قبل أن يتحدث الإعلاميون عن دورهم في مجال دعم التعاون الاقتصادي بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، وبالذات بين اليونان والبلدان العربية، تحدثت الدكتورة ماجدة شاهين سفيرة مصر لدي اليونان عن مناخ الاستثمار في مصر. وفي العادة يكون كلام السفراء في مثل هذه المناسبات كلاماً دبلوماسياً حافلاً بالمجاملات والعبارات التوفيقية التي ترضي جميع الأطراف والتي تتجنب إغضاب أحد أو الإشارة بالتصريح أو التصحيح أي السلبيات والعراقيل. لكن حديث السفيرة ماجدة شاهين لم يكن كذلك، بل كان أقرب إلي التحليل الموضوعي والتقييم العلمي للعلاقات الاقتصادية المصرية اليونانية، وكان الفضل في ذلك راجعاً إلي أن الغلبة لم تكن لماجدة شاهين السفيرة بل لماجدة شاهين الحاصلة علي درجة الدكتوراة في الاقتصاد، والتي بخلاف عملها الدبلوماسي عملت كأستاذ في الاقتصاد بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة، كما شاركت كاستشاري وخبير في الندوات وورش العمل التي نظمتها "الانكتاد" و"الاسكوا" وغيرهما من المنظمات التابعة للأمم المتحدة للتنمية وشرح مبادئ وتأثيرات منظمة التجارة العالمية من منظور الدول النامية، فضلاً عن عملها كعضو في جهاز المراقبة الخاص بمنظمة التجارة العالمية في قطاع المنسوجات خلال فترة عملها بالوفد الدائم لمصر بالأمم المتحدة بجنيف ونيويورك. هذه الخبرة الاقتصادية العريضة طغت علي الرداء الدبلوماسي للسفيرة ماجدة شاهين التي بدأت كلمتها بالإشادة بالزيارة التي قام بها رئيس الوزراء اليوناني كرامنليس لمصر مؤخراً، قائلة إن هذه الزيارة الناجحة تمهد الطريق لإقامة علاقات مؤسسية بين البلدين، وقالت بصراحة غير مغلفة بكلمات دبلوماسية ملساء أن هناك افتقاراً لمثل هذه العلاقة المؤسسية التي تجعلنا نستطيع أن نتابع ما يتحقق علي صعيد التعاون متعدد الأبعاد. وأرجعت السفيرة التباعد بين القاهرة وأثينا في معظم السنوات الثماني عشرة والسابقة إلي أن مصر كانت مشغولة بمشكلات وأزمات الشرق الأوسط والعالم العربي والقارة الإفريقية، بينما كانت اليونان مشغولة بالاندماج في الاتحاد الأوروبي. والأهم أننا نأخذ العلاقة كمسألة مسلم بها ومفروغ منها و"مضمونة" ولم نعمل علي تنشيطها. ومن هنا جاءت زيارة كرامنليس للقاهرة كبداية لمرحلة جديدة، ورغم أن رئيس الوزراء اليوناني شاء أن تكون زيارته سياسية في المقام الأول، وأن يستمع إلي تحليل السياسة المصرية للأوضاع في العراق وفلسطين ودارفور، وأن ينقل إلي نظرائه المصريين رأي اليونان فيما يتعلق بتركيا والمسألة القبرصية، فإن الاقتصاد والتجارة كانت لهما مع ذلك مكانة مهمة علي الأجندة. والمطلوب الآن أن نبني علي نتائج زيارة كرامنليس وعلي رصيد العلاقات بين البلدين، وبهذا الصدد أشارت ماجدة شاهين إلي أن عدد المشروعات الاستثمارية اليونانية في مصر قد تضاعف من 12 مشروعاً عام 1999 إلي 24 مشروعاً عام 2004 باجمالي مساهمات استثمارية تقارب ال 200 مليون جنيه مصري و1943 فرصة عمل، وتتشعب اهتمامات المستثمرين اليونانيين في مجالات اقتصادية عدة، حيث يحتكر اليونانيون كما هو معروف أكبر الأساطيل التجارية البحرية علي المستوي العالمي، كما يدير كبار مستثمريها مشروعات حيوية في مجال الطاقة من أمثال "فارد ينويانيس" الذي يحظي بامتياز للتنقيب عن البترول في مصر، و"كوكاليس" في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، كما توجد استثمارات يونانية في مجالات الأغذية المحفوظة وصناعة الورق والصناعات الكيماوية. وقد ساهمت السفارة المصرية في تأسيس مجلس رجال أعمال مصري يوناني مشترك برئاسة المستثمر اليوناني "زيريتيس" رئيس مجلس إدارة شركة "فلورا" التي أنشأها في مدينة 6 أكتوبر، ورجل الأعمال المصري نبيه برزي، وعضوية نخبة من المستثمرين. ومع ذلك فان حجم التجارة بين البلدين لم يتجاوز ال 3.199 مليون يورو عام ،2003 محققاً فائضاًَ في الميزان التجاري لصالح مصر قيمته 9.66 مليون يورو، حيث بلغت قيمة الصادرات المصرية 1.133 مليون يورو، وقيمة الواردات المصرية من اليونان 2.66 مليون يورو، وتعد المنتجات البترولية ومشتقاتها من أهم الصادرات المصرية لليونان، تليها المنسوجات والحديد والصلب والأسمدة والبطاطس، أما الواردات المصرية من اليونان فأهمها التبغ والآلات والمعدات الكهربائية ومنتجات الألومنيوم.