بعد الإعدادية.. شروط القبول في مدرسة الضبعة النووية 2025    «القومي للإعاقة»: حملة جيل الأمل تهدف إلى تعزيز الوعي البيئي لدى الأطفال    16 يوليو 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم    مستشار رئيس الجمهورية يجتمع بمحافظ أسوان لبحث تطورات حياة كريمة    وزير البترول يبحث مع نائب وزير الصناعة السعودي سبل التعاون في قطاع التعدين    مد غلق طريق الدائرى الإقليمى حتى 1 أغسطس فى هذه الأماكن    وزارة السياحة والآثار تتوسع في برامج رحلات السياحة الصحراوية    عودة الاشتباكات في السويداء.. المدينة الدرزية السورية التي مزقتها الحرب الأهلية    مؤسسة غزة الإنسانية: 20 شخصا لقوا حتفهم هذا الصباح في حادث مأساوي في خان يونس    مصر تشارك في مؤتمر بوجوتا لدعم القضية الفلسطينية وتفعيل أحكام القانون الدولي ضد إسرائيل    عقد دورتين تدريبيتين بأكاديمية الشرطة للكوادر الأمنية العاملة بالوزارة بالتنسيق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر    بيان للبرلمان الإيراني: المفاوضات مع واشنطن ينبغي أن لا تبدأ قبل استيفاء شروط مسبقة    الشرق الأوسط.. بعد ما حدث وما جرى    مصر تدين الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي اللبنانية والسورية    فيريرا يطيح بثلاثي الزمالك من معسكر الفريق.. شوبير يكشف التفاصيل    كلوب: فيرتز سيفرض نفسه على تشكيلة ليفربول    عرضان من الدوري المغربي.. شوبير يكشف موقف الأهلي حول بيع رضا سليم    يوفنتوس يرفع عرضه لضم جادون سانشو وسط تمسك مانشستر يونايتد بمطالبه    بيراميدز ينافس الأهلى على ضم مصطفى محمد فى الصيف الحالى    لغز يبحث عن إجابة.. وفاة خامس ضحايا أسرة الموت الغامض في المنيا    ضبط (233) قضية مخدرات وتنفيذ (62) ألف حكم قضائي خلال 24 ساعة    «الداخلية» تواصل حملاتها لضبط الأسواق والتصدي لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز    ضبط مرتكب واقعة التعدي على المارة وترويعهم باستخدام سلاح أبيض بأحد الشوارع بالدقهلية    كلهم عمال به.. إصابة 5 أشخاص فى حريق مخبز بلدى بأسيوط    القبض على قاتل شقيقته في المنيا بسبب خلافات أسرية    تحرير 531 مخالفة ل«عدم ارتداء الخوذة» وسحب 787 رخصة خلال 24 ساعة    أبطال وصناع "فات الميعاد" في ضيافة "صاحبة السعادة" الأحد    «مش هحل».. هنا الزاهد وسوزي الأردنية تعيدان مقطع «تيك توك» في عرض «الشاطر»    فيلم المشروع x بطولة كريم عبد العزيز يقترب من 137 مليون جنيه خلال 8 أسابيع    تامر حسني يحتفل ب«الذوق العالي» مع منير وبنات الراحل رحيم    موعد المولد النبوي الشريف والإجازات المتبقية في 2025    الصحة تعلن تخريج الدفعة ال12 من الدبلومة المهنية في طب الإنجاب والجراحة DIRMAS    إنقاذ مصاب من موت محقق بعد تعرضه للدغة أفعى سامة بمستشفى أجا المركزي    رئيس قطاع الصحة بالقاهرة يجتمع لمتابعة فعاليات حملة 100 يوم صحة    القومي للبحوث يكرم البوابة نيوز    «عبد الغفار»: حملة «100 يوم صحة» تقدم خدمات مجانية عالية الجودة    "لم يكن هناك احترافية".. أحمد بلحاج يتحدث عن تجربته في الزمالك    "وسام القطعة الناقصة".. نجم الزمالك السابق: لاعب الأهلي هيكسر الدنيا بالأبيض    بالتنسيق مع الأزهر.. الأوقاف تعقد 1544 ندوة بشأن الحد من المخالفات المرورية    اعرف حظك اليوم.. وتوقعات الأبراج    ضبط 6 من بينهم 5 مصابين في مشاجرة بين أبناء عمومة بدار السلام سوهاج    