لا أظن أن الدولة في قمة سعادتها بما حدث الأسبوع الماضي في مجلس الشعب بين وزير المالية د. يوسف بطرس غالي وبين جودت الملط رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات.. فعلي الرغم مما يوحي ذلك بالديمقراطية والشفافية والمراقبة. إلا أنه يعكس أمرا أكثر خطورة، فهو مرة أخري هجوم من الدولة ضد الدولة.. وصراع محتدم داخل أروقة نظام واحد لن يؤدي في النهاية إلي إصلاح أو تعديل مسار كما نتمني بقدر ما يضعف من مصداقية سياسات وكفاءة تنفيذها. ولن أدخل هنا في وصلة الخلاف اللفظي بين د. غالي والملط والتي انتقلت ما بين الاتهام بتمثيل البنك الدولي إلي حكومة سمك لبن تمر هندي وخلافه.. ولن أدخل في تفاصيل الخلاف الذي توقف عند أشياء وتجاوز عند أشياء أخري ربما تكون أكثر أهمية لكنها أقل شعبية كثيرا من الأسعار والغلاء والديون.. لكني سأتوقف عند الخلاف حول السياسات الذي يبدو واضحا داخل نظام واحد.. فالدكتور الملط لا يبدو موافقا علي أساس السياسة الاقتصادية المصرية.. فيما يرد عليه د. غالي إذا لم تعجبك هذه السياسة ناقش من وضعوها.. في الحزب الذي يرأسه الرئيس مبارك.. وهنا جاءت كلمة السر التي يقف أمامها الجميع عاجزين "الرئيس". والحقيقة أن هذه هي سياسات الحزب الوطني التي ينفذها وزراؤه والتي وافق عليها الرئيس. الحكاية إذن ليست خلافا حول مليارات.. ولكن حول سياسات، وهنا تقف الدولة ضد الدولة.. ويقف المواطن عاجزا لا يفهم من الصح ومن الغلط.. في قضايا شديدة التعقيد عليه. هل الرقيب هو المصيب وكل تلك السياسات مخطئة أم أن السياسات سليمة وتدفع معدلات النمو، وستصل إلي بر الأمان؟! انتهت المعركة في مجلس الشعب، انتهي التراشق بالألفاظ.. لكن السؤال بقي معلقا فوق رؤوس كل من قرأوا تفاصيله أو شاهدوه علي التليفزيون. إلي أين نحن ذاهبون؟! وإذا كان رئيس الدولة التابع لها هو من يقول ذلك فهو شاهد من أهلها.. انتهت المعركة.. لكن الخسائر كبيرة.. بقيت لتضع علامات استفهام وتسأل لماذا تنتفض الدولة ضد الدولة؟ وظائف بلا شاغلين: أذهلني ما قرأته في أخبار اليوم بالأمس بقلم الزميلة إلهام أبو الفتح أن حملة "مصر أولي بأولادها" التي أطلقت منذ أسابيع ووصلت إلي 4000 فرصة عمل لم يتقدم لها أي من أهالي أو ضحايا مراكب الموت.. تقدم لشغل الوظائف 10 آلاف طالب عمل لم يكن بينهم طلب واحد من هؤلاء الذين كادوا أن يقضوا حياتهم وراء حلم السفر إلي أوروبا وايجاد فرصة عمل هناك. ماذا يعني ذلك؟ هل يعني أن هولاء الشباب مستعدون للموت بديلا عن العمل داخل الوطن؟ هل يعني أنهم مهما قدم لهم مصرون علي المغامرة، مسح البلاط في بلاد غريبة وغسيل أطباقها بدلا من العمل في بلادهم. لقد كنت ممن ألقي باللوم علي الحكومة والقطاع الخاص الذي لم يوفر لهؤلاء فرصة أمل للحياة وجعلتهم يركضون وراء سراب الهجرة حتي لو كانت غير شرعية بحثا عن حياة كريمة وفرص عمل.. لكنني أقف أمام تلك الحقائق لأراجع نفسي. فبعض الناس لا يبحثون عن فرص عمل حقيقية ولكن عن حلم الثراء السريع بلا مجهود، لا تحدثوني إذن عن الشهادة.. الشهادة لمن يستحقها.. وليس لهؤلاء.