حينما قرأت خبر وفاة السائق الذى وجه لمأمور قسم الأزبكية صفعة على وجهه,تذكرت المجالس العرفية التى يعقدها البدو فى سيناء أو فى الصعيد,فكل من أخطا فى حق الأخر أو أهانه يمكن للمجلس العرفى الذى يرأسه شيخ القبيلة, بان يوقع عقوبات على الطرف المخطئ بما يحفظ الكرامة والأمن والاستقرار لمن تم الاعتداء عليه.فإذا قام شخص وهم واعتزم وصفع أخر على وجهه صفعة ماحقة مارقة موجعه مهينة,فان من حق شيوخ العرب الذين يحكمون الجلسة أن يقوموا بتأديب من أخطا بكل السبل والطرق,بداية من رد الصفعة,ودفع مبالغ مالية كبيرة,حتى تكون العقوبة رادعة لمن اخطأ,فلا يتطاول مرة أخرى على جار أو قريب أو غريب. وان أعاد الخطأ, تُفرض عليه عقوبات أكثر ردعا واشد حزما. فنجد فى دليل الجلسات العرفية,كل أشكال العقوبات التى يفرضها المجلس العرفى على المخطئ,فعقوبة "الشلوت" تختلف عن "صفعة الوجه" و"البونية" تختلف عن "الشلوت",و"البونية" التى تركت أثرا على الوجه تختلف بدورها عن تلك التى لم تترك.ففى ظل المجالس العرفية,من أخطا يحاسب,ومن ُظلم ترد مظلمته,فلا تجد أحدا موغورا من احد,ولا أخر موتورا. توقفت عند هذه المجالس العرفية بما تحمله من عدالة,وتوقفت لدى إعمال العقل والمنطق والفطرة,فوجدت انه لا يمكن أبدا بأي حال من الأحوال,أن تتساوى صفعة على الوجه مع قتل نفس كرمها الله. فكيف يعقل أن يصفع شخص شخصا مثله فيكون جزاءه الموت؟! لا شك أننا جميعا كمصريين لدينا ثقافة مكتسبة من ركوب الميكروباصات,علمتنا أن كثير من سائقي الميكروباص سفلة ومنحطين أخلاقيا, وسب الدين فى أفواههم مثل اللبانة,ونعلم أن ثقافتهم وسلوكهم أكتسبوهم من أغاني شعبان عبد الرحيم وعبد الباسط حمودة ومن صاحب أغنية عجيب عجيب أها أها.واعلم أنهم من أهل الطيش والرعونة واستغلال الزبائن, وحدث عنهم ولا حرج.لكن أن يموت احدهم لكونه صفع مأمور القسم.والله انه لقسمة ضيزى. لقد حاولت جاهدا أن اصدق رواية مأمور القسم,بان المواطنين الشرفاء المغرمين الهائمين العاشقين بحب جهاز الشرطة هم الذين أعطوا علقة طاحنة للسائق حتى فارق الحياة.لكن أليس من دور الشرطة أن تنجد هذا المسكين المضروب من أيدي الناس,وان يكون الحكم بين الجميع هو القانون.أم أن المأمور وضباطه وأمنائه ومخبريه وجدوا هواهم مع هوا العاشقين المحبين لهم وتركوه يلقى عقوبة الموت رميا "بالشلاليت" و"البوكسات" والصفعات. هذا لو اعتمدنا رواية المأمور وأقررنا بصحتها.لكن لو لم تكن هذه الراوية هى الصحيحة,وان رواية اقتياد السائق للقسم وتعذيبه حتى الموت لصفعه الذات المأمورية,لكانت مصيبة اكبر وأعظم.وان هذا الجهاز المسمى بالداخلية لا خير فيه أبدا, إلا أن نصفى الخَبث حتى يبقى ما ينفع الناس. اعترف بكل الصدق بان وزير الداخلية اللواء منصور العيسوي رجل طيب وفوق مستوى الشبهات,لكنه غير مناسب لمتطلبات المرحلة التى نعيشها الآن.لأننا نحتاج لرجل يجيد التعامل مع بلطجية الشرطة,وان يكون أكثر حزما مع أولئك الذين يترحمون على نظام مبارك ويريدونها فوضى عارمة,حتى يشفوا غليلهم من شعب أراد حريته. لاشك أن فى جهاز الشرطة مخلصين وعلى خلق ومحبين لبلادهم,لكن المفسدين فى هذا الجهاز الخطير اكبر واشد ضررا.فحتى الآن لم ينزل الكثير من جهاز الشرطة إلى الشارع,عقوبة لنا على ما فعلناه مع النظام البائد.فهل سوف نكون تحت رحمتهم فترة طويلة وهل نعود نُقتل فى الأقسام تحت وطأة التعذيب ؟!