لقد صار من المسلم به علي نطاق واسع أن سياسات تمكين السود اقتصاديا وقوانين السلوك الايجابي التي أتي بها حزب المؤتمر الوطني الافريقي الحاكم في جنوب افريقيا عقب سقوط الحكم العنصري في أوائل تسعينيات القرن الماضي قد فشلت في تحقيق أهدافها وتقول مجلة "الايكونوميست" إنه حتي الرئيس الجنوب افريقي جاكوب زوما يسلم بفشل هذه السياسات التي كانت تعد أهم ما جاء به الحزب الذي يمثل الاغلبية السوداء. ويقول زوما إنه بدلا من إعادة توزيع الثروة والمراكز الاجتماعية الرفيعة لصالح السود، فإن ما حدث عمليا هو ان عدد قليل منهم فقط هو الذي استفاد وبشكل فردي حيث لا تزال معظم الشركات الكبري في يد البيض بينما الجموع السوداء المفترض افادتهم لم يكسبوا سوي القليل. والحقيقة أن جنوب افريقيا في عصر ما بعد العنصرية لا تزال من أكثر بلاد العالم ابتلاء بعدم المساواة ويرجع السبب في ذلك أساسا إلي طبيعة النخبة التي افرزتها سياسة التمكين الاقتصادي للسود صحيح أن الفقر قد تم استئصاله عن طريق تقديم ضمانات دولة الرفاة لنحو ربع سكان جنوب افريقيا البالغ عددهم 49 مليون نسمة ولكن الفجوة بين الفقراء والأغنياء ازدادت اتساعا. وتقول الارقام إن 4% فقط من سكان جنوب افريقيا ربعهم من السود. يحصلون علي دخل سنوي يزيد علي 80 ألف دولار أي مائة ضعف ما يعيش عليه اغلبية المواطنين هناك. لقد كان السود في ظل الحكم العنصري يحصلون علي تعليم متدن ولا يعملون إلا في الوظائف الدنيا بوجه عام ولكن قانون المساواة في العمل الذي صدر عام 1998 حاول أن يجعل قوة العمل أكثر تمثيلا لواقع السكان العددي ومع ذلك فبعد مرور نحو 12 عاما علي صدور هذا القانون لا يزال 75% من الوظائف العليا في الشركات الخاصة من نصيب البيض مقابل 12% فقط للسود بينما النسبة العددية لكل منهما بين السكان تعكس هاتين النسبتين بالضبط حيث يمثل السود ثلاثة أرباع الشعب في حين لا تتجاوز نسبة البيض 12% ومن الارقام ذات الدلالة أيضا أنه من بين قادة 295 شركة مسجلة في بورصة جوهانسبرج لا يوجد سوي 4% ممن يشغلون منصب الرئيس التنفيذي من السود ونحو 2% ممن يشغلون منصب المدير المالي ونحو 15% ممن يشغلون باقي المناصب الكبري من السود. أما في المناصب غير التنفيذية فإن نسبة السود تتحسن قليلا حيث تصبح 25% ممن يشغلون منصب رئيس مجلس الإدارة ونحو 36% ممن يتمتعون بلقب مدير ولكن هذه النسب جميعها بالطبع لا تعكس نسبة السود في إجمالي قوة العمل علي مستوي الدولة كلها. ورغم ذلك فإن كثير من البيض يرون ان هناك محاباة للسود وانهم يشغلون مناصب تفوق ما لديهم من قدرات. ويقول معهد جنوب افريقيا للعلاقات بين الأجناس إن البيض يمثلون 40% من خريجي الجامعات ولذلك فإن قصر الحصة المخصصة لهم علي 12% فقط من الوظائف المهارية أو مناصب الإدارة العليا يعد أمرا سخيفا وغير مقبول ويري جون كاني بيرمان مدير هذا المعهد ان سياسة تمكين السود اقتصاديا قد أخرت بهم عمليا لانها عودتهم علي التواكل وحرمتهم من روح المخاطرة والاعتماد علي النفس. وتقول مجلة "الايكونوميست" إن فكرة وضع تشريعات لتمكين السود اقتصاديا هي فكرة روج لها في البداية عدد من كبار رجال الأعمال البيض للقضاء علي دعوات التأميم التي نادي بها السياسيون السود عقب انهيار النظام العنصري. وكان رجال الأعمال هؤلاء يأملون من وراء ذلك أن يؤدي تقديمهم لبعض التنازلات الجزئية لعدد من السود المرتبطين بهم بقوة إلي أن يظلوا هم المسيطرون فعليا علي اقتصاد جنوب افريقيا ولا شك أن سياسة تمكين السود اقتصاديا قد نجحت في تحقيق آمال الاقلية البيضاء فالبيض لا يزالون يملكون الجزء الاساسي من ثروة البلاد ورغم تجدد الدعوات أخيرا داخل صفوف حزب المؤتمر الوطني الافريقي الحاكم لتأميم المناجم والبنوك فإن الرأسماليين السود يعارضون ذلك ويدفعون الرئيس زوما إلي التأكيد دوما علي أن التأميم ليس اختيارا مطروحا علي اجندة حكومته. ان قوانين تمكين السود اقتصاديا تصنف الشركات التي يملكها البيض والتي تزيد ايراداتها السنوية علي 5 ملايين راند حسب تمكينها للسود من امتلاك أسهم فيها وترقية مهارات السود العاملين في صفوفها ودفعهم إلي مناصب قيادية اعلي وغير ذلك من البنود المشابهة. والشركة التي تحصل علي درجات عالية في هذا الشأن تتمتع بأولوية الحصول علي مزيد من العطاءات الحكومية ولأن كل شخص يحب أن يكسب فإن المواطنين السود وكذلك الشركات التي يملكها السود يقبلون علي شراء حصص كبيرة في الشركات المملوكة للبيض علي أمل ان يؤدي ارتفاع أسعار أسهم تلك الشركات وما قد يحصلون عليه من عوائد علي الأسهم إلي تمكينهم من سداد ما عليهم من ديون.