لعل إحدي لقضايا التي لا تحتمل الجدل ولا تحتمل التأخير هي المياه.. أساس الحياة وهي إحدي القضايا التي تمنحها المملكة الأردنية أولوية نظرا لمواردها المحدودة منها ومن ثم كان من الضروري أن تشرع في البحث عن أوجه توفر لها هذه الطاقة الحيوية وما كان من الممكن للأردن أن يتقاعس عن البحث في السبل الكفيلة بتوفير هذا المورد الحياتي لاسيما بعد أن صنف في عداد الدول الفقيرة مائيا فكان لابد من تعويض هذا الفقد وزيادة موارده المائية. * كيفية الخروج من بوتقة الأزمة؟ لم يتوان الأردن عن البحث عن مصدريكفل له الحصة المائية للخروج من دائرة الفقر المائي لمواجهة النمو السكاني والاقتصادي معا، فلقد ازدادت الأمور تفاقما مع موقع الأردن فليس لديه مياه سطحية كما أن تحلية مياه البحر عملية مكلفة لهذا اعتمد علي مياه الآبار الجوفية ولكنه لم يلبث أن رأي أن الحل الوحيد للخروج من بوتقة الأزمة المائية هو أن يقوم بتحلية مياه البحر الأحمر وسحبهاإلي عمان الجدير بالذكر أن البحر الميت قبل عام 1967 كان يدر نحو مليار ونصف المليار متر مكعب سنويا بيد أن إسرائيل قامت بتحويل مياهه بالإضافة إلي تعرض البحر الميت إلي عملية تبخر مستمرة هذا بالاضافة إلي قيام إسرائيل بتجفيف بحيرة الحولة بعد أن نقلت مياهها إلي صحراء النقب ومن ثم ازدادت الأمور سوءا بعد عام 1967 وتضرر الأردن مائيا بشكل كبير. * لا بديل لمشروع قناة البحرين جاءت حروب الخليج لتسفر عن هجرات متكررة للأردن وبالتالي تأثر قطاع المياه وبعد أن كانت حصة الفرد في الستينيات 3600 متر مكعب في العام باتت الآن 140 مترا مكعبا ولهذا لم يكن هناك مفر سوي الاتجاه إلي مشروع نقل المياه من البحر الأحمر إلي البحر الميت لاسيما مع تفاقم المشكلة مع الأجيال القادمة، فسوريا تشكو هي الأخري من ندرة المياه، كما أن تركيا يمكن أن تمد الآخر بالمياه أولا تمده ولهذا ظهر السؤال الملح من أين يأتي الأردن بالماء؟ وعليه بدأ التفكير في مشروع نقل المياه إلي البحر الميت وأنسب الطرق الهندسية هي الأنابيب التي تمتد من البحر الأحمر إلي البحر الميت ورغم أن هذا المشروع باهظ التكلفة إلا أن الأردن لم يجد أمامه بديلا سواه. ** المشروع لا ينافس قناة السويس برزت معارضة مصرية علي المشروع وهو لا يزال في طور الدراسة ورغم العلاقات المصرية الأردنية الوثيقة فلقد ظلت علامة استفهام ترتسم أمام هذا المشروع الخاص بما يسمي قناة البحرين وكاد أن يحدث سحابة علي هذه العلاقات تحفظت مصر منذ البداية علي المشروع بوصفه قناة تشكل بديلا لقناة السويس، وأكثر من ذلك نظرت إليه مصر وكأنه مشروع إسرائيل لربط البحر الأحمربالبحر الميت لتدمير الملاحة الدولية من خلال قناة السويس ولقد عمد المسئولون في الأردن علي توضيح المقصود بهذا المشروع وبأنه ليس قناة بالمرة وإنما مجرد أنابيب تمد من أجل وصول المياه إلي الأردن الذي يعاني من نقص حاد في موارده المائية ويعد رابع أفقر دولة مائيا في العالم كما أن الأنابيب التي تستمد هي للحفظ علي بيئة البحر الميت وحمايته ومن أجل المساعدة في توليد الطاقة الكهربائية وإقامة محطات لتحلية المياه وبالتالي فإن الأردن عمد إلي طمأنة مصر