تتناول رواية "الأزبكية" الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية فترة زمنية بالغة الخطورة والعجب في تاريخ مصر الحديث، تبدأ هذه الفترة منذ وصول الحملة الفرنسية بقيادة نابليون إلى مصر عام 1798، وحتى لما بعد وصول محمد على باشا إلى السلطة بستة أشهر، أي في نوفمبر 1805، لأن محمد على استلم السلطة في 12 مايو من العام نفسه. في هذه السنوات السبع مرت مصر بلحظات فارقة ومذهلة، فقد اصطدمت بالحضارة الحديثة فأربكتها وتحيرت في أمرها، كما استولى على السلطة ستة ولاة قتل منهما اثنان، وانتفض الشعب ضد الاحتلال الفرنسي مرتين، وأصر شيوخ الأزهر والتجار الكبار والزعماء السياسيين على أن يتولى رجل أجنبي- هو محمد على- حُكم مصر في 12 مايو سنة 1805، وهو لا يعرف كلمة واحدة باللغة العربية! هذه باختصار الخلفية التاريخية لأحداث الرواية، لكن المؤلف ناصر عراق ابتكر من خياله شخصيات مصرية وفرنسية وجعلها تتفاعل وتنفعل بما يحدث حولها من صراعات ووقائع، كما تخيل انطلاق أول تنظيم سري في تاريخ مصر لمقاومة الفرنسيين أسسته مجموعة من شباب القاهرة بزعامة أيوب السبع الذي يعمل نساخ كتب، وقد ارتبط هذا الشاب بعلاقة صداقة مع رسام فرنسي يقيم بالقاهرة قبل وصول الحملة، ومن خلال هذه العلاقة تتكشف أمور وتتطور وقائع وأحداث وتنسج علاقات غرامية بين المصريين والفرنسيين وبقايا المماليك، ويقتل منهم رجال ونساء بأيدي الشرطة ورجال العصابات! لقد اختار المؤلف اسم (الأزبكية) عنوانا لروايته لأن هذا الحي العريق الذي يتوسط القاهرة - منطقة العتبة الآن- كان حيًا للأثرياء ومقرًا للحكم، فنابليون وأمراء المماليك ومحمد على كلهم أقاموا بذلك الحي التاريخي الذي شهد في الرواية أحداثا بالغة الثراء والخطورة. انحاز ناصر عراق إلى هذه الفترة التاريخية المضطربة لا من أجل غرابتها وحيويتها فحسب، وإنما أيضا لتشابهها- بشكل ما- مع الأحداث الجسام التي تمر بها مصر منذ ثورة يناير 2011 وحتى هذه اللحظة، الأمر الذي يطرح عل القارئ المزيد من الأسئلة عن نفسه ووطنه ومستقبله. وقد نجح المؤلف في أن يقدم لنا حبكة روائية شائقة وممتعة عن ماض متوتر يطل من جديد على حاضر قلق ومشوش.