بمناسبة الذكري الرابعة والثلاثين لانتصارات أكتوبر المجيد كتبت عن حلم يراودني وأمل يداعبني.. وقلت إنه حلم يمكن تحقيقه لو أستلهمنا روح نصر أكتوبر وكان عنوان المقال "أكتوبر 34 وحلم ممكن" وهذا الحلم يتعلق باصلاح الجهاز الإداري للدولة ولا سيما في المحليات لقد أصبح القاصي والداني يعلم ما آل إليه حال المحليات وما تردد بشأنها من أن الفساد قد يكون أصبح للركب فيها. ولعلي واحدا من الذين يعتقدون أن اصلاح الأحوال في مصر المحروسة لابد وبالضرورة أن يكون عبر جهاز إداري للدولة نظيف وكفء وأن هذا ممكن بكل المقاييس وبكل المعايير إذا توافرت أركان خمسة هي: أولا: أهداف واضحة ومحددة نحدد ماذا نريد أن يكون عليه حال الجهاز الإداري للدولة وحال المحليات ولا يعني ذلك أن تلك الأهداف ليست معروفة أو انها صعبة التحديد ولكننا نقصد هنا وضع أهداف إصلاحية وعلاجية تعدل الحال المايل وتصحح الأوضاع المقلوبة وتقضي علي الفساد وتجفف منابع الترهل والتسيب وعدم الجدية. ثانيا: وضع آليات لتحقيق تلك الأهداف: والمقصود بالآليات هنا الجهات والإجراءات والبرنامج المتعلق بتحقيق الأهداف وانجاز برنامج الاصلاح بحيث يكون واضحا من المسئول؟ ومسئول عن ماذا؟ وما هي الاجراءات التي تلزمه لأداء تلك المسئولية؟ ثالثا: وجود تشريعات وسياسات مساندة وداعمة: ذلك أن اصلاح الجهاز الإداري يلزمه قوانين وتشريعات تساند عملية الاصلاح وتضبط قواعدها وتقوم علي مفاهيم وفلسفة مختلفة عن القوانين الحالية ذات الصلة مثل قانون الإدارة المحلية وقانون المحاسبة الحكومية وغيرهما من القوانين والتشريعات والنظم واللوائح التي أدت إلي ترهل الجهاز الإداري وجعلت من العسير المسائلة والمتابعة والتصحيح. كما أن وجود سياسات وتوجهات مجتمعية تعلي من قيمة المشاركة والتمسك بالحقوق وأداء الواجبات ولا تقبل إهدار الحق في خدمات عامة جيدة أو التخاذل في اداء الواجب وعدم مساءلة المقصر وعدم فاعلية المجتمع المدني في تنمية هذه السياسات وتلك القيم هي من ألزم الأركان لعملية الاصلاح. رابعا: المتابعة والمساءلة: لعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن هذا العنصر أو ذاك الجانب هو الأهم في منظومة أي إصلاح لأن غياب المتابعة أو ضعفها واختفاء المساءلة لا يعني إلا التراجع والفوضي والفساد وكل ما يمكن أن نتخيله من ضياع الأمل. خامسا: التقييم والتصحيح: ذلك أن فلسفة الثواب والعقاب التي ينصلح بها أحوال العباد والبلاد إنما تستلزم تحديد ما انحرف عن السبيل لتصحيحه وتقويمه بعد مدارسة أسبابه كما تستدعي تحديد ما جاء وفقا لما هو مستهدف ومرغوب والمكافأة عنه والاحتفاظ بأسبابه وعوامله فليس جزاء الاحسان إلا الاحسان وليس جزاء الاساءة إلا التقويم. وتلك العناصر الخمسة ليست اختراعا أو ابتكارا ولا جهد لنا فيها فهي من البديهيات كمنهج يصلح للتطبيق في مختلف القضايا ولكن المشكلة كل المشكلة في وضع هذا الإطار موضع التطبيق بكل جدية وأمانة وبمشاركة كل القوي الفاعلة من مؤسسات حكومية أو منظمات مدنية أو أحزاب سياسية أو نقابات مهنية أو أجهزة إعلام قومية وغير قومية.. انها قضية الجميع إذا صدق العزم فيها يمكن أن تؤتي ثمارها ولكن علي الدولة والحكومة مسئولية تنسيق جهود مختلف تلك الجهات وقيادتها كما أن علي الحزب الحاكم باعتباره صاحب الأغلبية وصاحب التأثير الأكبر أن يساند هذا الجهد ويعتبره أحد التحديات الكبري التي يلزم أن يعطيها اهتمامه وأن تكون لها الأولوية في برامجه وسياساته. ولعل ما طالعتنا به الصحف من قيام الدكتور وزير الدولة للتنمية الإدارية الأستاذ الدكتور أحمد درويش باصدار قرار بتشكيل لجنة دائمة بالوزارة تختص بدراسة واقتراح سبل آليات المحاسبة ومكافحة الفساد بوحدات الجهاز الإداري للدولة والقطاعات الحكومية والعامة - لعل ذلك - يعتبر خطوة مهمة علي هذا الطريق لاسيما وأن الوزير قد أوضح - وفقا لما نشر بالصحف - أن اللجنة سوف تختص بوضع استراتيجية قومية لمكافحة الفساد ووضع آليات لتفعيل تلك الاستراتيجية واقتراح الإطار التشريعي والقوانين واللوائح ذات الصلة التي تؤدي إلي مزيد من الشفافية والنزاهة وتعزز المساءلة والمحاسبة وترصد حالات الفساد الإداري والجهود الحكومية في التصدي لها ووضع آليات سد الثغرات وإيجاد نظام فعال لخدمة المواطنين وتلقي شكواهم مع توفير آلية لمتابعتها بالإضافة إلي وضع برامج لتنمية ثقافة التمسك بالحق لدي المواطنين وتطوير الخدمة المدنية للارتقاء بالعاملين المدنيين بالدولة. إنه أمل جديد ندعو الجميع إلي المساهمة في تحقيقه.