محافظ الشرقية يستقبل مفتي الجمهورية بمكتبه بالديوان العام    الأحد.. مجلس الشيوخ يناقش الأثر التشريعي لقانون التأمين الصحي والضريبة على العقارات المبنية    وفد من جامعة نوتنغهام يشيد بالإمكانيات العلمية لجامعة المنصورة الجديدة    «أوقاف الدقهلية» تفتتح مسجدين وتنظم مقارئ ولقاءات دعوية للنشء    الزراعة تعلن الطوارئ وتخفض أسعار السلع الغذائية استعدادا لعيد الأضحى    "الخدمات البيطرية" تعلن تطوير 8 مجازر في 5 محافظات ومواصلة حملات التفتيش على أسواق اللحوم    فتح باب التقدم والحجز إلكترونيًا عبر منصة مصر الصناعية الرقمية خلال الفترة من 1 إلى 15 يونيو 2025    مصر القومى: توجيهات الرئيس بشأن الإيجار القديم يؤكد انحياز الدولة لتحقيق العدالة الاجتماعية    مصر ومنع طرد أهل غزة    فيدان: محادثات إسطنبول أثبتت جدوى التفاوض بين روسيا وأوكرانيا    فرنسا: الاعتراف بدولة فلسطينية واجب أخلاقي ومطلب سياسي    تحذير لنجوم الأهلي، الطرد المباشر في مونديال الأندية ب24 ألف دولار    ذا أثلتيك: ليفربول يقدم عرضا ثانيا ب130 مليون يورو لضم فيرتز    «عشان زيزو يسافر» خالد بيبو مفاجأة بشأن موعد نهائي كأس مصر.. وعبد الواحد السيد يرد    تكليف من محافظ الجيزة قبل انطلاق امتحانات الشهادة الإعدادية    أغنية "إهدى حبة" لديانا حداد والدوزي تحقق 700 ألف مشاهدة في يومين    فى ليلة ساحرة.. مروة ناجى تبدع وتستحضر روح أم كلثوم على خشبة مسرح أخر حفلاتها قبل 50 عام    ديانا حداد تستمر بتألقها في تقديم ديوهات غنائية بعد ماس ولولي    إعلان أسماء الفائزين بمسابقة "توفيق الحكيم للتأليف المسرحي"    توحيد خطب الجمعة في السعودية للتوعية بأحكام وآداب الحج    في اليوم العالمي للتوعية بأورام الدم، رسالة أمل من قلب المعهد القومي    قافلة طبية مجانية بقرية البرشا بملوي تقدم خدمات لأكثر من 1147 حالة    فوز منظومة التعليم التمريضي بجائزة العمل المميز    أسامة نبيه: أثق في قدرتنا على تحقيق أداء يليق باسم مصر في كأس العالم    خطيب المسجد الحرام: الحج بلا تصريح أذية للمسلمين والعشر الأوائل خير أيام العام    8 مصابين في تصادم سيارتين أعلى محور 26 يوليو    فيلم سينمائي يشاهده 4 أشخاص فقط في السينما الخميس    «Top 7 يوتيوب».. تامر حسني في الصدارة ومنافسة شرسة بين الراب والمهرجانات (تفاصيل)    حكم من شرب أو أكل ناسيا فى نهار عرفة؟.. دار الإفتاء تجيب    4 وفيات و21 مصابا بحادث انقلاب أتوبيس بمركز السادات    في لفتة إنسانية.. بعثة القرعة تعيد متعلقات حاجة فقدتها في الحرم    الإفتاء تحذر: الأضحية المريضة والمَعِيْبَة لا تجزئ عن المضحي    دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة لتيسير الأمور وقضاء الحوائج.. ردده الآن    اتحاد الكرة ينعى الناقد الرياضي خالد كامل    ضبط تشكيل عصابي تخصص في تزوير راغبي الحصول على مستندات رسمية بالقليوبية    ترامب يتحدّى أوامر القضاء.. وواشنطن تُخفي الأزمة الدستورية تحت عباءة القانون    تحرير 146 مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار الغلق    المشاط تلتقي المنسق المقيم للأمم المتحدة بمصر لمناقشة جهود تحقيق التنمية الاقتصادية    ليلة في حب وردة وبليغ حمدي.. «الأوبرا» تحتفي بروائع زمن الفن الجميل    كأس العالم للأندية.. ريال مدريد يعلن رسميا ضم أرنولد قادما من ليفربول    الرئيس اللبنانى يزور العراق الأحد المقبل    طهران: تقرير الاستخبارات النمساوية المشكك في سلمية برنامجنا النووي كاذب    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد الشهيد بالقليوبية    ضبط 33 كيلو مخدرات بحوزة 