لتبديد مخاوفها من أن يكون مشروع "قناة البحرين" منافسا لقناة السويس وزاد في التأكيد علي أن العملية ليست إلا محاولة لإعادة البحر الميت إلي ما كان عليه سابقا قبل أن تحول إسرائيل مساره وأن قناة البحرين هذه ليست إلا أنبوبا أسمنتيا ولن يكون بديلا لقناة السويس. ** طوق انقاذ للأردن المشروع المذكور يربط البحرين الأحمر والميت الذي يهبط منسوبه بمعدل نصف متر كل عام ويحتاج إلي لميار متر مكعب لمعادلة كمية الفاقد الناتج عن عملية التبخر وبالتالي كان لابد من أن يكون هناك مشروع استراتيجي لزيادة منسوب المياه. والزائر للمنطقة يتبين أنه لايمكن للمشروع أن يكون قناة لاستحالة وجود ملاحة به المشروع يمثل طوق إنقاذ للأردن الذي يعاني من ندرة الموارد المائية إلي حد أن أحياء بكاملها لا تصلها المياه إلا مرة واحدة في الأسبوع وإلي حد ينخفض نصيب الفرد من المياه إلي 140 مترا مكعبا في العام بينما المعدل العالمي ألف متر مكعب علي الأقل. ** لماذا رفضته مصر؟ رفض مصر للمشروع جاء نتيجة سوء فهم لمبناه ومعناه ولهذا انبري المسئولون الأردنيون يؤكدون بأن المشروع ليس بقناة وبأنه لا يشكل أي ايذاء لمصر وبأن المشروع أردني وبإدارة أردنية وعلي أرض أردنية وبموجبه يحصل الأردن علي نسبة 70% من المياه المحلاة، ويحصل الفلسطينيون علي نسبة 20% منها أما إسرائيل فتحصل علي نسبة 10% تقوم بشرائها فهي لا تحصل عليها مجانا ولقد أعلن الأردن في المؤتمر الاقتصادي الأخير الذي عقد في مايو الماضي بعمان بأنه سيشرع في تنفيذ المشروع مع بداية العام القادم. ** اجتماع وزراء المياه العرب لقد طلب المصريون في مرحلة ما بتزويدهم بالمعلومات المتوافرة عن المشروع وقيل بأن وفدا فنيا مصريا سيتوجه إلي الأردن من أجل هذا الهدف والاطلاع علي جميع الدراسات والمعلومات الخاصة بالمشروع وما من شك في أن المشروع يأتي لمعالجة الفقر المائي الذي يعاني منه الأردن بالاضافة إلي التحديات الكثيرة التي يواجهها، ففضلا عن أنه بلد صغير فإن موارده المالية محدودة وليس لديه مصادر للطاقة ويزمع وزير الري الأردني تقويم تفاصيل المشروع لاجتماع وزراء المياه العرب القادم الذي سيعقد بالجامعة العربية ويحاول الأردن وضع مصر في الصورة بالنسبة لجميع المعلومات التي تؤكد بأن المشروع لا يشكل أي ضرر عليها. ** هل حسم الموضوع؟ الجدير بالذكر أن الدكتور محمود أبو زيد وزير الري السابق ورئيس المجلس العربي للمياه قد حسم هذا الموضوع مؤخرا عندما أكد علي أهمية مشروع أنبوب البحرين لربط البحر الأحمر بالبحر الميت ذاهبا إلي أنه مشروع ضروري لتحسين طبيعية البحر الميت الذي أصبح يتدهور بصورة كبيرة نتيجة الانخفاض الشديد في كمية المياه سنويا حيث إن البحر الميت يتناقص سنويا بمعدل يزيد علي المتر وأن استمرار هذا الوضع قد يتسبب في عواقب اقتصادية وسياحية ونبه إلي ما يمكن أن يسهم به هذا المشروع في توليد الطاقة الكهربائية لتحلية المياه وتنفيذ عدد من المشاريع التنموية أيا كان المشروع من المنتظر أن يبدأ الأردن فيه مع العام القادم وعلي مدي خمس مراحل تنتهي في سنة 2045 والمشروع باهظ التكلفة التي تقدر حتي الآن بنحو اثني عشر مليار دولار..