برواتب تصل 51,651 جنيه.. تعرف على وظائف البوسنة والهرسك ومقدونيا وموعد التقديم    جيش الاحتلال يعلن استكمال فتح محور ماجين عوز لفصل شرق خان يونس    "النقل" تعلن تمديد غلق الاتجاه القادم من تقاطع طريق الاسكندرية حتي تقاطع طريق السويس ل1 أغسطس    45 دقيقة.. متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط»    انتخابات مجلس الشيوخ 2025 اقتربت وهذا جدول الإجراءات المتبقية    موعد إجازة المولد النبوي 2025 في مصر.. كم يومًا إجازة للموظفين؟    محافظ أسيوط يتفقد موقع حادث محور ديروط ويوجه بصرف التعويضات ورعاية المصابين.. صور    قتلى ومصابون جراء قصف روسي على عدة مناطق في أوكرانيا    تنسيق تمريض بعد الإعدادية 2025 .. التفاصيل الكاملة وشروط التقديم    موعد طرح شقق الإسكان الاجتماعي 2025 والتفاصيل الكاملة ل سكن لكل المصريين 7    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعلنا لنعمك شاكرين وبقضائك راضين    نجاح ساحق.. عمرو مصطفى يحتفل بتصدر «الهضبة رقم 1» و«خطفوني»    كيف أتغلب على الشعور بالخوف؟.. عضو «البحوث الإسلامية» يجيب    «تعرف على آلامهم الدفينة» 3 أبراج هي الأكثر حزنًا    نجم الزمالك السابق عن فيديو تقديم أحمد شريف: «الجمهور بيحب كدا»    ما حكم اتفاق الزوجين على تأخير الإنجاب؟.. الإفتاء تجيب    انتهك قانون الإعاقة، الحكومة الإسبانية تفتح تحقيقا عاجلا في احتفالية لامين يامال مع الأقزام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأملات سياسية في القرآن .. أطغى من فرعون (1)

لقد شهد التأريخ عددا كبيرا من الطغاة العتاة وكان فرعون مضرب المثل في الطغيان والتجبر والتسلط على الناس وسلب الحريات فقد حاز غاية الطغيان في زمانه؛ ولذا أكثر القرآن الكريم من سرد مواقفه والتحذير من الطغيان الذي ترمز إليه شخصيته، ولكأن القارئ للقرآن لا يرى فيه إلا هدما لعروش الطغيان وتقويضا لها وتخليصا للإنسان من قبضتها، وأفاض في ذكر سيرة نبي الله وكليمه موسى عليه السلام ليكون دليلا وهاديا في كيفية مواجهة الطغيان وتقويض بنيانه وتحرير الناس من قيوده وأغلاله المرهقة، وكيف تمكن هذا النبي الكريم من إسقاطه وهو في قمة طغيانه على مرأى من أعوانه بل وعلى مرأى من الناس على مر التأريخ فنجاه الله ببدنه دون غيره من الطغاة ليكون لمن خلفه آية، الذين جاء منهم من ارتكب ما هو أطغى مما فعله فرعون وأعتى ﴿ وَمَا تُغْنِى 0لْءَايَٰتُ وَ0لنُّذُرُ عَن قَوْمٍۢ لَّا يُؤْمِنُونَ﴾، يونس:101.
فقد شهدنا في زماننا هذا من الطغيان ما فاق ما كان عليه فرعون من طغاة أسكرهم حب الرئاسة والجاه وأعماهم إمهال الله لهم وسكوت شعوبهم عنهم حينا من الدهر، فنسوا الله تعالى واحتقروا الناس وتجبروا عليهم وأفقروهم وأذلوهم وارتهنوا دولهم وأرضهم وخيراتها لأعدائهم وأصبحوا فراعنة وحوشا على شعوبهم ودوابا مذللة لأعدائهم! والله تعالى المستعان.
والتفاوت في الطغيان أمر متحقق ويتكرر في زمن دون آخر ومن وجوه دون أخرى، وقد وصف الله تعالى قوم نوح بأنهم أظلم وأطغى من عاد وثمود وقوم لوط، فهؤلاء الأقوام كانوا أبشع وأظلم من قوم نوح من بعض الوجوه التي عرفوا بها وتخصصوا فيها إلا أن قوم نوح أظلم منهم وأطغى من حيث العموم في قوله تعالى: ﴿ وَقَوْمَ نُوحٍۢ مِّن قَبْلُ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا۟ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ ﴾، القمر:52 ، والله تعالى أعلم.
