لمن تدق الأجراس في المرحلة القادمة؟ سؤال صار الآن أكثر من أي وقت مضي يدق علي كل أبواب الوكالات الملاحية والشركات والمؤسسات العاملة في قطاع النقل البحري بإلحاح شديد محذرا ومنذرا من خطر لن يأتي فجأة لكنه قادم لا محالة إذا لم نستعد وبسرعة لمواجهته. فهذه الصناعة بطبيعتها صناعة خدمات (لوجستيه) تحقق استثمارتها الوطنية مجالات أعمال وأنشطة إنتاجية تضاف إلي مركبات الصادرات المصرية. وتوجد من حولها فرص عمل ووظائف كثيرة ومتنوعة وتمنح الاقتصاد المصري فرصا أكيدة ووطيدة لتنويع محاور أنشطته وطاقاته الاقتصادية الانتاجية. فلدينا في مصر (41) ميناء متنوع الاختصاصات والتخصصات ما بين موانئ تجارية وبترولية وسياحية وموانئ لسفن الصيد. وهذا العدد من الموانئ ليس له حتي الآن استراتيجية تجعل مخططات التنمية والاستثمارات والتشغيل تنقل اقتصاد قطاع النقل البحري نقلة نوعية من حالة التشتت وبعثرة الجهود إلي مرحلة التشابكات والتحالفات الوطنية والاندماجات في كيانات أكثر قوة وأقدر علي مجابهة ظروف العالم حتي تتسم بالتطور المخطط والمقنن بقوانين النمو والتوسع الذي لا يعمل بأسلوب الجزر المنفصلة والجزئيات المبعثرة. فهل فكر أحد جديا في أن يجمع القوي الاقتصادية الوطنية في قطاع النقل البحري ويطرح عليها مسألة الخطر المحدق بنا من غزو الوكالات والشركات الأجنبية العاملة في صناعة النقل البحري؟ للآن لم يفعل أحد. وأنقل هنا من بعض لاحصاءات المعدة بطريقة العينة الممثلة هذه الاحصاءات تشير إلي أن نحو 20 وكالة ملاحية تعاملت مع (2782) سفينة ومن بين هذه الوكالات هناك (4) وكالات ملاحية ذات طابع أجنبي تعاملت مع (1106) سفن من ضمن هذا الرقم أي نسبته 40% من جملة التعامل برغم أن نسبتها العددية هي 20% هذه الاحصاءات تعبر عن الثلث الأول (يناير/ ابريل) من العام 2001 فما الذي يعنيه ذلك بالنسبة للاقتصاد القومي والأوضاع الأخري المهمة المرتبطة به سياسيا واجتماعيا؟ مرة أخري - وليست أخيرة - نطرح علي صانع السياسات والقرارات الحقائق التالية:- أولا- إن قواعد سياسات الجات ومنظمة التجارة الدولية العالمية قد أفسحت لمجال صناعة النقل البحري فرصا لإعادة هيكلة وتوفيق وترتيب أوضاعه حين منحته فترة زمنية غير مقيدة بمدي محدود مثل غيرها في المجالات الاقتصادية الأخري. لأن هذه الصناعة لها خواص متميزة عن قطاعات أخري من حيث التصاقها الواضح باقتصاد صناعة الخدمات الذي يعد من أكثر مجالات الاقتصاد قدرة علي التطور وأكثرها قدرة علي تحقيق دخول وايجاد وظائف وأبعدها ارتباطا بالأسواق التجارية العالمية وأوثقها صلة بمختلف مستويات التغيرات في شتي ميادين الاقتصادات العالمية وكان علي مصر أن تتريث بحيث لا تكون الخصخصة اغلاقا للباب أمام رجال الأعمال المصريين وفتح النوافذ أمام الوكالات والشركات الأجنبية بزعم أن الجات تتطلب ذلك هذا مناف للحقيقة ومخالف لصحة ما هو واضح في هذا الشأن، خصخصة نعم لأهل الوطن خصخصة لا لغير أهل الوطن في ظروفنا هذه. ثانيا: حتي إذا فسر الفكر البيروقراطي ذلك بأنه فتح للأبواب أمام الاستثمارات الأجنبية، فإن قطاع الخدمات في صناعة النقل البحري ومنها الوكالات الملاحية، ليس بحاجة إلي الاستثمارات الأجنبية لأن هذا القطاع رءوس أمواله الحقيقية هي العقول والمعرفة والخبرة العملية وماعدا ذلك فهي مكملات مساعدة وليست أساسية ويمكن عن جدارة للامكانات أو المقومات المصرية أن توفر بكل كفاءة وكفاية وعلي مستوي لا يقل عما هو سائد ومتوافر في دول أخري كثيرة فهذا الاقتصاد من حيث الإدارة والتشغيل ليس مما يمثل صعوبة أمام المبادرات والادارة الوطنية حتي نتعلل بالحاجة إلي استقدام شركات أجنبية لن تضيف إلي التنمية الحقيقية أي اضافة.