ظاهرة ختان الإناث التي يعاني منها عدد من مناطق ومحافظات مصر تعد إحدي القضايا ذات الأولوية في أجندة وزارة الدولة للأسرة والسكان، وهي غصة في حلق الدكتورة مشيرة خطاب وكل القوي الحية في المجتمع فتشويه الأعضاء التناسلية للمرأة أو ما يعرف ب"ختان الإناث" هو تشويه لنفسيتها ولصحتها العقلية. والغريب أنه بالحديث مع عدد من أولياء الأمور (أمهات وآباء) نكتشف أن المرأة هي الأشد حماسا لإجراء هذه العملية لبناتها، وهي صاحبة القرار، فالرجل مهما كان وعيه يترك الأمر وتنفيذه في الأخير للزوجة. والحديث أيضا مع أطباء ممن يجرون هذه العملية "المحظورة" قانونا والمجرمة يكشف قصصا غريبة، فالطبيب لا يعفيه وعيه بأن هذه الممارسة هي جريمة في نظر القانون، وأنها جريمة اجتماعية ونفسية في حق المرأة، بل يضطر الي القيام بها!.. والسبب الذي ساقه لي بعض الأطباء "في عيادات بمناطق شعبية وريفية" أنهم يقدمون علي ختان الإناث عندما يلاحظون إصرار الأهل عليها، وأنهم يرون أن إجرائها يتم علي أيديهم أفضل من لجوء الأهل إلي "الداية" أو إلي الحلاق الشعبي. وقد اعترف لي طبيب شاب أنه ارتكب تلك الجريمة لأنه واثق أنه سيجريها في ظروف طبية جيدة، وانه اذا رفض فان أهل البنت كانوا سيلجؤون الي الشخص "الجزار" الذي سيقوم بالختان في ظروف صحية سيئة قد تودي بحياة الفتاة، أو تحكم عليها بالمعاناة طيلة حياتها.. حيث تعرض النساء إلي مضاعفات صحية مثل النزف، والالتهابات، التي قد تسبب لها عقما للبعض، كما أنها تمثل خطراً بالغاً علي الحوامل أثناء الولادة. وهناك جانب مهم نسكت عنه ولا يخوض فيه أحد. وهي أن الزوجة المختونة محكوم عليها بالسلبية، لأنها لن تشعر بأية لذة في المعاشرة مع زوجها التي حللها الله. وهذا بدوره يخلق حالة نفور بين الزوجين ويؤدي إلي مشاكل عائلية دائمة، خاصة أن الصراحة غائبة، ويظل الزوج يجهل سبب توتر العلاقة مع الزوجة، وغالبا لا ينتبه إلي السبب الحقيقي الذي يظل سرا لدي المرأة طيلة حياتها، وحتي مماتها. ومع ذلك فإن نفس هذه المرأة تصر علي ختان بناتها، وكأنها تصر علي إعادة إنتاج المأساة، وتكرار التعاسة! طبيب آخر شاب يظهر عليه التدين من اللحية الطويلة ومظهره.. قال إن الحل ليس في منع الأطباء وتجريم الختان بحبس الطبيب ،لأن البديل أسوأ جدا، مطالبا بحملات مستمرة وحقيقية يقوم بها "الثقات" في المجتمع من رجال دين إسلامي ومسيحي لهم مصداقية ومكانة رفيعة في محيطهم حتي ينفضوا المجتمع من تخلفه. ولا أخفيكم أني قد تصورت لبعض الوقت أن الدافع وراء استمرار إجراء هذه الممارسة الخاطئة لدي بعض الأطباء - وهم أكثر العارفين بحجم المشكلة التي يسببها الختان للنساء-منعدمو الضمير، وحب المال أعمي عيونهم عن المسئولية والواجب، لكني اكتشفت أن هذا الحكم قد لا يصدق علي البعض، الذين يجتهدون، لكن اجتهادهم خاطئ ولا يعفيهم من المسئولية. قلت للطبيب الشاب.. الذي حاول أن يقنعني بحسن نواياه، عندما اختار"أخف المصائب" علي حد وصفه - لماذا لا تقوم بإبلاغ الخط الساخن في وزارة الأسرة والسكان، أوالشرطة ..عندما تجد حالة مستعصية من التخلف والإصرار علي إجراء الختان للبنت؟ أجاب: لو أن ذلك سيحل المشكلة، فاني أفعله، لكني أكثر معرفة بالريف وعقلية الناس لأني ريفي، وهم لن يتراجعوا مهما كانت وسيلة الردع، وسينفذون ما يعتقدون أنه واجب ديني!! وهذا يقودني إلي طرح سؤال مهم: لماذا تبقي هذه الممارسة منتشرة حتي بعد قرارت الحظر والتجريم ،والحملات الداخلية والدولية؟ هذه الممارسة تتم لأسباب اجتماعية وثقافية،رغم اعتقاد الناس بأنها ترتبط بالدين. والحل الجذري هو تعليم المرأة وتنويرها وتكثيف الحملات وأن تقودها شخصيات شعبية، بعيدا عن الرسميين، خاصة أن الناس لديهم تراث مقيت من عدم الثقة مع الحكومة، ويكرهون كل ما تقوله، ويدعو إليه الوزراء.ولابد أن يتولي التوعية في المنابر أئمة المساجد، ورجال الكنيسة. ولا أنسي مشهد تلك الفتاة الصغيرة التي تعيش أسرتها في قلب القاهرة، ولكنها من أصول ريفية، وكانت تنزف بشدة في أعقاب ختانها، ولم يستطع الأطباء اسعافها.. وماتت ضحية للتحجر والتخلف وسيطرة العادات والتقاليد علي السلوك.ويبدو ان الفتاة عندما تموت ،لا يحزن أهلها عليها مثلما لو مات "الولد" و"يقولون إن نصيبها وحظها سيئ" في حين أنهم إرتكبوا جريمة وبرروها لأنفسهم .