* لم تكن صفقة شاليط هي الصفقة الوحيدة من نوعها التي أقدم عليها الفلسطينيون في مبادلة جنود إسرائيليين، ففي عام 1982 قامت قوة مشتركة من مقاتلي الجبهة الشعبية القيادة العامة وحركة فتح بالهجوم علي موقع لقوات الاحتلال الاسرائيلي في منطقة الجبل اللبناني، ونتج عن العملية أسر جميع من كان موجوداً في الموقع من الجنود الاسرائيليين، وكان من نصيب حركة فتح آنذاك خمسة أسري وجنديان آخران من نصيب مقاتلي الجبهة الشعبية القيادة العامة التي كشفت فيما بعد عن وجود جندي أسير آخر لديها قامت بأسره في يونية 1982 مع بداية الاجتياح الاسرائيلي للبنان، وتكتمت علي الخبر وبهذا أصبح لديها ثلاثة جنود إسرائيليين. وبعد أقل من شهرين علي عملية الأسر سمح لبعثة الصليب الأحمر بزيارة الأسري الموجودين لدي فتح، وأعلن ياسر عرفات عن استعداده الفوري لبحث شرط التبادل مع إسرائيل، وفي غضون ذلك أعلن المستشار النمساوي برونوكرايسكي في ذلك الحين وكان الوسيط بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي أنه تلقي من عائلات الجنود الاسرائيليين طلبا للتوسط من أجل إعداد صفقة لتبادل الاسري مع الجبهة الشعبية القيادة العامة ومع المنظمة، إلا أن الجبهة الشعبية رفضت ذلك دون حل مسألة المفقودين من الاسري الفلسطينيين وتباين مصيرهم لكن بعد ذلك تم الحديث عن محادثات عبر الصليب الأحمر من أجل التوصل إلي اتفاق، وأصرت الجبهة الشعبية القيادة العامة علي عدم السماح لمندوبي الصليب بزيارة الاسري الذين وقعوا في أيديها إلا بعد أن تسمح إسرائيل بزيارة جميع أسري المقاومة والكشف عن مصير المفقودين. وفي فبراير عام 1984 بدأ الدكتور "هربرت إيمري" سفير النمسا لدي أثينا ومنظمة الصليب الأحمر مواصلة الجهود السابقة لاتمام صفقة تبادل الاسري، وبعد مفاوضات مضنية اشترطت فيها الجبهة الشعبية أن توافق إسرائيل علي العدد قبل الشروع في مفاوضات شاقة ثم تلبية هذه المطالب، وتقدم وفد الجبهة الشعبية بقيادة أحمد جبريل بطلب لاطلاق سراح 1187 معتقلا من الداخل، وهو مطلب كان جزءا من اتفاق عام 1953 قبل صفقة التبادل التي تمت مع حركة فتح، وفي النهاية وافقت إسرائيل علي اطلاق سراح 1155 معتقلا فلسطينيا مقابل الافراج عن جنودها الثلاثة وبهذا تجاوزت إسرائيل خطوطا حمراء كانت ترفض تجاوزها، ومن أبرز المعتقلين الذين تم اطلاق سراحهم في ذلك الوقت الشيخ أحمد ياسين، والمناضل الياباني "كوزو أوكوموتو"، كما تضمنت الصفقة اطلاق سراح 50 فلسطينيا من عرب 48 ، 99 من دول عربية مختلفة و6 من دول أجنبية. وفي مايو من عام 1985 تمت عملية التبادل وتم تسليم الجنود الإسرائيليين إلي الصليب الأحمر وأطلق علي هذه الصفقة "عملية الجليل" التي أظهرت حنكة المفاوض الفلسطيني الذي أدار هذه المفاوضات. ربما تكون هناك عوامل مشتركة بين ما تقدمت به حماس من مطالب كي تفرج عن الجندي الاسير "جلعاد شاليط"، وبين ما تم انجازه في صفقة "الجليل"، فقائمة الاسري التي أعدتها حماس شملت جميع الاسري من الفصائل الفلسطينية الاخري مثلما حدث في صفقة عملية "الجليل" رغم أن الظروف التي عاشتها الجبهة الشعبية عندما أسرت الجنود الاسرائيليين الثلاثة تختلف كليا عن ظروف أسر جلعاد شاليط في قطاع غزة الذي فرضت عليه إسرائيل حصارا مشددا، وشنت عليه حربا شعواء، ويخضع لعملية مراقبة دائمة من خلال أحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا العصر، بالاضافة إلي الاستعانة بالعملاء الذين يزرعهم الاحتلال، إلا أن كل ذلك لم يمنع من فشل إسرائيل واعتراف جيشها بعدم مقدرته علي معرفة مكان شاليط أو الافراج عنه بالقوة العسكرية، وهنا تبرز ارادة التحدي والاصرار الفلسطيني والقدرة علي ادارة المعركة، وهو الطرف الأضعف بكل المقاييس!