ولئن كانت بعض صور الطغيان المعاصرة تفوق في طغيانها ما كان عليه فرعون من طغيان إلا إنه ربما لن يجتمع الطغيان في شخص واحد ومن جميع وجوهه كما اجتمع في شخص فرعون موسى والله تعالى أعلم.
هذه التأملات محاولة لكشف الصورة البشعة للطغيان المعاصر الذي وقع الناس ضحية له يهيمن على حياتهم كلها ويدمر قيمهم الإنسانية بما يوجده من بيئة خاصة به لها قيمها وأخلاقها وموازينها، وفيها بعض من هذه الصور المقيتة والمسيئة للإنسانية في عصورها المتأخرة والتي كثيرا ما توصف بأنها تتسم بالتقدم والرقي وحفظ كرامة الإنسان وحقوقه:
التصفية الجسدية:
قال فرعون في معرض محاجته لنبي الله وكليمه موسى عليه السلام: ﴿ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ 0لَّتِى فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ 0لْكَٰفِرِينَ ﴾، 19، فرد عليه موسى عليه السلام معترفا بخطئه: ﴿ فَعَلْتُهَآ إِذًۭا وَأَنَا۠ مِنَ 0لضَّآلِّينَ ﴾، 20﴿ فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ ... ﴾، الشعراء: 21. وانتهى الأمر عند ذلك فلم يكن فرعون بحاجة لتلفيق التهم لإدانة موسى، فموسى مقر بفعلته ولكن فرعون لم ينتهز هذه الفرصة ويستغل الموقف للتخلص من هذا الخصم اللدود فيحضر دفاتر التحقيق لتوثيق اعتراف موسى ويشكل له محاكمة صورية تحكم عليه بالإعدام بموجب اعترافه فضلا عن أن يأمر على الفور بقتله والقضاء عليه، بل لم يوظف هذه القضية إعلاميا لتشويه سمعة موسى والنيل من مكانته ومصداقية ما يدعو إليه!
وقد كانت فرصة سانحة لفرعون للقضاء على موسى والتخلص منه قبل أن تظهر دعوته ويعظم أمره، فالمبرر موجود لقتل موسى عليه السلام لكونه انتهج أسلوب العنف وأزهق نفسا بريئة فهو مستحق للقتل، العجيب أن فرعون لم يجازه بأي شيء على هذه الجريمة لأنها كانت خطأ وقد اعترف موسى به فلا مجال للعقوبة أو الإدانة بل ولا حتى التثريب وتشويه السمعة على هذا الفعل!
لم يعمد فرعون لسجن موسى على فعلته هذه أو على أي من مواقفه المتعددة معه التي يكفي لواحد منها عند فراعنة العصر أن يلقى في السجن دونما حكم أو مساءلة، ولم يكن المانع من ذلك أنه لم يكن في ذلك الزمان سجون بل لقد كان لدى فرعون سجن وفيه سجناء كما حكى الله تعالى عنه قوله: ﴿ لَئِنِ 0تَّخَذْتَ إِلَٰهًا غَيْرِى لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ 0لْمَسْجُونِينَ ﴾، الشعراء: 29.
المبالغة في التهم الزائفة:
لم يتهم موسى عليه السلام بما يلفقه اليوم فراعنة العصر من تهم مزيفة مثل تهمة « التطاول على السلطان» وقد فعل عليه السلام عندما قال: ﴿ وَإِنِّى لَأَظُنُّكَ يَٰفِرْعَوْنُ مَثْبُورًۭا ﴾، الإسراء: 102، على سبيل المثال. أو الاتهام بالتحريض على الحاكم " فرعون" وقد فعل عليه السلام عندما سعى لتخليص بني إسرائيل من سلطته. أو التحريض على الانشقاق ورفض الأوامر وقد فعل عليه السلام عندما وعظ السحرة عندما جاؤوا لمواجهته، وقد تمكن بالفعل من التأثير عليهم وخلخلة صفهم كما وصف تعالى حالهم بقوله: ﴿ فَتَنَٰزَعُوٓا۟ أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا۟ 0لنَّجْوَىٰ ﴾، طه: 62.
