عرف الاقتصاد المصري مفهوم المدن والمناطق الصناعية منذ عقود عدة بهدف الخروج من الوادي الضيق لآفاق أرحب وإيجاد مجتمعات عمرانية جديدة وتجمعات صناعية وتجارية حديثة تسهم في دعم الاقتصاد الوطني وإيجاد قاعدة صناعية قوية، ولكن بعد سنوات من التجربة أثبتت عدم كفاءتها والاستفادة منها كما يجب. وتناولت دراسة حديثة أعدها مركز الدراسات الاقتصادية برئاسة د. صلاح جودة أبرز المشكلات والمطبات التي واجهت المدن الصناعية في مصر وبدأ التفكير في إقامة المناطق الصناعية الجديدة في عهد الرئيس الراحل أنور السادات وأنشأ حسب الله الكفراوي وزير التعمير السابق مدينة العاشر من رمضان وتوالت المدن بعدها مثل مدينة 15مايو والسلام و6 أكتوبر والسادات وكان الهدف من هذه المدن إيجاد نوع جديد من الحياة للإنسان والعامل المصري وهو ان يكون هناك صناعات كبيرة ومتوسطة وصغيرة ومتناهية الصغر ويكون هناك سكن لجميع العاملين بالمصانع ويكون السكن درجات تتناسب مع شرائح المجتمع ويكون هناك اكتفاء ذاتي لكل مدينة من خدمات و"مدارس" و"دور عبادة" و"دور سينما". وارجعت الدراسة فشل المدن الصناعية في تحقيق أهدافها والنتائج المرجوة منها الي سوء التخطيط والتنفيذ لهذه المدن، وربطها بالقاهرة في كل شيء من سبل الإعاشة والحياة، وربطها ايضا بالمحافظات الأخري وخاصة في الاعتماد علي العمالة فنجد ان مدينة مثل "العاشر من رمضان" تعتمد في العمالة علي محافظة الشرقية وذلك يسهم في عدم استقرار العمال وعدم تنمية المدينة الصناعية وهو الهدف الأساسي من إقامة هذه المدن . وتشير الي عدم استكمال جميع الخدمات بالمدن وهو ما يؤثر علي الناتج النهائي للمدن الصناعية، ولم نجد مدينة واحدة حتي الآن تنافس مدن "الصين" أو "الهند" أو "ماليزيا" أو تتميز في إنتاج منتج واحد له شهرة عالمية، كما ان هذه المدن لم يكن بها أي معاهد علمية أو تدريبية للعمالة تعمل علي تخريج عمال ذي كفاءة عالية في مجالات مختلفة من الصناعات سواء "الصناعية" أو "الزراعية" أو غير ذلك. وتضيف أن المدن الصناعية لم تكن شركة كبري تكون مهمتها التصدير للخارج والتسويق في الداخل وعمل المعارض وغيرذلك من إجراءات الترويج للبيع، ولم يتم الاستفادة الكاملة من جمعيات المستثمرين ورجال الاعمال بكل مدينة صناعية في إيجاد المعلومات وتبادل الخبرات والسلع بدلا من الاستيراد من الخارج لمنتجات تكون موجودة بذات المدينة وليس في مدينة أخري وحدث هذا كثيرا. وكشف جودة عن تعرض ما يقارب ال 4500 مصنع للاغلاق في المدن الصناعية بعد ثورة 25 يناير وتتوزع الي 816 مصنعاً بمدينة برج العرب وبمدينة شبرا الخيمة 1150 مصنعا و168 مصنعا بالمحلة و410 بالسادات . وأرجع اسباب اغلاق هذه المصانع لفوائد الديون العالية والتي وصلت في احيان كثيرة الي (16% أو 17%) وذلك من بنوك التنمية الصناعية والبنك العقاري وهذا يخالف اقتصادات ودراسات الجدوي، علاوة علي غياب منافذ لتوزيع المنتجات وخاصة وان الحكومات السابقة وخاصة حكومة د.أحمد نظيف قد ألغت النص علي ان يتم توريد المنتجات المحلية للحكومة وادارتها وأصبحت الحكومة تعتمد علي السعر الأقل دون النظر للجودة مما جعل المنتج الصيني يكتسح المحلي.. كما ان الانفلات الامني الواضح بعد الثورة دفع المستثمرين للهرولة والخروج من السوق. وطرحت الدراسة حزمة من الحلول والخطوات لإحياء المدن الصناعية في مصر والتي فشلت في تحقيق اهدافها التنموية، وهي تتمثل في إنشاء شركة مساهمة لكل مدينة صناعية في مصر تكون بمثابة شركة قابضة، وتكون مساهمتها من جميع أبناء المدينة، وتشارك فيها الحكومة عن طريق الأراضي والمرافق لكل المدينة، وعلي ان تكون الشركة مسئولة عن المدينة وتنميتها وبناء المساكن للعاملين بها، وأن يكون لكل مدينة موقع إلكتروني به جميع الاعمال والمنتجات التي تقوم بها المدينة وبه المعاهد والاكاديميات التي تقوم بتخريج العمالة المؤهلة عمليا في جميع مصانع المدينة وغير ذلك من تلك الامور.