وجدتني مهمومة.. فسألتني صديقتي ألفة السلامي ماذا يؤرقني.. ولم أجد إجابة واحدة لهذا السؤال المباغت.. فالقضية لم تعد هموم اليوم العادية، لكنها أبعد عن ذلك كثيرا. يؤرقني التلوث الذي صاحبنا وصاحبناه.. فلم يعد لدينا مخرج سوي أن نستنشق صباح كل يوم هواء مفعما بالعوادم وحرق الأرز وغيره.. والسحابة السوداء تكتم علي أنفاسنا وصدور ابنائنا بلا جدوي.. انه غياب سطوة القانون وسيطرة الدولة.. يؤرقني مستوي تعليم ابني في مدرسة دولية أدفع فيها الآلاف.. وأخشي أن تخرج لي شابا لا يعرف عن وطنه إلا الاسم.. هل هناك بديل؟! طبعا لا.. فالتعليم لدينا كم وليس كيف. وزراء يفاخرون بانجازاتهم التي يكتبونها هم فقط علي أوراق لا يقرأها سواهم. يؤرقني مشهد الجامعة الأمريكية - جامعتي - التي زرتها مؤخرا فوجدت رءوس طلبتها سكنها شيء غير الحلم، وتحديات غير المستقبل. حكي لي بعضهم كيف وقف طلبة يرفضون تدريبات فريق الرقص الشعبي لأنها "حرام وكفر وفسق"!! كانت تلك جامعة الحرية والفن والثقافة.. أصبح النقاب فيها ظاهرة بحكم محكمة! يؤرقني أن المواطن في بلدنا لا يعرف معني أن تقدم له خدمة جيدة، وتباع له سلعة جيدة، ويعيش في وطن يحترم آدميته.. لا أتحدث هنا فقط عن محدودي الدخل الذين سحقهم الفقر ونسيتهم الحكومة، ولكن حتي عن الأغنياء الذين ينفقون ولا تصلهم أي قيمة.. لماذا؟! لأننا فقدنا مقياس الجودة في كل شيء وضاع وسط الزحام الرقيب. تؤرقني كل تلك المعارك السياسية التافهة الفارغة من المضمون إلا من تلميع الصورة.. لا يهتم أحد من هؤلاء السادة أو السيدات إلا بصورته في الجريدة وما يكتب معه وما يكتب ضده.. لكن العمل الحقيقي.. لا أحد.. يؤرقني مستوي الصحافة والأدب والثقافة والفن والذوق العام.. لقد ضاع الذوق العام حتي في تعاملات الناس البسيطة .. فالالفاظ النابية لم تعد مقصورة علي اماكن معينة بل نسمعها في الشارع في كل مكان .. ماذا حدث للمصريين؟ يؤرقني ذلك الحزن علي وجوه الناس وغياب النكتة والامل والسعادة والرضا.. الرضا تلك كلمة ضاعت في الزحام.. قائمة طويلة من المؤرقات .. لا يتسع المجال لشرحها: غياب الحرية ، ضعف الدولة، تردد الكثيرين، غياب الرؤية، ارتباك المسئولين ، سحق الطبقة الوسطي لكن الاصعب عندي هو غياب مفهوم الوطن ..لم يعد لدينا وطن نحتمي فيه وبه .. ونعود اليه بحنين جارف .. اصبحنا نعد الايام للخروج ولو لساعات .. لاستنشاق الهواء قبل العودة الي السحابة السوداء. يؤرقني اكثر ما يؤرقني اختطاف الوطن. نقطة فاصلة * د. حسام بدراوي .. سلامتك * قال ساركوزي رئيس فرنسا الجديد: يجب أن تعمل فرنسا أكثر.. يجب أن يدرك الناس أنه لكي يعيشون مرفوعي الرأس فعليهم ألا يعيشوا معتمدين علي مساعدات الحكومة.. عمل أكثر يعني أجر أكبر. تلك هي رؤية ساركوزي للدعم.. استمعوا إليها جيدا، الرسالة وطريقة طرحها.