البطش والإفراط في القوة والعقوبة:
لم يكن البطش والاعتماد على القوة في حسم الأمر مع موسى هو الخيار المفضل والمقدم عند فرعون ابتداء، لقد أتاح فرعون المجال لموسى بمناقشته تارة وبحواره تارة أخرى ثم عرض عليه المناظرة العلنية في نهاية المطاف، ففرعون رغم طغيانه وعلوه لم يحرق المراحل في المواجهة مع موسى عليه السلام كما يعمد جبابرة اليوم بالمبادرة باللجوء للبطش بمن يتوقع أن يشكل تهديدا ولو على المدى البعيد والمبالغة في استخدام القوة بحقه والإفراط في العقوبة على الخطأ اليسير بحجة الحسم والتنكيل وجعل الخصم عبرة للغير!
الإعدام فكريا واحتكار الإعلام:
كان لموسى كما لفرعون حق استخدام وسائل الإعلام الجماهيرية المتاحة على حد سواء، فلم يحتكرها فرعون لنفسه ويمنع منها موسى وغيره! ولم يمارس فرعون الإعدام الفكري على معارضه موسى ولم يضرب عليه الحصار الإعلامي! بل ترك له المجال مفتوحا يعبر عن رأيه وينشر فكره بل أكثر من هذا أتاح له مخاطبة جميع الناس في عيدهم وموعد زينتهم فجعل موعد المناظرة هو يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى!
على عكس ماعليه الطغيان المعاصر اليوم من إقصاء للخصوم ومنع لهم من الظهور في وسائل الإعلام وحرمانهم من جميع المنابر أيا كانت! فأسماؤهم مدرجة في قوائم الممنوعين من المحاضرات والخطب، وجميع وسائل الإعلام لا تسمح لهم بالظهور فيها، فلا كتابة في الصحف ولا استضافة في القنوات التلفزيونية، ولو نشرت صحيفة لهم لما فسحت ولحجبت عن الصدور وقد يوقف تصريحها الإعلامي، أما المواقع الإلكترونية على شبكة المعلومات فتحجب أو تغلق تماما، وتسن الأنظمة لإيقاع الغرامات المالية ويتعرضون للابتزاز والمساومة والتهديد بقطع الأرزاق!
ومن عجيب أمر الطغيان المعاصر تهديد من يحاول التعبير عن رأيه ولو بشكل سلمي بسحق الجماجم! وفيه دلالة على مدى هوس هذه النفوس المأزومة وتعطشها للبطش وسفك الدماء وإزهاق النفوس، وفيه دلالة على أن الطغيان نبتة خبيثة توجد في بعض النفوس وتظل كامنة فيها وتحتفظ بالاستعداد للتحول إلى مشروع طاغية يوم تسنح لها الفرصة وتوجد لها البيئة فتنمو وتتعاظم، فالطغيان ليس مقتصرا على الحكام والرؤساء فقد يوجد عند غيرهم من المحرضين لهم على الظلم والبطش.
التجريم بالاتصال واللقاء:
كان لموسى كما لفرعون حق الاتصال وتكوين العلاقات مع من يشاء وقت ما يشاء دون أن تطارده تهم « الاتصال بجهات مشبوهة» أو « الارتباط بجهة خارجية»! هل كان ذلك كله لأن الأجواء السائدة آنذاك أكثر حرية وانفتاحا مما هي عليه في هذا الزمان؟!
كثرة الحجاب والأبواب الموصدة:
لم يحتجب فرعون رغم ملكه وكثرة جنوده، وتمكن موسى عليه السلام من الدخول عليه مرارا ومخاطبته مباشرة، فلماذا سمح فرعون لموسى بالدخول عليه؟ ولم لم يمنعه عن طريق الحاجب الأول عند البوابة الخارجية؟ بدعوى أنه مشغول أو لديه وفود رسمية أو اجتماع مهم! ومن يكون موسى لينال « شرف اللقاء به» كما هو حال المتجبرين المتغطرسين اليوم؟!
