ابي العام الماضي أن يطوي صفحاته دون أن يلقي بأعبائه وحموله علي عاتق العام الجديد وقد منيت العملة الأمريكية بخسائر متواصلة أمام العملات الأخري، وسجل الدولار أكبر تراجع له أمام الين الياباني منذ عشرين عاما، كما سجل أكبر تراجع أمام العملة الأوروبية منذ إصدارها في عام ،1999 وتضافرت العوامل السياسية والاقتصادية واصداء الأزمة المالية العالمية والعدوان الإسرائيلي علي غزة في الأيام الأخيرة من العام الماضي، لتلقي مزيدا من الضغط علي الدولار. فقد ارتفعت العملة الإسرائيلية "الشيكل أمام الدولار بنسبة 2،2% وبلغ سعر الصرف الرسمي للشيكل وفقا لرويترز 3،7650 شيكل للدولار وارتفع إلي 3،7350 شيكل وهو أعلي مستوياته منذ أكثر من 11يوما. ومع خفض الفائدة في الولاياتالمتحدة والتوقعات باستمرار التوترات السياسية في المنطقة، فمن المتوقع أن يستمر تراجع الدولار خلال عام 2009. هذه الخلفية الدرامية للعملة الأمريكية دفعت المستثمرين لتحويل أموالهم إلي الذهب وإلي الفرنك السويسري الذي ارتفع إلي أعلي مستوي منذ خمسة شهور. وصف أحد المحللين الماليين الأمريكان التراجع المستمر للدولار بالفانتازيا التي تنتهي إلي تراجيديا سوداء، موضحا أن جميع المؤشرات تشير إلي تراجع واضح للعملة الأمريكية، وصف بأنه هبوط إلي أدني مستوي منذ 13 عاما، فقد انخفض الدولار أمام الجنيه الاسترليني واليورو والين الياباني، فيما يري البعض بوادر أزمة تلقي بظلالها علي القطاع المصرفي والاقتصادات العالمية، يري البعض الآخر أن تراجع الدولار عملية محكومة تهدف إلي تخفيض العجز الهائل في الميزان التجاري للولايات المتحدة وتقلص من نفوذ الصادرات الصينية. وهو ما يفتح باب التحليل والبحث والتساؤل في الأسباب الكامنة وراء هذا التهاوي للعملة الأمريكية، وهل كان الدولار مقيما بأعلي من قيمته الحقيقية وبالتالي كان لابد من تراجعه وهل هذا التراجع أمر سيئ أم أن له جوانب إيجابية ومن المستفيد ومن الخاسر في لعبة تهاوي الدولار؟ والسؤال الأهم هو ما الذي يجب عمله إزاء هذا التراجع. أسباب التراجع يري بعض الخبراء أن التراجع الحالي في قيمة العملة الأمريكية يمكن أن ينتج عنه مشاكل تؤدي إلي أزمة حقيقية لأن استمرار التدهور في قيمة الدولار يدل علي تجمع عناصر ازمة فعلية يمكن أن تكون لها اثار دراماتيكية علي الأسواق المالية التي من شأنها أن تؤثر علي مستوي المعيشة لكل مواطن أمريكي، لكن كيف بدأ الدولار طريقه للهبوط؟ فالوضع الحالي يشير إلي أن الدولار بدأ يتراجع ولم يكن أحد يعيره انتباها، وعندما تنبه الخبراء إلي وجود مؤشرات قوية لتراجع الدولار، لم يهتموا لاعتقادهم وقناعتهم بأن ضعف الدولار أمر جيد وبالتالي لم يتخذوا أي تدابير لمواجهة هذا التراجع. وقد أيد الخبراء في مجلة الايكونوميست هذا الاتجاه حيث جاء المقال الرئيسي يحمل عنوان "دعوا الدولار يتراجع".. لكن مع استمرار التراجع والانخفاض في قيمة الدولار تنبهت البنوك المركزية انها تواجه مشكلة وبدأت في التحرك لتطويع السوق لإجراءاتها، لكن يبدو أن الأسواق لم تستجب. وساد الجدل فيمن يؤيد ترك الدولار لتراجعه ومن يؤيد التحرك لمساندته، فأصحاب الرأي الأول يرون أن الدولار الضعيف سوف يساعد علي تخفيض العجز الهائل في الميزان التجاري للولايات المتحدةالأمريكية، ويرد أصحاب الرأي الثاني أن تراجع قيمة الدولار الأمريكي بنسبة 30% عن الذروة التي بلغتها تلك القيمة قبل عامين لم يؤد إلي تحسن في قضية تخفيض العجز والاختلال بين الموازين التجارية بين الولاياتالمتحدة وبقية دول العالم، وقد يساعد التراجع في قيمة الدولار إلي حد ما في تحقيق ذلك لكن ليس بالقدر الذي يمكن أن يشكل فارقا واضحا. وألقي فريق آخر باللوم علي النمور الآسيوية وسياساتها الإغراقية لأسواق الولاياتالمتحدة، وهاجموا انتقال الأنشطة الصناعية من الولاياتالمتحدة إلي الصين طمعا في تخفيض النفقات والحصول علي الأيدي العاملة الرخيصة إذ انتقلت معها فرص العمل التي كانت تتاح للعمال الأمريكيين، اتهموا حكومات الدول الآسيوية بتعمد استمرار العجز الأمريكي في الميزان التجاري لفترة طويلة وبكميات متزايدة مما أدي إلي زيادة الديون الخارجية الأمريكية.