في حاجة الى القطار ليذهب بك الى ألمانيا وهذا سعره 25 جنيهًا“,”، فقلت له “,”من أين لي بهذا المال“,”؟ فرد عليّ بنفس الطريقة السابقة “,”هناك رسم هندسي لماتور صاحبه يريد أن يستلمه غدًا انتهي منه وأنا سأمنحك المبلغ، وللمرة الثانية منحني ثمن تذكرة القطار، فذهبت الى أمي وأنا في قمة السعادة وقلت لها إنني ذاهب الى ألمانيا، فقالت لي “,”يا ابني أنا لا أعرف ألمانيا ولا بيروحوها منين.. بس أنا هديلك 10 أرغفة عيش و10 بيضات مسلوقين وكيس دقة وبرطمان زيتون“,” . ** وكيف جهزت نفسك للسفر؟ لم يشغلن أي شيء سوى كيفية التعامل مع الأجانب، كيف سأعرف الطريق، لذلك ذهبت الى الخواجة ومعي 10 كروت وطلبت من الخواجة أن يكتب بالإنجليزية ترتيب الرحلة على أرقام متسلسلة حتى أعرفها، وأول ورقة كتبت فيها “,”أنا أريد الذهاب الى محطة القطار“,” حتى استخدمها بعد نزولي من المركب في إيطاليا، والورقة الثانية كتبت فيها “,”أي قطار ذاهب الى فرانكفورت الألمانية“,”، حتى أستخدمها لاختيار القطار الصحيح، وهكذا خطوة بخطوة حتى أصل الى المصنع الذي سأعمل به . ** كيف كانت رحلتك في عرض البحر؟ لم يكن فيها أي شيء مثير غير أنه في اليوم الثالث اكتشفت أن البيض فاسد فاضطررت الى أن آكل العيش بالدقة، وأثناء فترة الغداء مرت بجانبي إحدى السيدات الأجانب واعتقدت أنني آكل “,”التراب“,” وظلت تصرخ في إدارة الباخرة لأنهم تركوني بدون أكل حتى أكلت التراب، فوافق القبطان على منحي وجبات الطعام الثلاث طوال الأسبوع الباقي في مقابل العمل في النظافة . ** وصلت الى ألمانيا واستلمت عملك ومنزلك.. كيف تأقلمت على الحياة في بلد غريب وأنت لا تعرف القراءة أو الكتابة؟ لا أنكر أن حياتي الأولي في ألمانيا كانت صعبة جدًا وبعض المواطنين كانوا عنصريين بشكل كبير، خاصة وأن لوني كان أسمر، وقد نقل “,”النمر الأسود“,” تلك الفترة بشكل صحيح نوعًا ما، فقد كنت بالفعل أحمل معي طوابع بريد، فألصق هذه الطوابع على كل عمارة من عمارات الشوارع التي تصل إلى المصنع حتي تساعدني في معرفة الطريق الى المنزل حتى اعتدت على الشوارع والبيوت، كما أنني تعرفت على “,”هيلجا“,” جارتي وهي الأخرى ساعدتني في تعلم بعض الكلمات الألمانية وساعدتني لأن أصبح أشهر خراط في ألمانيا في ظرف سنتين . ** حتى تزوجتها؟ من قال إنني تزوجتها، الفيلم أراد نهاية جميلة تعجب الناس ولكن هذا لم يحدث، فأنا لم أتزوجها على الرغم من أني أحببتها وهي أحبتني لأني أسمر وطباعي شرقية وقد ارتبطت معها بعلاقة وحملت في ابننا ولكن نظرًا لظروفنا السيئة فقد طلبت منها أن تجهض الجنين، وفعلت وعندما تقدمت للزواج منها رفض والدها لأنها كانت ثرية وأنا فقير وقد قضيت معها وقتًا ممتعًا وبعد ذلك أحببت وتزوجت من امرأة سويدية أكبر مني بسنوات . ** هل تعرضت للاضطهاد بالفعل بسبب لونك الأسمر؟ أنا أشد سمرة من أحمد زكي، وتعرضت لمضايقات عدة وموقف الشاب الألماني الذي وضع لي عظمة في المياه وهي حادثة حقيقية ولكني لم أتشاجر معه وعندما تحدثت مع أحمد زكي اقترح أن تكون هناك مشاجرة قائلا لي “,”المصريون مش جبناء يا محمد ولازم يعرفوا كده “,”. ** تركت ألمانيا بعد رفض والد هيلجا فكرة الزواج؟ هذا صحيح.. لأن والد هيلجا هدد أكثر من مرة بقتلي إذا لم أغادر ألمانيا، فنصحتني زوجتي السويدية بالذهاب الى السويد لأن المستقبل هناك أفضل والسويد في حاجة إلى أفكاري التي بدأت تخرج الى النور . ** ماذا كنت تعمل في السويد عقب خروجك من ألمانيا؟ نفس المهنة.. فتحت ورشة خراطة، ومارست لعبة الملاكمة لفترة ليست قصيرة . ** قلت كثيرًا إنك كنت تعشق لعبة الملاكمة.. لماذا اضطررت لتركها ولم تحترف اللعبة كما حلمت مثل كلاي ووينستون؟ لم أحترف الملاكمة رغم عشقي لها لأن زوجتي عندما أصبحت في سن ال 32 طلبت مني ذلك وقالت لي يا محمد البوكس خطير جدًا ولابد أن تتوقف عنه، فالملاكمة رياضة جميلة طالما أنت صغير ولكن عندما تتقدم بك السن لابد أن تراعي ذلك . ** من صاحب فكرة تحويل قصة حياتك الى فيلم سينمائي؟ صاحب الفكرة الكاتب الصحفي الكبير أحمد أبوالفتح صاحب جريدة المصري في الخمسينات والستينات، وقابلته لأول مرة في جزر كناريا بإسبانيا التي كنت أذهب إليها في شهور الشتاء القارص وتساقط الثلوج، لأنني لا أحب البقاء في الثلج وكنت أقضي وقتًا في أوتيل سميراميس وأقيم في حجرة مطلة على البحر، وهناك تعرفت على ابن الكاتب أبوالفتح، وفي إحدى سهرات الفندق تعرفت على أحمد أبوالفتح شخصيًا، وسألني إذا كنت حصلت على بكالوريوس الهندسة من مصر أو من ألمانيا، فقلت له إنني لست حاصلا على درجة علمية وأنني مجرد فني، فتعجب جدًا عندما حكيت له ظروف حياتي وتجربتي، وتعجب كثيرًا أنني سأغادر جزر الكناريا بعد قليل متوجهًا الي البرازيل لحضور كرنفال لرقصات السامبا، فأنا أعمل طوال عشرة أشهر في السنة لساعات ممتدة “,”أوفر تايم“,” حتى أدخر مبلغًا من المال يساعدني على مشاهدة العالم . ** هل كنت مغرمًا بالرحلات؟ تقصد أعشق الرحلات، لهذا غامرت وسافرت وأنا شاب بحثًا عن الرزق وقد سافرت لهاواي والبرازيل وهونو لولو والأرجنتين وجاميكا وباهاما، وقمت بأغرب رحلة بالقطار في حياتي من موسكو لبكين واستغرقت الرحلة سبعة أيام . ** غادرت لأول مرة مصر من أجل “,”لقمة العيش“,” لماذا أدمنت التجوال بين دول العالم؟ لم أحظ في حياتي إلا بالحرمان والجهل، ووالدي علمني أن الكلام مع الناس ثقافة ومعرفة الناس كنوز، فأنا في كل سفرية أقوم بها أتعرف على ناس جدد بثقافة جديدة تعلمني معلومة، وفي الحقيقة كنت أريد تعويض سنوات الحرمان التي عانيت منها، والحقيقة أنني لم أقل لمؤلف فيلم النمر الأسود سر “,”فوبيا“,” الترحال، فقد كنت أريد أن أنعم بجنة الله في كل بقاع الدنيا . ** كيف كانت علاقتك بالفنان أحمد زكي؟ التقيت الفنان أحمد زكي أكثر من مرة كانت أول مرة عندما دعاني المخرج عاطف سالم والمؤلف أحمد أبوالفتوح لجلسة قبل بدء تصوير فيلم النمر الأسود، وعندما ذهبت وجدت جميع فناني الفيلم، ولاحظت أن أحمد زكي يقلدني في كل حركة أقوم بها، وقال لي “,”يا ريت يا محمد تيجي كتير وتتصرف بطبيعتك زي ما كنت زمان وتقولي على كل كبيرة وصغيرة.. عشان أنا عايز عمل يدخل قلب الناس“,” والحقيقة كان فنانًا بمعنى الكلمة، وعندما علمت أنه مريض ويحتضر، حضرت من السويد خصيصًا لزيارته قبل أن يموت بثلاثة أيام، وكان الجميع يرفض دخولي عليه لأنه مريض جدًا، ولكن تحت إصراري دخلوا وقالوا إن النمر الأسود الحقيقي يريد مقابلتك، فنادى عليّ من الداخل “,”أدخل يا محمد“,” وبمجرد دخولي عليه هالني ما رأيت، وقبل أن يجلس التقطت له آخر صورة وهو على فراش الموت، وطالبت من الفنانة مديحة يسري التي كانت حاضرة أن تلتقط لي معه آخر صورة معه . ** وكيف كانت علاقتك بالمصريين طوال حياتك بألمانيا؟ أنا بطبيعتي لا أقيم علاقات إلا على نطاق محدود جدًا، كما أنني ذهبت إلى ألمانيا للعمل، ولكنني كنت أتابع كل الأحداث في مصر وألمانيا، وأكثر ما كان يحزنني هو معرفتي أن ألمانيا تستضيف شخصية عالمية عبقرية لتكريمها في مشهد إعلامي ضخم، كانوا أمريكان وروس وإنجليز وفرنسيين وغيرهم، ولم يكن هناك مصري واحد يستحق التكريم، وكنت أحلم أن أجد مصريًا واحدًا يأتي ألمانيا لأنه عبقري وليس للبحث عن “,”لقمة العيش“,” فقط مثلي، وكنت أرفع يدي الى السماء داعيًا “,”متى يا رب سأرى مصريًا عبقريًا يذهل الألمان، الى أن جاء السفير سامح براد وقال لي بالنص “,”افرح يا محمد أخيرًا جاي أحمد زويل وسيحصل على جائزة نوبل وأنت معزوم في حفل التكريم“,”، لم أصدق نفسي بالطبع من السعادة حتى أنني أسرعت بحجز تذكرتين على أول طائرة ذاهبة الى ستوكهولمالسويدية لي ولزوجتي وحضرت حفل تسليم زويل “,”نوبل“,” . ** هل تأتي الى مصر كثيرًا؟ على الأقل مرتان في السنة، ولديّ شقة في روكسي . ** كيف كنت ترى مصر؟ كنت حزينًا عليها وعلي المصريين بالطبع.. فنحن طاقات متفجرة نثبت كفاءتنا في أي بلد نذهب إليه لكن في مصر لا تشعر بنا على الإطلاق، وأتمنى أن يتغير الوضع بعد الثورة وتلتفت الدولة إلى كنوزها الحقيقية . ** وهل تعتقد أن ذلك الوضع سيتغير بعد ثورة 25 يناير؟ كنت أتمنى هذا بالطبع، ولكن للأسف الشديد لم أر أي تغيير حدث طوال العامين الأخيرين، فقد كنت في زيارة الى مصر بعد حادث كنيسة القديسين، وكنت أشعر أن كل شيء سينفجر مثل تلك الكنيسة، وأثناء الثورة كنت في السويد، لا يمكن أن تتخيل كيف كان شعوري وأنا أرى شعبًا من شعوب الدول الاسكندنافية وهو يتحدث بإعجاب عن شباب مصر الذي خلع ديكتاتورًا بطريقة سلمية رغم الدم والنار، ولكن الآن وبعد توالي المذابح والكوارث أصبحت أشعر بالخزي والعار كلما سمعتهم يسخرون منا لأننا لم نكن نستحق كلمات الإعجاب . ** كيف ترى الحل للخروج من الأزمة ونصل إلى مرحلة من الحرية والديمقراطية التي وصل لها الشعب السويدي؟ التجرد من الأهواء الشخصية بالطبع، فكل الأحزاب والتيارات السياسية في مصر جاهدت من أجل أن تخلع ديكتاتورًا لتنصب ديكتاتورًا جديدًا، وللأسف الشديد الجميع ينسى الوطن الأم، ويضع مصر في الترتيب الثاني في الأولويات، والجميع يبحث عن فرض هويته وثقافته على شعب مصر، وهذا لن ينجحوا فيه، وعلى الإخوان أن يتمصروا إذا أرادوا أن يحكموا مصر لأن مصر وشعبها لن يتأخونوا .