فكرة الرئيس غير المؤدلج طرحها منذ أمد غير بعيد عبر المصريون الكاتب الكبير جمال سلطان، وأخذت بها جماعة الإخوان المسلمين مع تعديل التسمية وهي فكرة قد تكون صائبة. ولكن عند التعليل والتبرير لهذه الفكرة قرأنا أن من بين الأسباب الداعية إلى التمسك برئيس توافقي وعدم دعم أي مرشح إسلامي : النظر بعين الاعتبار إلى الموقف الأمريكي، يقول الأستاذ كامل مندور في مقال منشور بالمصريون بتاريخ 2/3/2012(حينما عرضت أمريكا شخصا بعينه ووقع الاعتراض عليه رضخت أمريكا للمفاوض المصري وطرحت بديلا آخر ليجري التوافق عليه)، ثم يمضي قائلا(والاسم المقترح الآن لتولي المنصب هو شخصية محترمة من الجميع ولديه القدرة على إدارة شئون البلاد في السنوات الأربع القادمة، بعدها قد يكون لنا شأن آخر). وبغض النظر عن مقصد الكاتب من وراء هذه الكلمات التي جاءت في سياق تبرير كلام فضيلة المرشد العام، وبغض النظر عن موقف فضيلة المرشد منها(وظني أنه لم يطلع عليها، وأنه غير موافق عليها) فإنني أرى أنها تحمل بعض الدلالات التي تسيء لثورة المصريين العظيمة، التي لم تستطع أمريكا - وهي القوة العظمى - أن تفعل حيالها شيئا. أولا: ذلك أنها تعني أن أمريكا تستطيع بأسلوب أو بآخر أن تفرض على مصر وشعبها الرئيس الذي تريده، حتى وإن كان هذا عبر الرضوخ لإرادة المفاوض المصري- على حد قول الأستاذ كامل - وهو أمر لو عرض على الشعب المصري لرفضه رفضا قاطعا، لأنه يعني ببساطة ان مصر لم تقم فيها ثورة، أزاحت طاغية ظل يعمل على إرضاء أمريكا وإسرائيل وإن أضر ذلك بشعبه ووطنه، وما الفارق إذن بين هذا الكلام وبين ما قاله منذ أعوام الدكتور مصطفى الفقي إبان حكم المخلوع من أن الرئيس القادم لابد أن يحظى بموافقة أمريكا وإسرائيل؟ إذا كان الأمر ما زال كذلك فلتبك على عقولنا البواكي. ثانيا: أي نظرة ستنظر بها الدول العربية والإسلامية والعالمية إلينا بعد أن تُولّي علينا أمريكا من ترغبه عبر أي طريق تحب وبأي أسلوب تريد، أقول هذا لأننا نتطلع بعد الثورة إلى دور مصر العربي والإسلامي والإقليمي والدولي، ولن يتحقق ذلك من خلال رئيس جاء عبر الإذن الأمريكي، لأن تحجيمه عندئذ أسهل ما يكون. ثالثا: قد يقال إننا في الفترة القادمة نحتاج إلى إصلاح أحوالنا الداخلية والاهتمام بأوضاعنا الخاصة ولا حاجة لنا إلى دور إقليمي أو غيره، وأقول: إن من يُنشّأ على فقدان الثقة في النفس من الصعب عليه أن يستعيدها، والفرصة لا تتاح إلا مرة واحدة فإما أن تكون بها أو لا تكون، كما أن العمل على الصعيدين الداخلي والخارجي وتحقيق النجاح فيهما ليس صعبا أو مستحيلا على المصريين الذين يقارب عددهم التسعين مليونا، وهم ثروة مصر وكنزها الحقيقي. رابعا: ثم أين هو ذلك الرئيس ولماذا هو غير معروف إلى الآن؟!! أليس غريبا بل وعجيبا ممن يريد أن يرأس دولة بحجم مصر أن ينتظر إذنا أمريكيا بالظهور وتقديم نفسه للناس؟!!! إن شخصا ينتظر إذن أمريكا بمجرد الظهور من الصعب عليه أن يتخذ قرارا أيا كان نوعه دون الرجوع إلى ماما امريكا، وهو ما كان عليه المخلوع وسابقوه، وكأنك يا أبوزيد ما غزيت. خامسا: أن من رضي بذلك أولا سيرضى به ثانيا وثالثا، فبعد أربع سنوات سنجد من التبريرات ما يجعلنا نرضى برئيس آخر من اختيار الأمريكان وهلم جرا، ولعل هذا الهاجس هو ما جعل الكاتب المحترم يستخدم أداة الشك (قد) في تعبيره إذ يقول( وبعد أربع سنوات قد يكون لنا شأن آخر). في نهاية حديثي أود التأكيد على أمرين: أولهما: أنني وأعتقد أن معي قطاعا عريضا من الشعب المصري نؤيد فكرة الرئيس التوافقي، الذي يجمع ولا يفرق؛ شريطة أن يكون هذا الرئيس من اختيار الشعب بعد أن يعرض برنامجه عليه، وأن يأتي عبر انتخاب حر ونزيه لا شبهة فيه ولا التفاف عليه. ثانيهما: أن الحجة التي أدفع بها للقبول بالرئيس التوافقي ليست هي النظر إلى الرأي الأمريكي أو انتظار الطرح الأوربي، ولكنها هي مصلحة مصر والمصريين في المقام الأول، فزمن الوصاية قد ولى إلى غير رجعة. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل. د. صبحي المليجي جامعة الأزهر – كلية اللغة العربية بشبين الكوم [email protected]