التفكير لغة العقل وصناعته وهو النعمة الكبري التي أنعم الله بها علي الإنسان كما أنه العامل والعنصر الأهم في قوة أي مجتمع وتقدم أي جماعة.. وإذا أردنا أن نصنف أو نثمن عناصر القوة سواء كانت مادية أو معنوية فإن قوة التفكير تأتي في المقدمة لعدة اعتبارات لعل من أهمها ما يلي: أولا: أن عناصر القوة المادية بكل صورها في مختلف المجالات العسكرية والمدنية إنما جاءت نتيجة لفكر مجموعة من المبدعين والرواد فهي انعكاس ونتيجة لعملية التفكير. ثانيا: أن إدارة وتشغيل مختلف عناصر القوة المادية إنما يخضعان في النهاية لرجاحة التفكير وحكمته فالقوة المادية في النهاية هي وسائل لتحقيق غايات كبري في الاقتصاد والسياسة والاجتماع.. فإذا كان وراءها تفكير مبدع تحقق منها الأمل والرجاء وحققت التقدم والنماء.. أما إذا كان يقودها من يفتقرون إلي الحكمة والرشاد فإنها سوف تهدم بدلا من أن تبني وتجلب الخراب والدمار والأمثلة علي ذلك تمتلئ بها صفحات التاريخ القديم والحديث ولو تأملنا ما يقع من ممارسات في زماننا هذا والذي يطلقون عليه أحيانا الافراط في استخدام القوة عندما تعربد وتقتل وتحتل بلداناً وأراضي.. والأمثلة في العراق وفلسطين خير شاهد علي ذلك. ثالثا: أن الحضارات والتقدم الذي حققته البشرية في رحلاتها عبر الزمان منذ عصور ما قبل التاريخ إنما جاءت نتيجة لعناد فكري لأصحاب هذه الحضارات وتلك المجتمعات وتدلنا شواهد الحضارة علي أن مصر قد امتلكت زمام التفكير المبدع وقادت مسيرة الحضارة والتنوير عبر آلاف السنين. وهذا كله يدعونا إلي أن نتأمل تلك العشوائية التي تسود في جوانب كثيرة من تفكيرنا في هذه الأيام ولعلنا يمكن أن نستخدم هنا للدلالة علي ذلك بعض الأمثلة البسيطة مثل ما يحدث من حشد في مباريات كرة القدم المهمة في نهائي البطولات أو في بعض اللقاءات ذات الأهمية الخاصة.. وقد تبنينا في هذا الصدد نوعا من التفكير أخرج الأمور عن نصابها ورغم أن كل فريق يجب أن يسعي للفوز فإن الأمر في النهاية لا يمكن أن يستبعد من دائرة الفكر وعالم الاحتمالات أن الهزيمة أمر وارد ومحتمل أما اشاعة نوع من اليقين بأن الفوز في جميع المباريات وتحت كل الظروف والاعتبارات أمر مفروغ منه واشاعة مثل هذا النوع من الفكر بين الجماهير يعتبر نوعاً من العبث وعدم الجدية والاستخفاف بالمسئولية فلم تعرف مثلا كرة القدم في تاريخها القديم والحديث فريقا لم يهزم في بعض مبارياته ولم يخسربعض البطولات. والرياضة لا يمكن ان تؤتي ثمارها مالم يسد في العقول والأذهان ويتشبع الفكر بما نطلق عليه الروح الرياضية والتي تعني أن نقول للمنتصر أحسنت ومبروك وأن نقول للطرف الآخر لم يحالفك الحظ ونتمني لك التوفيق في المرات القادمة. ولعل ما يلفت النظر في هذا المقام الأسلوب الذي تستخدمه الصحافة الرياضية أو بعضها وما يتبعه المذيعون والذي يمكن ان نضع أيدينا علي كثير من عيوبه في النقاط التالية: 1- تعلية سقف التوقعات للأمر الذي يجعل الجماهير مهيأة لاحتمال وحيد في كل الظروف وفي جميع الأوقات هو احتمال الفوز ولا شيء سواه فإذا ما حدث عكس ذلك فإن هناك دائما شماعات جاهزة نعلق عليها عدم التوفيق مثل ارض الملعب او سوء التحكيم او غيرهما من الأمور ومع أن مثل هذه الاشياء واردة وصحيحة وتقع في بعض الاحيان ولكنها لا يمكن أن تكون هي السبب الوحيد عند كل تعثر أو عدم توفيق. 2- الاستهانة بالخصم أو بالطرف الآخر وذلك بدعوي رفع الروح المعنوية لفريقنا وهذا لا يجانبه التوفيق ويمثل نوعاً من السطحية في التفكير فمن حسن الاعداد والاستعداد ان تعرف قدرات وامكانيات الطرف الآخر.. وفي الكرة مثل السياسة يلزم ان تتعرف علي خصمك بموضوعية وعقلانية دون ان تخدع نفسك او تخدع أهلك وذويك، وشرف لك ان تنتصر علي خصم قوي او تنهزم منه وليس علي خصم ضعيف.. ولقد عانينا كثيراً في كثير من أمور حياتنا ودفعنا ثمنا غاليا نتيجة الاستهانة بالخصم والمغالاة في تعظيم الذات. 3- التردد بين المتناقضات فإذا فرحنا انطلق الزمام وإذا خسرنا انتهت الحياة واذا كان هذا ضد معطيات الفكر السليم فإنه أيضا ضد تراثنا العظيم. لقد قال الزعيم مصطفي كامل ذات يوم إن النفوس الضعيفة هي التي يولد عندها الأمل بكلمة وينتهي بكلمة. وأخشي ما أخشاه أن يسود مثل هذا النوع من الفكر في شئون حياتنا فلا نري الأمر إلا علي أنه نهار أبيض أو ليل بهيم وهذا ضد ناموس الحياة وطبيعتها، الليل يعقبه النهار، والنهار يعقبه ليل وهكذا دواليك، ونحن دوما مطالبون ببذل الجهد والعناية الواجبة والتعلم من الدروس المستفادة من كل حدث يمر بنا أو بغيرنا دون أن يستخف بنا فرح أو يهزمنا حزن. ولابد هنا أن نذكر النادي الأهلي الذي خسر أمام النجم الساحلي بكل تاريخه "تاريخ النادي الأهلي" وقدراته سوف يطوي هذه الصفحة بعد أن تعلم منها ويستفيد وسيمضي في طريق البطولات يكسب ويخسر، ينتصر ويهزم وأبدا ستظل تلك هي طبيعة الأمور التي تستقيم مع التفكير السليم والفكر السديد وما عدا ذلك فهو نوع من التفكير لا نحبه ولا نبغيه.