« النفط مقابل الغذاء والدواء» عار أخلاقي غير مسبوق:
عندما التقط آل فرعون الطفل الوليد موسى وجاؤوا به إلى فرعون الذي وهبه لامرأته واجتهد في الحفاظ على حياته وكلف من يبحث له عن مرضعة وأجرى لها المال، فهل كان نصيب الإنسانية في قلب فرعون أكثر من حال الطغاة اليوم الذين يذبحون الأطفال على مرأى من والديهم وأمام الشاشات العالمية؟ والذين يشنون حملات الإبادة الجماعية التي تشمل الأجنة في بطون أمهاتهم من خلال القصف العشوائي للقرى والمدن الآهلة بالسكان؟ أو الذين يفرضون الحصار على بعض الدول كما هو حال العراق خلال العقدين الماضيين فأصبح أطفال العراق ضحايا بريئة لهذا الحصار الجائر الذي لم يسمح بحليب الأطفال أو إدخال الأدوية لهم إلا من خلال صفقة مشينة عرفت ب « برنامج النفط مقابل الغذاء» وصفقة « برنامج النفط مقابل الدواء» التابعين للأمم المتحدة التي شكلت عارا أخلاقيا تأريخيا غير مسبوق على هذا العالم في العصر الحديث من قبل من تجردوا من كل القيم عندما أخضعوا احتياجات الأطفال للمساومة للإستيلاء على النفط وتحقيق الأطماع في هذا البلد المنكوب على أيديهم!
ثم هل للإنسانية نصيب يماثل ما في قلب فرعون عند الذين فرضوا الحصار على العمل الخيري الإسلامي وطردوا مؤسساته من النيجر والصومال وأفغانستان والعراق ليحتكروه خدمة لبرامجهم التنصيرية في هذه الدول؟ دون اكتراث لمعاناة تلك الشعوب وما رأيناه من معاناة الأطفال ووفياتهم بسبب الأمراض الناتجة عن سوء أو نقص التغذية التي تعرضوا لها!
العجز الفكري:
كان فرعون على مستوى لا بأس به من القدرة على التفكير واستخدام الحجج العقلية رغم تواضعها وكان على ثقة بها وذلك لكونه قبل الدخول في مجادلة عقلية مع موسى وقال ﴿ ِإِن كُنتَ جِئْتَ بَِٔايَةٍۢ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ 0لصَّٰدِقِينَ ﴾، الأعراف: 106، بل وطلب الدخول في مناظرة علنية مفتوحة حيث يقول: ﴿ فَ0جْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًۭا لَّا نُخْلِفُهُۥ نَحْنُ وَلَآ أَنتَ مَكَانًۭا سُوًۭى ﴾، طه: 58، الأمر الذي يتحاشاه الطغاة الصغار اليوم ويتهربون منه!
التبعية المطلقة وإلا الابتزاز السياسي:
لما استدعى فرعون السحرة ليستعين بهم في المواجهة المصيرية مع موسى عليه السلام، اشترطوا عليه أجرة لعملهم: ﴿ قَالُوٓا۟ إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ 0لْغَٰلِبِينَ ﴾، الأعراف: 113، فما كان منه إلا أن قبل ولم يكتف بالوعد بما طلبوه من المال بل وعدهم بالمناصب الكبيرة في دولته بجعلهم من المقربين له فكان رده عليهم: ﴿ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًۭا لَّمِنَ 0لْمُقَرَّبِينَ ﴾ الشعراء: 42، وفي آية أخرى: ﴿ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ 0لْمُقَرَّبِينَ ﴾ الأعراف: 114، فلماذا تعامل مع الوضع بواقعية واعتبر طلبهم مشروعا ولم يفسره باعتباره ابتزازا سياسيا قائما على استغلال الظرف القائم والأزمة التي تمر بها الدولة كما هو حال التفكير لدى طغاة اليوم؟ ولم يسلك أسلوب طغاة الإعلام اليوم فيوجه لهم اتهاما بتخليهم عن واجب الدفاع عن الوطن في مواجهة الخطر الذي يرى أنه يهدد الجميع كما وصفه بقوله: ﴿ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَٰذِرُونَ ﴾، الشعراء: 56؟
النظام الشمولي:
عندما آمن السحرة كان المأخذ لفرعون عليهم أنه لم يأذن لهم بالإيمان لموسى، فهل هذا الاحتجاج حقيقي أم أنه يريده مبررا للإنتقام وإيقاع العقوبة؟ وهل كان فرعون شموليا في إدارته فلا يحدث شيء في مملكته بدون إذن منه وتصريح مسبق كما هو حال الأنظمة الشمولية اليوم؟ أم أن قرارا بهذا الحجم لم يعتد أن يتخذ دون إذنه؟
الحرمان من التنقل:
لماذا ترك فرعون موسى يخرج عندما شاء بعد قتله القبطي، فلم يفرض عليه الإقامة الجبرية على أقل الأحول؟ ولم يغلق الحدود ويفرض حالة الطوارئ ولو بدون إعلان؟ ولم يقيم نقاط تفتيش؟ ولم يصدر قرارا بمنعه من السفر؟ ولم يعقد اتفاقيات مع المجاورين بتبادل « المجرمين»؟ هل كان عاجزا عن فعل ذلك واكثر منه وهو الذي عزم على أن يبني صرحا إلى السماء؟ وحقيقة الأمر أن شيئا من هذه القيود لم يكن فرعون رغم طغيانه يكبل الناس بمثلها!