8 متهمين في أسوان ودمياط    سعر الخضار والفاكهة اليوم الجمعة 30 مايو 2025 فى المنوفية.. الطماطم 12جنيه    رئيسة المجلس القومي للمرأة تلتقي الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر    بحضور محافظ القاهرة.. احتفالية كبرى لإحياء مسار رحلة العائلة المقدسة بكنائس زويلة الأثرية    ريا أبي راشد: أجريت مقابلة تلفزيونية مع مات ديمون بعد ولادة ابنتي بيومين فقط    حملة للتبرع بالدم بمديرية أمن البحر الأحمر    وزير الإسكان: بدء إرسال رسائل نصية SMS للمتقدمين ضمن "سكن لكل المصريين 5 " بنتيجة ترتيب الأولويات    بنيامين نتنياهو يدخل غرفة العمليات.. ومسؤول آخر يتولى إدارة إسرائيل    مصرع وإصابة 4 أشخاص في حادث تصادم بطريق مصر السويس الصحراوي    «عانت بشدة لمدة سنة».. سبب وفاة الفنانة سارة الغامدي    3 ساعات حذِرة .. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم : «شغلوا الكشافات»    موعد مباراة الاتحاد والقادسية في نهائي كأس خادم الحرمين والقنوات الناقلة    «مالوش طلبات مالية».. إبراهيم عبد الجواد يكشف اقتراب الزمالك من ضم صفقة سوبر    تقارير: أرسنال يقترب من تجديد عقد ساليبا    عيار 21 الآن بعد الارتفاع العالمي.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 30 مايو 2025 بالصاغة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ننفرد بنشر فصول من كتاب للعاهل السعودي الجديد.. عقل الملك سلمان
نشر في البوابة يوم 04 - 02 - 2015

«القرآن دستورنا».. والحرب على ما يتعارض مع العادات والتقاليد الإسلامية «واجب على الجميع» حول هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إلى «ناصح أمين».. وليس «كرباج» يقول: «نصرة الشعب الفلسطينى من الدين والأخوة والمحبة لرد حقوقهم من الاحتلال الصهيونى»
«الملك الزاهد»، هواللقب الذى يستحقه الملك سلمان بن عبدالعزيز، خادم الحرمين الشريفين، وليس هذا من باب المجاملة له، وإنما نتاج استقراء لمجموع خطب وكلمات الملك من كتاب نادر أصدرته دارة الملك عبدالعزيز عام 2012، ضم 207 خطب وكلمات مختارة للملك فى أكثر من 660 صفحة فى الفترة من 1980م- 2012م، حينما كان أميراً لمنطقة الرياض، وحتى أصبح ولياً للعهد.
وضعت الدارة لكل خطبة أو كلمة للملك سلمان تم نشرها فى الإصدار عنواناً يحمل الدلالة الكاملة من نص الخطبة أو الكلمة ويعبر عن المناسبة التى ألقيت فيها، مع توثيق كل منها بتاريخها ومناسبتها والمدينة التى احتضنتها، ويعد الإصدار عملاً وثائقياً لا يستغنى عنه أى باحث فى تاريخ المملكة العربية السعودية.
جاءت الخطب والكلمات مرتبةً تاريخياً من القديم للحديث، وهى خطب ألقاها الملك فى مناسبات عدة داخل المملكة العربية السعودية وخارجها وفى مختلف الأحداث التنموية التى عاشتها بلاده على مر تلك العقود، وكان أغلبها فى مناسبات تدشين لعدد من المشروعات الحضارية والأنشطة العلمية والتعليمية للمؤسسات والهيئات والدوائر الحكومية والجمعيات الدينية والمؤسسات الثقافية، مثل افتتاح المؤسسات الخيرية والاجتماعية الحكومية والخاصة، التى أسهم فى بعضها، وحمل بعض هذه المؤسسات والمشروعات الخيرية اسمه.
كان يحض فيها على عمل الخير والبر والحرص على تربية الأسرة، وافتتاح المؤسسات الدينية وحضور حفلاتها السنوية، مثل جمعيات تحفيظ القرآن الكريم، وهيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وفيها يدعو إلى التمسك بالعقيدة الإسلامية، ويبين وسطية الإسلام وعدم الغلو والتطرف، بالإضافة إلى افتتاح المؤسسات العلمية والثقافية مثل الجمعيات والكليات والمعاهد، ويبين فيها اهتمام الدولة بالتعليم والبحث العلمى.
