(سمك لبن تمر هندي).. هذا هو التوصيف الصحيح لحال السياستين المالية والنقدية.. فما اشبه الليلة بالبارحة ذات سياسات حكومة نظيف وحكومة شرف والجنزوري ومعهم البنك المركزي حالة من اللغط تسيطر علي مجريات الامور سببت حالة رمادية ليس للشارع فقط بل للخبراء والمحللين أيضا حيث يحاول كل طرف أن ينفض عباءة التكهنات من عليه بأنه الافضل وأن حكومة تسيير الاعمال أو تعطيلها كما يراها البعض أسهمت في إطفاء الاشتباك بين السياستين الشقيقتين اللتين تربطهما عداوة القط والفأر فتحاول السياسة المالية أن تلقي بأعبائها علي السياسة النقدية باعتراف وزير المالية السابق الذي كان الاكثر صراحة عندما قال: قدمنا عروضا جاذبة للبنوك لتمويل العجز المحلي وبينما يقف البنك المركزي ممسكا بطرف ثوبه خشية أن تلحق به جذوة نيران الاتهامات بالفشل التي طالت عددا من القطاعات الاقتصادية وعلي طريقة "شهد شاهد من اهلها" يخرج تقريره الشهري الاخير معترفا بزيادة استثمار البنوك في الاوراق المالية الحكومية علي وجه الخصوص هربا من تكدس الودائع في البنوك مع ميلاد أوعية ادخارية جاذبة وخوفا من حالة اللايقين المسيطرة علي الاجواء بسبب تراجع ائتمان التجزئة المصرفية والخوف من تعثر رجال الاعمال بعد غياب مصطلح "الائتمان السياسي". التصريحات الفولاذية تخرج هذه الايام مريحة للاعصاب لكنها غير ممنطقة بلغة العلم والأرقام ولا تعدو كونها ضخ السعادة والنشوة المؤقتة بعد تزايد وميض النار الخامدة تحت الرماد فتراجع الائتمان الشخصي للقطاع الخاص وتزايد الاستثمار في الاوراق المالية إنما يعبران عن خطر لم يخفه الخبراء في تحليلهم التالي ورغم أن بيانات المركزي عندما تزيد الاستثمارات البنكية في الاوراق المالية لا يعيرها اهتماما بالغا في تقاريره إلا أن التراجع وان كان طفيفا شهد مساحة أكبر.. التقرير الخاص بالمركزي ذكر أن استثمارات البنوك باذون الخزانة لتصل الي 356 مليار جنيه خلال ديسمبر مقابل 359.5 مليار جنيه نهاية نوفمبر بنسبة تراجع 0.99% . ارتفعت استثمارات البنوك باذون الخزانة لأجل 91 يوما لتصل الي 26.5 مليار جنيه مقابل 24.5 مليار جنيه نوفمبر الماضي بنسبة ارتفاع بلغت8.1% والتي تقدر بنحو ملياري جنيه. بينما تراجعت استثمار البنوك باذون الخزانة لأجل 182 يوما بمقدار 3.5 مليار جنيه مسجلة 73.8 مليار جنيه مقابل 77.3 مليار جنيه خلال نوفمبر. شهدت استثمارات البنوك في الأوراق المالية وأدوات الدين المحلي (أذون وسندات الخزانة) ارتفاعاً مستمرا ومتتاليا بعد الثورة نظرا لأن البنوك باتت هي الممول الرئيسي والأساسي لعجز الموازنة بقيامها بشراء الجانب الأكبر من أذون وسندات الخزانة التي تصدرها وزارة المالية وخصوصا بعد الأزمة المالية العالمية وبدء زيادة عجز الموازنة وبالتالي زيادة معدلات نمو الدين المحلي. وقد شهدت سندات الخزانة زيادة كبيرة خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، فقد زادت من 57 مليار جم نهاية عام 2007 إلي 206.7 مليار جم نهاية عام 2011 محققة معدل نمو بلغ 262.6% كما شهدت أذون الخزانة تصاعدا كبيرا خلال الفترة ذاتها حيث كانت تبلغ 118.7 مليار جم في نهاية عام 2007 وصلت إلي 356.1 مليار جم بنهاية عام 2011 وبمعدل نمو بلغ 200% لتبلغ سندات الخزانة وأذونها الخزانة معاً بنهاية العام المالي (2010/2011) ما قدره 562.8 مليار جم.