سيظل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل علامة مميزة في تاريخ الصحافة المصرية. فالكاتب الذي تعرض عبر سنوات طويلة لهجوم شديد والعنف من رجالات النظام السابق لمبارك والذين شغلوا مناصب إعلامية قيادية ظل متماسكا والتزم الصمت تماما في مواجهة هذه الحملات ولم يعقب عليها ورفض الدخول في معارك إعلامية مع الذين يديرونها ويقودونها لأن الكبار لا يدخلون أبدا في مواجهات مع الصغار..! وذهب كل هؤلاء واختفوا بعد أن نبذهم الرأي العام وقذفتهم الجماهير بالحجارة وطردتهم من مواقعهم وبقي هيكل وحده في الميدان شامخا كالأهرام ليعود إلي بيته بعد غياب 37 عاما ليكتب مقالا في الأهرام يعلق فيه علي أحداث إمبابة ويبدي رأيه بأنها أزمة وليست فتنة. وسواء نتفق مع آراء هيكل أو نختلف معه فإنه يمثل أسطورة في تاريخ الصحافة المصرية بقدرته علي الاستمرار والتجديد، وبالذاكرة الحديدية التي يتمتع بها، وبقدرته الفائقة علي التحليل وقراءة الأحداث والتحقق منها. ولا يمكن أن نعزو قيمة وأهمية هيكل إلي كونه كان مقربا للرئيس الراحل جمال عبدالناصر وشريكا في اتخاذ القرار، بقدر ما ترجع إلي قدرته علي الصمود والبقاء في الساحة بعد رحيل عبدالناصر واختلافه مع الرئيس السادات ثم ابتعاده الكامل عن نظام مبارك الذي وجه إليه أعنف الطعنات. ودرس هيكل يؤكد ان الصحفي والكاتب لا يموت أبدا.. ولا ترتبط أهميته بوجوده في منصبه القيادي، فهناك العديد من رؤساء التحرير ورؤساء مجالس إدارات الصحف كانوا يكتبون المقالات المطولة وكأنه لا يوجد غيرهم في صحفهم ومؤسساتهم وكانوا ملء السمع والبصر في كل البرامج واللقاءات والمناسبات، وما إن تركوا مناصبهم القيادية حتي اختفوا وانتهوا تماما من الساحة الصحفية والإعلامية وأصبحوا نسيا منسيا.. إن عودة هيكل ل"الأهرام" سواء من خلال الكتابة في المناسبات أو من خلال الحوار معه تمثل إضافة مهمة للصحافة المصرية، وسيكون الأهم من ذلك أن تفتح "الأهرام" أبوابها لشباب الصحفيين من مختلف المؤسسات الأخري ليستمعوا إليه في ندوات وحوارات مفتوحة، فما أحوج الصحافة المصرية الآن إلي وجود أساتذة ورموز بعد عصر سيطرت عليه الاراجوزات والمهرجون..!