كثر الحديث في الفترة الأخيرة وتعددت التساؤلات حول أسباب عدم شعور المواطن العادي في مصر بثمار الإصلاح الاقتصادي وتعالت أصوات تطالب بتقييم عملية الخصخصة ووضع حد أدني للأجور في ضوء ما شهده عام 2009 من ظهور عدد من الاضرابات والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية العمالية مطالبة بتحسين أوضاع الأجور واستمرار تتابع هذه الوقفات خلال عام 2010 وذلك رغم مرور ما يقرب من ستة وثلاثين عاما علي بداية العمل التنموي تحت مظلة سياسة الانفتاح الاقتصادي عقب انتصار أكتوبر ،1973 والتي تم بموجبها فتح الباب أمام المال العربي والأجنبي لكي يتدفق علي الاقتصاد الوطني ويضع يده في يد المال المصري لاحداث نمو متواصل ومتسارع للناتج القومي من السلع والخدمات وفرص العمل للشباب. وترشدنا النظرة التحليلية المتعمقة لهذا الجهد التنموي الكبير إلي وجود خلل واضح في عملية التنمية.. ويتمثل هذا الخلل في غياب البعد الاجتماعي والبعد الإقليمي في نموذج التنمية المصري وهذا الخلل هو السبب المباشر في عدم شعور المواطن العادي بثمار النمو الاقتصادي ويتمثل البعد الاجتماعي في عدة جوانب أساسية هي عدالة توزيع الدخل الكلي بين أصحاب عوامل الإنتاج التي ساهمت في تحقيق هذا النمو الاقتصادي، والضمان الاجتماعي ضد البطالة، والتأمين الصحي لكل أفراد المجتمع المصري وكذلك توفير الخدمات العامة لكل المواطنين وتشمل مياه الشرب والصرف الصحي والكهرباء والتليفونات، ووسائل المواصلات العامة والطرق.. أما البعد الاقليمي في نموذج التنمية فيقصد به أن تغطي عملية التنمية جميع الأقاليم دون أن تستحوذ العاصمة وضواحيها علي النصيب الأكبر من الاستثمارات بحيث تصبح رأسا كاسحا تاركة الأقاليم جسما كسيحا. ويقصد بعدالة توزيع الدخل في البعد الاجتماعي التوزيع أو التقسيم المتوازن للفائض الاقتصادي المتحقق من العملية الإنتاجية توزيعا أو تقسيما عادلا بين أصحاب عوامل الإنتاج التي ساهمت في تحقيق هذا الفائض وبصفة خاصة اقتسام الأجور والأرباح لهذا الفائض الاقتصادي ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال مجموعة من القواعد تشمل وضع أدني للأجور في المجتمع يتم تحريكه سنويا بمعدل التضخم، تضييق الفجوة بين مستويات الأجور داخل المنشأة الواحدة بحيث تقترب حصة مجموعة الإدارة العليا من مجموعة الأجور السنوية، من نصيب هذه المجموعة من إجمالي العاملين شاملة المكافآت والحوافز والبدلات وخلافه.. أما الضمان الاجتماعي ضد البطالة فيعني أن تتكفل الدولة بتخصيص مبلغ من المال شهريا يعادل نصف الحد الأدني للأجر اعانة اجتماعية لكل فرد من الأفراد الذين هم في سن العمل ويبحثون عنه ولكن لا يجدونه وهؤلاء يمثلون هذا البطالة غير الطوعية. وبالنسبة للتأمين الصحي والخدمة الطبية فيمكن أن يتحقق ذلك من خلال نظام متكامل ومتوازن وشامل لتوفير الخدمة الطبية بمستوي لائق لكل فرد يحتاج إليها ويتم وضع هذا النظام وتكلفته وكيفية تمويله بواسطة خبراء متخصصين في هذا المجال. إن عدالة توزيع الدخل بين أصحاب عوامل الإنتاج وإن كان من صميم البعد الاجتماعي للإصلاح الاقتصادي إلا أن له مردودا اقتصاديا علي الاقتصاد الوطني. ومردودا سياسيا علي الاستقرار السياسي.. حيث إنه من المعروف علميا أن الطلب علي السلع والخدمات بشقيه الاستهلاكي والاستثماري يعتبر القوة المحركة للنشاط الاقتصادي، فهو القاطرة التي تجر وراءها كل الأنشطة الاقتصادية.. ومن المعروف علميا أيضا ارتفاع الميل الحدي للاستهلاك عند المستويات المنخفضة من الدخل وأن هذا الميل يلعب دورا مباشرا في زيادة معدل الاستثمار ومن ثم معدل نمو الدخل القومي ولذلك فإن وضع حد أدني للأجور وتخصيص إعانات للضمان الاجتماعي سوف يزيد من القدرة الشرائية للمستويات الدنيا من الدخل وبالتالي يحقق نموا متسارعا لنشاط مؤسسات الأعمال وأرباحها وتوسعاتها الاستثمارية وتوليد فرص عمل جديدة.. كما أن النجاح في تغطية البعد الاجتماعي للإصلاح الاقتصادي سوف يلقي بظلاله علي الاستقرار السياسي.