أكبر مقلب يأخذه الواحد منا أن يقوم بتوضيب إجازة في مصر المحروسة، خاصة إن كان من مستوري الدخل، لا هو بالمليونير، ولا هو بالمفلس، بل هو حامل فيزا كارت وله دخل يجعله يشعر بقليل من الرضا وكثير من الخوف أن يدهمه مرض فلايجد ثمن العلاج. مثل هذا المواطن قد يفكر بجنون في قضاء بضعة أيام في مارينا، ليجد سعر الشاليه الواحد في اليوم الواحد يسع لعدد أربعة أفراد هو ألف وثلاثمائة جنيه في يوليو الجاري، أو ألف وأربعمائة جنيه في أي يوم من أغسطس حتي مجيء رمضان المعظم. وإذا ما أراد أن يتنازل قليلا ويبحث عن شاليه في قرية اللوتس فلسوف يجد الشاليه ثلاث حجرات بتسعمائة وخمسين جنيها في أغسطس. وطبعا لن ينزل البحر لأن المتاح هو حمام سباحة، وإن أراد أن يشعر بألفة أسرية في قرية ساحلية متميزة تملك قدرا من أصحاب العقول الكبيرة، فليهنأ بشاليه في ماربيلا لقاء سبعمائة جنيه في الليلة، وإن أراد الحصول علي ليلة في مارقيا التي كانت ساحرة ذات نهار قديم، فليدفع خمسمائة جنيه. ودعك من أسعار الطعام، لأن الخبز في مارينا مثلا يصل ثمن الرغيف الذي يأكله طفل علي لقمتين اثنتين إلي ثلاثين قرشا، والرغيف الذي يحتمل أن يكون أربع لقيمات هو بخمسين قرشا. أندهش حين أقارن تلك الأسعار بإسبانيا، فقد كنت أقضي في منتصف الستينيات خمسة عشر يوما علي أجمل شواطئ العالم في فندق أربعة نجوم يقدم وجبتين، وكانت الأيام الخمسة عشر مقابل مائة وعشرين جنيها مصريا، وكنت طبعا أدفعها بالاسترليني أي ستون جنيها استرلينيا. وفي نفس الفندق يمكن للمصطاف القادم من الشرق الأوسط أن يدفع ألف دولار في الأسبوعين، أي أقل من أسعار الإقامة في مارينا أو ماربيلا، فضلا عن ضمان الوجبات دون ارهاق وبحث وتعب. لا أدري متي نهتم بالسائح الداخلي الذي يحتاج منا الرعاية. أظن أننا قد نفعل ذلك عندما تقل السياحة العربية، وهي حتما ستقل نظرا لانخفاض أسعار أوروبا عن أسعارنا. ولو أننا اهتممنا بالسائح الداخلي لكان الرواج حقا وصدقا، ولاستمر الرواج طوال العام. لكن نحن نفسد بالغلاء أي تفكير في أي إجازة.