يحمل من الهم وكدح المعيشة الكثير من المعاناة والمصاعب، فبعد وفاة والده وجد نفسه مُجبرًا على العمل لمساعدة والدته السيدة العجوز، وأشقائه الستة، فقرر فتح محل صغير، وقام بشراء المُعدات الخاصة لمشروع محل تنظيف وكى الملابس في منطقة القصيرين بالزاوية الحمراء، ولم تكن نهاية الشاب الكادح «شريف.ه» بسبب خلاف مالى، لكن كانت بسبب تأخره في تسليم الشغل لأحد زبائنه من الجيران الذي لم يجد طريقة يعقاب بها «المكوجى» غير إطلاق قنبلة مونة في وجه، ليفارق على إثرها الحياة، وتعيش المنطقة حالة من الحزن على وفاة ذلك الشاب الذي يمتاز بالطيبة والأخلاق الحسنة، كما وصفه جيرانه بالمنطقة. تفاصيل الواقعة بدأت مع حلول ساعات الليل المتأخرة، كانت الساعة تدق التاسعة مساء، يتوجه «بالونة» وهو أحد زبائن «شريف» المكوجى لاستلام ثيابه، لكن ضغط العمل تسبب في تأخير موعد تسليم الملابس «المكواة» في الوقت المحدد، فنشبت خلافات ومشادات كلامية وصلت للتشابك بالأيدى بينهما، فتدخل أصحاب المحال التجارية المجاورة للفصل بين الطرفين، وتمكنوا من إنهاء المشاجرة في دقائق معدودة، وعلى وعد بأن يأتى بعد نصف ساعة لاستلام «القميص والبنطلون»، وعقب مرور الوقت، عاد «بالونة» لكنه قرر الانتقام من المكوجى إذ لم ينجز كى ملابسه، وبالفعل حدث ما توقعه، فقد وجد ملابسه كما هي، فتجددت المُشاجرة بينهما مرة أخرى، وفوجئ جميع أهالي المنطقة بقيام «بالونة» بإلقاء قنبلة يدوية الصنع «عبارة عن بارود ومسامير وبنزين»، والمعروفة بقنبلة «مونة» في وجه المكوجى، فسقط قتيلًا في الحال، وفر هاربا وسط ذهول الجميع. «البوابة» انتقلت إلى منزل الضحية بالعقار رقم 84 بمنطقة الزاوية الحمراء، فمشاهد الحزن تكسو وجوه الجميع، ومعظم سيدات المنطقة يرتدين الملابس السوداء حزنا على الشاب الخلوق، ووجدنا سرادق العزاء أقيم بجوار محل المكوجى ضحية العنف والجهل والتخلف والبلطجة، وصور المجنى عليه مُعلقة على لافتة كبيرة، كُتب عليها «شريف شهيد الغدر والخيانة». وجدنا أسرته الفقيرة تعيش في شقة صغيرة، تحمى عائلته المكونة من والدته وأشقائه الصغار، واستقبلتنا والدته بعبارة «سندى في الحياة مات». وحاولنا تهدئتها وتعزيتها، فبدأت بالكلام معنا بكل حرقة وحسرة وأسى قائلة: «ابنى كان مُهذبا وطيبا، ويعانى نسبة عجز، وكان يحرص يوميا على غلق المحل في عز وقت عمله ليأتى إليّ كى يُعطينى الدواء بنفسه لأنى سيدة مُسنة، وكان لا يترك الصلاة، ويحرص دائما عليها في جماعة بالمسجد، ومعروفا في المنطقة بُحسن الخلق، شريف ابنى كان دائما في حاله، ولم يتشاجر مع أحد من قبل، وكل ما كان يفعله هو الذهاب إلى عمله في الصباح وبعد انتهاء العمل يعود إلى البيت في الساعة العاشرة مساء». سألناها عن تفاصيل الواقعة فردت بصوت مخنوق وملأت وجهها الدموع قائلة: «إن خلافا حدث بين ابنى وأحد جيراننا اسمه «أحمد» وشهرته «بالونة»، وده كان بسبب تأخر حبيبى «شريف» في تسليم «بنطلون وقميص» كان «بالونة» سايبهم علشان يكويهم، بس ابنى ماكنش يقصد إنه يأخر الشغل، لكنه كان بيسلم الملابس حسب الدور مش أكتر، وكان في زبائن سلمته ملابس قبل «بالونة»، فحدثت مشادات كلامية بينهما، وده كان بسبب تطاول بالونة على ابنى «العاجز»، وقام بسبه ببعض الألفاظ التي تسيء ليّ شخصيا.. وتدخل الجيران وفصلوا بينهما وقالوا له تعالى خد قميصك وبنطلونك بعد نص ساعة». وأضافت الأم المكلومة: «لم تمض ربع ساعة، حتى عاد بالونة ممسكا بسيف وفى يده الثانية زجاجة بداخلها «مسامير» وزجاج مكسور ومادة البنزين الحارقة بيسموها قنبلة «مونة»، فنزل «هانى» نجلى الأكبر للدفاع عن شقيقه، لكن المتهم ألقى القنبلة على رأس «شريف» أدت إلى وفاته وأصيب هانى بعدة جروح، ثم فر المتهم هاربا، سمعت صرخة ابنى من «البلكونة» وهو يصرخ بعد أن ألقى القنبلة على رأسه، مما تسبب في وفاته، حسبنا الله ونعم الوكيل. بينما قال المتهم خلال تحقيقات النيابة: «إن شريف جار منذ أن كنا أطفالا، وأنا زبون دائم عنده في المحل، وتشاجرت معه بسبب تأخره في تسليمى المكواة لأنى كنت مستعجل وعندى فرح، وحدثت مشاجرة بينى وبينه، انتهت بأن الجيران فصلوا بينى وبينه، وعندما عدت إليه بعد ربع ساعة، كنت مبيت النية أنى أتخانق معه، وجيت ومعايا سيف وقنبلة، طلبت منه المكواة فوجدته يلقى الملابس في وجهى، مما أثار غضبى فألقيت القنبلة في وجهه، وكانت ساعة شيطان، وأنا ندمان دا «شريف» كان صاحبى!! من النسخة الورقية