الضغوط على الأقارب:
عندما خرج موسى هاربا من فرعون وقومه بقيت أسرته في مصر لم يتعرض أحد منها لأذى ولم يعتقل أخوه مثلا ليكون رهينة للضغط على موسى لكي يقوم بتسليم نفسه والعودة لتنفيذ « العدالة»! ولم تتعرض هذه الأسرة للضغوط لإعلان البراءة من ابنهم موسى عليه السلام رغم أنه "قاتل"!
الملاحقة الأمنية:
خرج موسى، فلم يطلبه فرعون؟ لم يرسل له فرقة المهام الخاصة لاغتياله أواختطافه، لم يرسل وفدا إلى مدين للتفاوض او الضغط أو المساومة لتسليمه، لم يرصد مكافأة سخية لمن يقبض عليه حيا أو ميتا! لم يسع لعقد اتفاقية تسليم المطلوبين مع القرى المجاورة لتحقيق « الأمن الشامل» للجميع! لم يفرض حصارا اقتصاديا على مدين أو يقطع العلاقات معها لتسليمه! هل كان ساذجا؟ ألم يكن يدرك خطورة موسى الاستراتيجية؟ وهو الذي ما فتئ يذبح أبناء بني إسرائيل للتخلص ممن سيكون هلاكه على يده! كلا لم يكن كذلك! ولكن طغيانه لم يكن يتجاوز مصره الذي بسط نفوذه فيه، فلم تكن لديه اطماع خارجية، وما دام عدوه خرج عن سلطانه فحسبه ذلك!
الضغوط الاقتصادية:
صحيح أن فرعون اتخذ من بني إسرائيل عبيدا له كما قال موسى عليه السلام: ﴿ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِىٓ إِسْرَ‌ٰٓءِيلَ﴾، الشعراء: 22، فهل قام فرعون بالتضييق على الناس في معايشهم وأرزاقهم أو الاحتيال عليهم لنهب ثرواتهم كما يحدث اليوم فلم يكتفوا بتهميش الناس وإقصائهم عن سياسة امورهم واحتكروا السلطة والأمر والنهي، بل عمدوا إلى أموالهم وارزاقهم فضيقوا عليهم سبل الكسب وأثقلوهم بالضرائب والرسوم والغرامات على كل شيء تقريبا فشملت الرسوم والغرامات حتى السير بدوابهم في الطرقات! فأحالوا حياتهم أكواما من الأعباء والقيود والأغلال! فلا تكسب بلا تصريح ورسوم! ولا بناء بلا تصريح ورسوم! ولا استيراد ولا استقدام ولا سفر إلا بذلك! بل وصل الأمر ألا تجارة ما لم يكونوا شركاء فيها! ولا حرية للناس في صرف أموالهم فلا يتبرع أحد أو يزكي إلا لمن منحوه تصريحهم! أما تحويل تبرعه أو زكاته أو صدقته لمن هم خارج كياناتهم فهو ممنوع تماما! فلا حرية لهم في التصرف بأموالهم!
احتكار الدين:
إذا كان فرعون يتهم موسى بتبديل الدين وإظهار الفساد فالطغاة اليوم يعلنونها صراحة ببراءة الخصوم من الدين لا لشئ إلا لمخالفتهم ومعارضة سياساتهم فكثيرا ما يصفون خصومهم بأن « الدين منهم براء» أو عبارة « ليس من الدين في شيء»! وما ذاك إلا لضيق نفوسهم التي نشات في بيئات الاستبداد التي لامجال فيها للرأي المخالف أو لكلمة « لا»!
