أعتقد أن حصر مسألة انهيار صخور المقطم في كونها حادثا مأساويا راح ضحيته العشرات وأن علاجه يكون في إعادة تسكين المضارين وتعويضهم يقلل حجم الكارثة، كما أن البحث عن مبررات والدخول في تفاصيل فنية يبعدنا عن مغزي ما حدث وعن طبيعة الرد العصبي للطبيعة علي التجاوزات التي يرتكبها البشر في حالة نادرة من حالات الغضب الاحتجاجي علي سياسة العشوائية. سكان تلك المناطق هم من النازحين إلي العاصمة وغيرها من المدن الكبري بحثا عن فرص عمل، أي أن الحياة ضاقت بهم في بلادهم فقرروا النزوح إلي أطراف المدن لعلهم يلحقون بفرصة حياة تبدأ علي هامش المدينة في مناطق فقيرة لا تتمتع بالخدمات الإنسانية بدءاً من خدمة الأمن إلي خدمة الارتقاء الحضاري المستمر. تلك المناطق منبوذة (عشوائية) يتحكم في مصيرها منطق غريب عصي علي الفهم لدي بعض المسئولين الذين قرروا حرمان المناطق العشوائية من الخدمات عقابا لها علي المخالفة. وكأن من يسكن فيها ليسوا بشرا، وكأن حرمانها من الخدمات سيدفع سكانها إلي الرحيل الرحيل إلي أين؟ لا أنا أعرف ولا أنت تعرف ولا غيرنا يعرف. المهم أن الملف ينغلق بسرعة "يحرم من الخدمات لأنه مخالف" هذه تأشيرة سهلة يضعها المسئول ويغسل يديه من المشكلة ويذهب لينام أو يأكل أو يشرب وهو مستريح البال والضمير.. هكذا. ولأن هؤلاء المسئولين اعتادوا معاقبة المخالف بمنع الخدمات فإن المناطق العشوائية تتسع وتتفاقم المشكلة ولا يدري هؤلاء المسئولون كم يسببون من خسائر لا تظهر علي الفور، وربما تظل كامنة لعدة عقود ثم تنفجر كالقنبلة الموقوتة. وهنا لابد أن نشير إلي ما يؤكد سياسة العشوائية أو عشوائية السياسة العامة المتبعة وهو السماح بعد ذلك بإدخال الخدمات مقابل دفع الغرامة.. وكأن الغرامة ستزيل آثار العشوائية. أي إن سياسة الدولة هي قبول التصالح والسماح بالمخالفة إذا استطاع المخالف دفع الثمن، وهذا باب مخيف للغاية لأنه المدخل الطبيعي لفساد الإدارة والأجهزة، والاعتياد علي الفساد والتصالح علي حساب أمن وسلامة المجتمع وهو ما لا يجوز التصالح فيه. قد يقول قائل إن الحكومة لا تستطيع إزالة العشوائيات وأن الكلام سهل وذلك مردود عليه بأن المشكلة تراكمت علي مدي أجيال بسبب تقاعس الحكومات عن أداء دورها في المحافظة علي أمن وسلامة المجتمع واعتبار ذلك خارج أولوياتها فتركت الناس يسكنون في مناطق غير صالحة للسكن مثل حافة الجبل الذي انهارت منه الصخور في المقطم، أو في مناطق غير مخططة لا تتوافر فيها المرافق ولا يوجد بها شوارع تسمح بمرور سيارات الاطفاء أو حتي سيارات النجدة ومن ثم تفتقر إلي بسط سلطة الدولة المدنية فتخضع للبلطجية وحاليا للأحكام التي تفرضها الجماعات المتطرفة.. وللحديث بقية.