كان من أبرز ما عبر عن زهد الملك سلمان ذلك الخطاب الذى ألقاه فى الحفل السنوى الأول لسعفة القدوة الحسنة نهاية عام 2008، وحمل الخطاب عنوان: «فى القرآن حلول لكل المشكلات» وعلى الرغم من التشابه بين هذا العنوان وبين الشعار الذى كانت ترفعه جماعة الإخوان الإرهابية، إلا أن الملك كان حريصاً على تطبيق الإسلام فى واقع الناس، وعدم الاكتفاء بالشعارات والهتافات.
يقول الملك فى هذا الخطاب ص 604 وما بعدها من الكتاب المذكور: «نعى مسؤوليتنا عن عقيدتنا وديننا التى قامت عليها النهضة العربية بعد ما كنا شعوباً وقبائل وحدنا كتاب الله وسنة رسوله»، مضيفاً: «إن كل من يقرأ القرآن سيجد الحلول لكل مشكلاته، وكذلك من يقرأ السنة النبوية».
ويتحدث عن المسؤولية الملقاة على عاتقه وهو ينظر فى الوقت نفسه إلى قبره الذى سيوضع فيه، قائلاً: «الإنسان منا إذا أصبح مسئولاً عن أى أمر يهم المواطن فيجب عليه قبل كل شيء، أن يراعى اليوم الذى لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فالدنيا مهما عظم شأن الإنسان فيها سيأتيه يوم يدفن فى قبره ويواجه ما عمل، فلنجعل دنيانا تمهيداً لآخرتنا».
مستطرداً: «الإنسان منا، وخصوصاً المسئول، يلتزم بقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)، من رب الأسرة فى بيته إلى أكبر عامل فى الدولة يجب أن يخاف ربه قبل كل شيء ثم يسأل ضميره، ويسأل: هل هذا العمل الذى عملته؟ لو عوملت به أنا هل أقبله أم لا؟ الإنسان يهمه خوف الله وطاعته عز وجل ثم تحرى الصدق».
وأضاف فى ص 607: «يجب أن نخاف الله قبل كل شيء، ثم نقول: إن الإنسان بشر، والموت أمامه، ويومها لا ينفعه نفوذه ولا ماله ولا مركزه إلا من أتى الله بقلب سليم،.. أنا أقول فى دعائي: الحمد لله اللهم لا تجعلنى ظالماً ولا مظلوماً، ولا شقياً ولا محروماً، وأخرجنى من الدنيا معافاً فى دينى وفى ذمتى، وأقول: اللهم اجز خير من أحسن إلى واعف عمن ظلمنى».
ويؤكد الملك سلمان خوفه وحرصه وتثبته عند اتخاذ القرارات وعدم مجاملته فيها بقوله: «أنا شخصياً لا أقبل مهما كان الإنسان، إلا أن أسأل قبل أن أتخذ قرارى، وبعضهم يحرجنى ويطلب منى أن أصدق ما قاله، فأقول له أنا ما عندى مانع بس تكتب تعهداً إذا أحد قدم دعوى فيك أصدقه وإلا كما تدين تدان».
ولعل الملك سلمان ورث هذا الزهد من والده الملك الراحل عبدالعزيز آل سعود الذى يحكى عنه الشيخ عبدالله خياط، أحد المقربين له، فى كتابه «لمحات من الماضى» أنه إذا كان ثلث الليل الأخير تشعل المصابيح الكهربائية للملك عبدالعزيز وينتهز هذه الفرصة الثمينة فى قيام الليل، ويستمر فى مناجاة ربه بآياته، ويتضرع إليه ويبكى بكاء الثكلى، ويستمر على هذا الوضع حتى قبيل الفجر فيوتر، ثم يصلى الصبح فى جماعة.
تعيش الأمجاد التاريخية العربية والإسلامية فى ذاكرة الملك سلمان، ويسعى إلى إعادتها وتنشئة أبنائه ومواطنيه على التمسك بها والعمل بقيمها، فيؤكد فى أكثر من مناسبة على أن الإسلام هو دين المملكة، الذى شرعه الله وأوجب التمسك به والحفاظ عليه والدعوة إليه والدفاع عنه، معتبراً ذلك من أوجب الواجبات، بل هو الأمانة الكبرى فى عنق الملك وأسرته.
