من فوق منصة المحكمة جاء صوت القاضي قويا آمرا المتهم الاول: محمد حسني السيد مبارك.. ومن داخل قفص الاتهام جاء الرد: "أفندم.. أنا موجود".. كلمات فتح بها التاريخ صفحة جديدة من صفحاته.. لا يمكن ان يمحوها الزمان من ذاكرة المصريين.. ولا من سجل حضارتهم العريقة.. واذن.. فلا احد فوق القانون.. وكل من اجرم في حق الشعب وهذا الوطن ينبغي ان تجيء ساعة حسابه حتي لو كان الحاكم المطلق الجالس علي عرش البلاد.. المستبد برقاب العباد. ومهما تكن نتيجة هذه المحاكمة.. ومهما تكن الملاحظات والملابسات المثيرة للجدل التي احاطت بها، فإن اهميتها التاريخية تظل قائمة: لقد نجحت ثورة 25 يناير في فرض محاكمة مبارك.. ووضع المصريون حاكمهم الطاغية خلف قضبان قفص الاتهام، لاول مرة في تاريخ بلادنا.. الطويل الذي عرف الدولة المركزية منذ اكثر من خمسة آلاف عام.. ومنذ الان ينبغي علي كل من يحكمنا ان يعمل ألف حساب لمثل هذه اللحظة الحاسمة.. لحظة المساءلة عما جنت يداه في حق وطنه وشعبه.. هذا هو المغزي الجوهري لمحاكمة الرئيس المخلوع: لا يمكن لاي شخص مهما علا منصبه ان يكون فوق القانون، وفوق المحاسبة علي افعاله.. بل ان ضرورة المحاسبة وصرامتها ينبغي ان تزيد كلما علا المنصب لان نتائج هذا الافعال تنعكس علي الشعب كله.. وعلي مصير الوطن بأكمله ولان كل مسئول يؤدي القسم علي ان يرعي مصالح الشعب وان يحترم الدستور والقانون.. ورئيس الجمهورية بالذات يقسم فوق ذلك علي ان يرعي مصالح الشعب "رعاية كاملة" وان يحافظ علي النظام الجمهوري.. وعلي استقلال الوطن وسلامة اراضيه.. فأين مبارك من هذا كله؟؟!! ان سيادة القانون ومساواة الجميع امامه من ابسط مواطن حتي رأس الدولة.. شرط جوهري بان تكون الدولة ديمقراطية ومحترمة من جانب شعبها، ومن جانب المجتمع الدولي كله.. وبغير ذلك يتحول المجتمع الي غابة يأكل فيها القوي الضعيف، وينتهك حقوقه بلا رادع.. وهذا بالضبط هو ما حدث خلال سنوات حكم مبارك، وكان من الضروري ان يؤدي الي ثورة 25 يناير التي اطاحت بمبارك وبطانته الضيقة، رغم كل ادوات القمع الوحشي التي كان النظام يسلطها علي الشعب. سادة.. وعبيد؟؟!! لهذا يبدو غريبا، ومثيرا لاقصي درجات الاستهجان.. بل والاشمئزاز ان يعترض انصارالنظام السابق دخوله و"أرامل مبارك" ومن شابههم علي المحاكمة في حد ذاتها.. وان يتذرعوا في ذلك تارة بانه كان رئيس الدولة لمدة ثلاثين عاما فكيف نحاكمه ونضعه في قفص الاتهام؟؟!! وتارة اخري بانه لا يصح ان نجعل العالم "يتفرج علينا" ونحن نحاكم رئيسنا!! وتارة ثالثة بانه رجل كبير ومريض!! ورابعة باننا ينبغي ان "نرحم عزيز قوم ذل" وتارة خامسة بانه ابلي بلاء حسنا اثناء حرب اكتوبر" وغير ذلك من الحجج والذرائع.. ولهؤلاء نقول: ** أولا: لقد قتل النظام ورئيسه حوالي الف شاب اثناء الثورة، كما اختفي نحو ألف اخرون.. واصيب حوالي ستة الاف شخص منهم 1400 فقدوا ابصارهم.. فقولوا لنا بالله عليكم.. أليس لكل واحد من هؤلاء أم وأب ذاق مرارة الثكل؟؟ او اخوة فقدوا أخاهم؟؟ أو اولاد ذاقوا مرارة اليتم؟؟ او زوجة اصحبت ارملة في ريعان شبابها؟؟ فهل تتسع انسانيتكم لمبارك وعصابته وتلفظ هؤلاء الشهداء والمفقودين والجرحي؟؟!! أليس هؤلاء بشرا مثل حضاراتكم ومثل مبارك؟؟!! بل هم افضل وانبل الف مرة لانهم جادوا بارواحهم ونور عيونهم من اجل حرية شعبنا وكرامة وطننا.. هل هناك "عبيد" يمكن ان تهون ارواحهم وابصارهم ومعاناتهم من اجل المحافظة علي "المشاعر الرقيقية لعصابة من السادة قامت بتجريف ثورة الوطن واذلال الشعب وافقاره وقمعه علي مدي ثلاثة عقود؟؟