تطرقنا في المقال السابق لما عرض في تقرير التنمية البشرية 2004 في شأن "اللامركزية المالية" وخاصة فيما يتعلق بأطر الانفاق والإيرادات العامة الموجهة لتغطية بنود الانفاق والموارد الجارية والاستثمارية للإدارة المحلية. وفي هذه الحلقة نعرض ما جاء في التقرير عن الاطار التشريعي والمؤسسي لإعداد الموازنة الجارية والرأسمالية لوحدات الإدارة المحلية والجهود الإصلاحية الحالية المبذولة من قبل وزارة المالية ووزارة التخطيط مجتمعين في التحول نحو اللامركزية المالية للإدارة المحلية. يعتبر كل من الدستور والقانون 43 لسنة 1979 وتعديلاته هم الأطر التشريعية الحاكمة لنظام الإدارة المحلية في مصر والذي يشتمل علي 26 محافظة بالاضافة الي مدينة الاقصر وقد نص الدستور علي الانتقال التدريجي للسلطة من المركز الي المجالس الشعبية المنتخبة علي المستوي المحلي ومع ذلك فقد توقفت هذه العملية فقد ادخل القانون 57 لسنة 1971 المجالس التنفيذية والتي جعلت دور المجالس الشعبية مهمشا ومقصورا علي وضع مقترحات للمشروعات حتي تحصل علي موافقة المحافظ المختص أو المجالس التنفيذية وعلاوة علي ذلك فقد تم إلغاء حق المجالس الشعبية في مساءلة المسئولين التنفيذيين في شأن أدائهم المنوط لتنفيذ المشروعات المحلية (وهو نفس الأسلوب المتبع من قبل السلطة التشريعية في مساءلتها للسلطة التنفيذية). ويسمح القانون 43 لسنة 1979 وتعديلاته لوحدات الادارة المحلية بتلقي حصة من ايرادات الضرائب السيادية التي يتم تحصيلها علي المستوي المحلي بنسبة 2% من الضريبة مثل ضرائب الأطيان الزراعية والضرائب العقارية ودور الملاهي والجمارك والقيم المنقولة والأرباح التجارية والصناعية والسيارات ورسوم الخدمات المحلية. وإلي جانب ما تقدم فإن القانون 43 لسنة 1979 يسمح للمجالس الشعبية بالحصول علي ائتمان يصل الي 40% من قيمة الإيرادات المحلية لتمويل الاستثمارات المحلية كما يمكن وحدات الإدارة المحلية من الاحتفاظ ب50% من الإيرادات الإضافية التي تتجاوز تقديرات الموازنة. وبمقتضي القانون رقم 105 لسنة 1992 تلتزم وزارة المالية بوضع القواعد التنظيمية لعمل الهيئات الاقتصادية العامة والحسابات والصناديق الخاصة. وتقترن عملية تخصيص الموارد الحكومية للمشروعات الاستثمارية بالجدل حول اللامركزية فان وزارة التخطيط هي الجهة المسئولة عن تضمين المشروعات الاستثمارية في الخطة الخمسية ويقع علي عاتق بنك الاستثمار القومي التابع لوزير المالية مهمة انتقاء المشروعات المقترحة ومتابعة تنفيذها إذا ما تمت الموافقة عليها ومن هنا يجب تجنب الانطباع بان تخصيص النفقات الاستثمارية يتم وفقا لاعتبارات تقديرية او ربما سياسية. وتعد الوزارات المعنية هي الأجهزة المسئولة عن الاستثمار في الخدمات العامة في مختلف المحافظات وتعتبر وزارة التنمية المحلية هي الوزارة الوحيدة التي تتلقي استثمارات لأعمال الصيانة والتوسع في القيام بالوظائف الإدارية في وحدات الإدارة المحلية ومن هنا فإن المحافظات لا تتمتع بالحرية الكافية في تخصيص الاستثمارات في مشروعات ذات أولوية خاصة وبدون هذا الشرط وهذه المشاركة فإن الرفاهة المجتمعية قد لا تتحق. وتبذل كل من وزارتي المالية والتخطيط جهودا كبيرة لترشيد الإنفاق الحكومي وتوسيع نطاق المساءلة المالية لدي وحدات الإدارة المحلية وبالاضافة الي ذلك فهناك محاولات جادة لتعزيز الشفافية من خلال تسجيل العجز المالي لدي الاجهزة الحكومية المختلفة في إطار دراسة التكلفة والعائد للامركزية المالية. وقد أخذت وزارة المالية زمام المبادرة من خلال تطبيق النظام التجريبي لموازنات البرامج والأداء في إحدي عشرة وزارة حيوية (مثل التعليم، والصحة، والتخطيط، والمالية، والصناعة، والتعليم العالي، والبحث العلمي، والاتصالات، والتنمية الإدارية، والكهرباء والطاقة) منذ أكثر من عام مضي. ومنذ عام ،1994 تضمنت التقارير مؤشرات للتنمية البشرية ترصد الحالة الصحية والتعليمية في مصر بوجه دقيق. وكانت هذه التقارير فيما سبق تعكس وضع التنمية البشرية علي المستوي القومي ولكن في عام 2003 بدأت السلطات في قياس هذه المؤشرات علي المستوي الجزئي للحي والمركز عبر 26 محافظة مصرية مما استتبعه وجود قاعدة هائلة للبيانات توضح أوجه التماثل والمفارقات فيما بين معدلات التنمية البشرية إلي أصغر جزيء وفقا للتوزيع الجغرافي وقد استتبع ذلك ايضا سبق مصر وقدرتها علي قياس مدي تقدمها نحو تحقيق اهداف الالفية الجديدة المتعلقة بمحاربة الفقر وتمكين المرأة والحفاظ علي البيئة والاندماج في العالم الخارجي الخ.