ويذكر الملك سلمان رعيته بفضل نعمة التمسك بالكتاب، وعقيدة التوحيد التى تأسست عليها أركان دولته على يد والده، والحكم بشريعة الإسلام، داعياً شعبه للتمسك بهذه العقيدة والشريعة التى يعتبرها مصدر الفخر والعزة، وسبب التقدم والنهضة الحقيقية.
ويعتبر كتاب الله دستور المملكة الأساسى، وأن النظام الأساسى للحكم ما هو إلا تقنين ما تعارف عليه الناس من أمور الشريعة، مفتخراً بأن المملكة السعودية هى البلد الوحيد فى العالم الذى يطبق أحكام الشريعة الإسلامية السمحة، تطبيقاً كاملاً، وأن بلاده منبع الرسالات السماوية، وتبارك جهود أى دولة تعمل على تطبيق أحكام هذه الشريعة، ويأمل أن تطبق هذه الأحكام فى كل الدول الإسلامية.
ويؤكد دوماً الدور الذى تقوم به بلاده فى سبيل نشر الإسلام، والدعوة إليه على بصيرة، وإحياء سنة النبى صلى الله عليه وسلم ومحاربة البدع، ومؤازرة العلماء فى الدعوة إلى الدين، ومساندة الدعوة الإسلامية فى كل مكان بشتى الوسائل وكافة الإمكانيات، مؤمناً بأن سعادة المسلمين وقوتهم وسلامتهم إنما تكون بالتمسك بالدين، والعمل به، والأخذ بأسباب القوة.
ودفاعاً عن المنهج الإسلامى الذى تأسست عليه المملكة دعا الملك سلمان العلماء إلى دراسة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، إحقاقاً للحق، وإزهاقاً للباطل، حتى يعرف المسلمون فى مشارق الأرض ومغاربها حقيقة هذه الدعوة، لا سيما دراسة جهاد الشيخ محمد، ودعوته الإصلاحية التى تقوم على تجديد دعوة السلف.
وأوضح أن دعوة الشيخ محمد جاءت فى وقت سادت فيه مظاهر الشرك والضلال والتناحر والبعد عن أصول الشريعة، أرجاء الجزيرة العربية، بحكم انكماش الوازع الدينى، وضاقت به الدنيا حتى التقى الإمام محمد بن سعود، مؤسس الدولة السعودية الأولى، حيث اجتمع حامل كتاب الله وسنة رسوله وخلفائه الراشدين، وحامل السيف المؤمن بالكتاب والسنة، فتعاهدا على القضاء على البدع والخرافات والفرقة والتمزق لإحياء سيرة السلف الصالح.
ولأن الملك سلمان حفظ القرآن وهو ابن عشر سنين، فقد كان حريصاً على حضور حفلات تكريم حفظة القرآن، وخصص لهم الجوائز والمكافآت احتفالاً بهم وتحفيزاً لهم، ويقول إن فى القرآن السعادة والطمأنينة والخير والبركة لمن تمسك به وعمل بما فيه، قائلاً: «كلما تمسكنا بهديه- أى القرآن- بجميع شؤوننا كانت لنا العزة والمنعة، وكلما بعدنا عنه أصابنا الذل والتفرق»، مستشهدا بقول النبى صلى الله عليه وسلم: (أن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين).
النشأة الإسلامية التى ترعرع فى ظلها الملك سلمان انعكست بشكل إيجابى على شخصيته كسياسى بارز، ففى مجال العلاقات الدولية يقيم علاقات دولته مع الدول العربية والإسلامية الشقيقة على أساس من هذه النشأة الدينية، حيث يعتبر أن تقديم المساعدات للدول الشقيقة واجب تفرضه العقيدة.
وقال إن محاربة كل ما يتعارض مع العادات والتقاليد الإسلامية واجب على الجميع، وأن بلاده ملكاً وحكومةً وشعباً تسعى لجمع شمل كلمة الإسلام والمسلمين، وتتحمل فى سبيل دينها وعروبتها كل ما يأتيها من أذى فى سبيل هذا الهدف النبيل.
ويرعى الملك سلمان هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر رعاية كاملة، ويعتبر ما تقوم به جزءاً لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية التى قامت عليها بلاده لتحقيق المصالح الكبرى من خلال إصلاح المجتمع برد المفسد عن إفساده، ونصيحة المستفيد من النصيحة.