الارتهان للعدو:
لقد حافظ فرعون على سيادة مصر فلم يرهنها ومن فيها وما فيها من الخيرات لأي أمة من الأمم، فكان سيد قراره فلم يكن يقبل أي إملاءات خارجية ولم يخضع لأي ضغوط أجنبية ولم يتخذ أي قرار ضد مصلحة الناس بدعوى وجود هذه الضغوط او الخضوع للقوى الخارجية! مما يسلب الناس شعورهم بالاعتزاز بوطنهم والولاء له والانتماء إليه ويضعف لديهم روح الدفاع عنه، ويشعرهم بالاستلاب والإهانة والضعة في بلادهم!
حصار العمل الخيري:
رغم ما كان يسود من أجواء العداوة مع موسى لم يمنع ذلك فرعون وقومه من التوجه لموسى بطلب مساعدته عندما حلت بهم الكارثة: ﴿ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ 0لرِّجْزُ قَالُوا۟ يَٰمُوسَى 0دْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ۖ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا 0لرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِىٓ إِسْرَ‌ٰٓءِيلَ ﴾، الأعراف: 134. لجأوا لموسى عندما نزلت بهم الكارثة ولم يخضعوا لهواجس أن موسى سيستثمر ذلك العمل الخيري لتحقيق مكاسب دعوية او إعلامية أو سياسية مثلا!
العجيب أنهم هم الذين بادروا فهم الذين قصدوا موسى وطلبوا منه المساعدة وليس موسى هو الذي تقدم إليهم بطلب الإذن بالمساعدة وتقديم المعونة فردوا عليه برفض طلبه المساعدة ولم يمنحوه تصريحا بالعمل وقت الأزمة كما هو الحال اليوم عند من يرون الناس وهي تصارع الموت ويمنعون من لم يمنحوه التصريح بالعمل والمساعدة! وموسى عليه السلام لم يقدم المساعدة ابتداء ثم أوقفوه وصادروا أملاكه وأمواله وحبسوا أصوله! بل هم الذين توجهوا إليه ابتداء وتوسلوا إليه أن يبادر بعمله الخيري ومنحوه الوعود المؤكدة بالإيمان وهذا يدل على شدة توسلهم لموسى ورجائهم له.
التعويض بتعظيم الخطاب:
عندما يخاطب موسى فرعون فلا ابهة ولا عظمة، عندما يطلب منه أمرا يطلب مباشرة دون مقدمات فلا حاجة له أن يقدم بين يدي طلبه عبارات المدح والثناء والتعظيم، ولا توسل ولا ترجي ولا استجداء، فأين كل هذا من قوله عليه السلام لفرعون: ﴿ فَأَرْسِلْ مَعِىَ بَنِىٓ إِسْرَ‌ٰٓءِيلَ ﴾، الأعراف: 105 ، وقوله: ﴿ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِىٓ إِسْرَ‌ٰٓءِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ ﴾، طه: 47، بل أحيانا يرد عليه الخطاب بمثله وأشد، فلا يسمح لفرعون أن يهينه او يخطئ عليه حتى باللفظ، فلا يقبل الإهانة بحجة تحقيق مصلحة الدعوة مثلا، فعندما قال له فرعون: ﴿ ... إِنِّى لَأَظُنُّكَ يَٰمُوسَىٰ مَسْحُورًۭا ﴾، رد عليه بقوله: ﴿ ... وَإِنِّى لَأَظُنُّكَ يَٰفِرْعَوْنُ مَثْبُورًۭا ﴾، الإسراء: 101، 102. وعندما يعنف عليه فرعون بقوله: ﴿ ... وَأَنتَ مِنَ 0لْكَٰفِرِينَ ﴾، الشعراء: 19، يوجه موسى له اللوم الشديد مؤنبا له بشدة: ﴿ وَتِلْكَ نِعْمَةٌۭ تَمُنُّهَا عَلَىَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِىٓ إِسْرَ‌ٰٓءِيلَ ﴾، الشعراء: 22، فلا أحد أشد من جرمك يا فرعون عندما جعلت بني إسرائيل عبيدا لك وصرفتهم عن عبادة خالقهم سبحانه وتعالى!
تغيير الاسم أو المناداة بوصف مقيت:
رغم شدة عداوة فرعون لموسى عليه السلام لم تمنعه أن يخاطب موسى باسمه فلم يقلب اسمه كما فعل طغاة قريش حيث كانوا يدعون نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم مذمما، ولم يناديه بوصف مقيت يطلقه عليه ويتواطؤ عليه مع الملأ من قومه!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.