أثناء زيارة خاطفة للبحر الميت إبان الحرب الباردة بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتي، التقى وزير الداخلية الأمريكي ستيوارت أودال برئيس الوزراء الروسي خروشوف هناك بناء على دعوة وجهها الأخير إليه. وحين وقف الرجلان أمام الكاميرا، ووضع المصور يده على زر الآلة، استوقفه خروشوف، ونظر إلى غريمه قائلا: "يمكنك أن ترفع إصبع التهديد بين عيني إن أحببت." ليست البسمة وحدها هي التي تضمن للصورة أن تلقى قبولا لدى حشود المغفلين الذين يقفون خلف ستائر الأحداث ليشاهدوا الطبعة المنقحة من حقيقة ما يجري. وليس على الواقفين على مسرح الجريمة أن يبالغوا في إظهار بياض أسنانهم بعد اليوم، لأن أصابع الوعيد قد تؤدي إلى شهرة أكثر زيفا وأوسع انتشارا. ولا ينبغي أن يكترث المصورون بعامل الإضاءة أو اللون أو التباين. عليهم فقط أن يركزوا بعدساتهم على ما يريد قادة الحروب الباردة ظهوره من عورات. وعلى المسيطرين على تفاصيل المشهد أن يخرجوا من لجة الأسئلة الوجودية ببعض الملامح المزيفة ليقدموا صورة غلاف تليق بغرور عملاءهم النائمين تحت ظلال الأمل في فلاة المستحيل. فالحرب التي تشتعل أمام الكاميرات قد تصبح بردا وسلاما بفعل فاعلا يجيد ضغط الزر في الوقت المناسب. المهم أن ترتفع الأصابع بما يكفي لسد نافذة الوعي المشرعة وتحويل الحقائق إلى لقطات كرتونية لا تقنع غرا أبلها بمواصلة التنقيب عن أدلة زيف مدفونة في قاع الصورة. لقد استطاعت الكاميرات بفضل قدرتها التزويمية على فصل اللقطات عن محيطها وتحويل أعين الفضوليين من المغلوبين على صبرهم إلى حيث تشير السبابة متوعدة ومهددة. واستطاعت الأصابع المفرودة في وجه الصديق إلى تحويل المشاهد السياسية إلى لقطات هزلية في كوميديانا الثورية السوداء. من يستطيع اليوم أن يصدق بصمات الأصابع أو تقوسات الحواجب بعد أن فضح المصورون بكاميراتهم العسسية تفاصيل الاتفاقية الباردة بين قطبين اتفقا على الصراع علنا وتقاسما الضحكة سرا بعيدا عن أعين البلهاء الذين ظنوا بالصورة خيرا وتشربت أحداقهم بألوانها الكاذبة؟ من يستطيع أن يرفع إبهامه اليوم أمام العدسات ويظن بأنامله خيرا بعد أن حولت الكاميرا مشاعر الغريمين عن مسارها وقفز قطار الليل عن قضبانه الباردة ليعلن سلاما دائما بين قطبين ظن الواهمون أن ارتفاعات أصابعهما في أوجه العدسات قد يعني شيئا. نحتاج اليوم أن نعيد تقييم المشهد في ضوء ما استجد من أحداث صورية أحالت البسمة تعرجات خطية فوق الأجبنة المتغضنة. نحتاج أن نراجع مذكراتنا التافهة التي كتبناها تحت صورهم الكاذبة والتي شوهت تاريخ السلام البارد بين معسكرين اتفقا على شن الحروب في العلن ودفن البسمة في فوهات العدسات. نحتاج أن نؤمن أن الحرب الباردة لم تكن حربا أبدا، لكنها كانت جملة من الاتفاقات غير المعلنة بين خصمين تنازعا موج الأحداث واتفقا على رفع الأصابع في وجه ضحكاتهم المكتومة. نحتاج أن نراجع الصور - كل الصور - وأن لا نثق بالأسنان البيضاء أو أي سبابة علت بوعيد زائف في وجه صديق تآمر على الوعي أمام العدسات، فالكاميرات تكذب كما تكذب الخطب واللافتات. والصورة ليست مقدسة أبدا كما كنا نعتقد، فقد تحولت إلى سلاح رخيص يباع في سوق المصالح والحروب الباردة. لا فرق بين ملامح ضاحكة وملامح متوعدة أيها الطيبون طالما أن الحصاد المر هو نفس الحصاد، وطالما بقي المصورون أنفسهم خلف عدساتهم الكاذبة. [email protected]