استطاع الملك سلمان تغيير الصورة الذهنية السلبية عن الهيئة التى يتخيل الناس أنها ترغم المواطنين على الطاعة، وتفضحهم إذا وقعوا فى الذنوب والمعاصى، وذلك من خلال النصائح التى قدمها الملك للقائمين على الهيئة بضرورة الستر ثم الستر ثم الستر على من وقع فى منكر من المنكرات ولم يجاهر أو يفاخر به، ما لم يبلغ الأمر حداً من الحدود التى لا يمكن بحال من الأحوال السكوت عليها، أو التهاون مع مرتكبيها، صيانة للمجتمع.. قائلاً: «كثير من الأمور يصلحها الستر أكثر من العقاب، وتعرفون كذلك درجات العقاب كلها تتدرج من الستر إلى العقاب الشرعى الموجود بكتاب الله وسنة رسوله».
وأوضح أن الهدف من الهيئة ليس عقاب الناس وإنما إصلاح أخلاقهم قدر الإمكان، ومحاولة صيانتهم من الوقوع فى المنكر، مطالباً أعضاءها بتحمل الأذى فى سبيل ذلك، والمعاملة الحسنة من أجل تحقيق هذا الإصلاح، والتحلى بالصبر، واتباع الشرع، حتى يصبح أعضاء الهيئة قدوة حسنة لغيرهم، وحتى لا يصدق عليهم أن فاقد الشيء لا يعطيه.
ويحرص الملك سلمان على التواصل مع هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والاستماع منهم وتقديم النصح لهم، وعقد الجلسات الخاصة للمناقشة، مثلما حدث عام 1998 فى افتتاح الفرع الجديد للهيئة بالرياض، حينما أمر بإخلاء القاعة من الإعلاميين حتى يتحدث أعضاء الهيئة معه بصراحة تامة.
ويتضح من خلال خطابات الملك أنه لا يتعالى عن الاعتراف بخطئه حيث يقول فى ص 251 من الكتاب: «نحن بشر نصيب ونخطئ، هذا شيء يجب أن نعرفه، لكن الخطأ يجب أن يكون خطأً اجتهادياً، ليس خطأ تعمد»، مضيفاً: «الخطأ يرجع الإنسان عنه، أى واحد منا يخطئ يعتذر عن خطئه»
كما طالب فى ص 606 أن يكتب الناس له بصفة شخصية إذا رأوا أى خطأ أو مخالفة قائلاً: «من رأى شيئاً يخالف القرارات الشرعية أو الأنظمة المستمدة منها أو حريات المواطنين أو كراماتهم أو ما يهمهم فعليه أن يكتب لى، حتى وإن كان الأمر منى أو من نائبى فليأت ويقول: هذا خطأ».
انعكست هذه النشأة الدينية الإسلامية على النظام الاقتصادى الذى تسير عليه المملكة فى عهده، حيث يؤكد الملك سلمان أن المملكة تنفرد بنظام يخالف الأنظمة الرأسمالية التى تهدف إلى تنمية رأس المال بأى طريقة ووسيلة، كما يخالف الأنظمة الشيوعية التى تعتصر الإنسان لتنمو الآلة، مؤكداً أن هذه الأنظمة تؤمم الشركات فى حال نجاحها، بينما تقوم المملكة بطرح أسهم الصناعات بقيمتها الحقيقية الأساسية للمواطن فى حال نجاح الشركة، حتى يستفيد منها الجميع.
يؤمن الملك سلمان أن تعاليم الدين الإسلامى الحنيف تقضى أن يكون كل إنسان حراً فى ماله وعمله فى حدود عدم الإضرار بالآخرين، وأن يكون وفياً ومخلصاً لدينه ووطنه، ومتمسكاً بتقاليد بلاده التى يعتز ويفتخر بها.
فيما لم تخل الخطابات الدبلوماسية التى ألقاها الملك سلمان أمام قادة الدول غير العربية الأمريكية والأوروبية والآسيوية من التأكيد على الدعوة إلى الإسلام العظيم، فقد بدأ خطابه أمام راين ويست فالن، رئيس وزراء ألمانيا عام 1985، بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} للتأكيد على ضرورة تحقيق الصداقة بين البلدين والشعبين، ويعتز فى الخطاب نفسه أن بلاده تستمد تشريعاتها من كتاب الله، وأن بها أقدس مكانين فى العالم الإسلامى.
وفى عام 1985 زار الملك سلمان باريس ويومها وقف أمام عمدتها جاك شيراك ليؤكد له أن آباءه وأجداده أقاموا الدولة السعودية على ثوابت صامدة من شريعة الله، والأعراف العربية النبيلة، بل ذهب للقول بأكثر من هذا ففى عام 1987 خلال افتتاحه لندوة الدراسات العربية والإسلامية فى فرنسا، إن هناك تراثاً قديماً يجمع بين الثقافة الإسلامية العربية والثقافة الأوروبية على وجه العموم، والثقافة الفرنسية على وجه الخصوص، مشيراً إلى أن هناك لمسات من الأدب والقانون الفرنسيين استمدت جذورها من الثقافة العربية الإسلامية.
وفى لقائه بالدكتور هلموت دسك عمدة فيينا عام 1985 قال إن السياسة الداخلية والخارجية للمملكة تقوم على الالتزام بشريعة الله، والارتباط بالقيم والأخلاق، وفى معرض (المملكة بين الأمس واليوم) الذى أقيم بواشنطن عام 1989، قال إن بلاده تستمد جميع أعمالها ومنها التنموية والحضارية من تعاليم الإسلام، مشيراً إلى أن جميع أعمال المملكة تعود بالخير على الإسلام والمسلمين، وأن المعرض يؤدى لتحقيق هذه الأهداف، من خلال توزيع مئات الألوف من النشرات والكتيبات عن الدين الإسلامى.
أما موقفه من القضية الفلسطينية فهو جزء لا يتجزأ من تكوينه الدينى والإنسانى حيث يقول: «إن دعمنا للشعب الفلسطينى ومؤازرتنا وتأييدنا له على المستويات والأصعدة كافة نابع من أواصر الدين والإخوة والمحبة، القائمة على أساس من عقيدتنا الإسلامية، التى تلزمنا بالمشاركة فى نصرة إخواننا أبناء شعب فلسطين فى محنتهم وجهادهم وكفاحهم، فى سبيل استرداد حقوقهم ورفع ما حاق بهم من ظلم من جراء العدوان والاحتلال الصهيونى، المستمر الجاثم على بيت المقدس وأرض فلسطين».
وأضاف: «إن مساندتنا لهم واجبة بجميع أشكال الدعم والمساندة حتى يتمكنوا بإذن الله من استرداد حقوقهم»، حاثاً شعبه فى أكثر من بيان وخطاب ومناسبة للتبرع لصالح الإخوة الفلسطينيين، مستشهداً بقول الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِى كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}، وقول النبى صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً).
واستشهد بفتاوى لكبار العلماء والفقهاء من بينهم الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، المفتى الأسبق للمملكة، والشيخ عبدالعزيز بن باز، المفتى السابق، أجازوا فيها دفع شيء من زكاة المال للمجاهدين فى فلسطين، مؤكداً أن «مناصرة الشعب الفلسطينى من شيم المسلمين الموحدين بالله الواحد القهار».
أما التضامن الإسلامى مع الشعوب فمن وجهة نظر الملك سلمان يعد قاعدةً عظمى تعلى من شأن الأمة المسلمة، وتوحد صفوفها، وترتقى بشعوبها، وتأخذ بأيديهم نحو الاعتزاز بدينهم، مشيراً إلى أن هذا التضامن «دعوة مبنية على الحق والعدل، حث عليها القرآن الكريم، وأيدتها شريعة الإسلام المطهرة، وسنة النبى الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم».
ويعرف عن الملك سلمان ملازمته للعلماء والأخذ بأقوالهم فيما يعود بالنفع على أبناء شعبه، ومن ذلك استناده لفتوى هيئة كبار العلماء التى تنص على جواز التبرع بالأعضاء ونقلها، بشرط ألا يكون هناك أى ضرر بأى شكل من الأشكال على الإنسان الحى، وأن يكون المريض بحاجة إلى المتبرع أو من الإنسان الميت المتبرع أن يتبرع ولى أمره، وذلك حينما حث المواطنين على التبرع لصالح المركز الوطنى للكلى عام 1988.
كذلك كشفت خطابات الملك سلمان عن عشقه للتاريخ والتراث والشيم العربية الأصيلة، وحرصه على تطبيقها والدعوة إليها كلما سنحت الفرصة لذلك، وأبرزها صفة الوفاء مع عائلته وأصدقائه والمواطنين المخلصين من أبناء بلده، بل إن حرصه على الوفاء معهم يستمر مع أبنائهم من بعدهم.
من النسخة الورقية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.