لأيام ظللت لا أجرؤ علي فتح كتاب المبدع محمد سلماوي عن المحطة الأخيرة.. كنت أعرف عمق تقدير نجيب محفوظ للكاتب الكبير، ولكن تفاصيل ما أضافه محفوظ لسلماوي في أول كتاب أصدره هي التي أعطت لطاقة الوفاء عند هذا الكاتب أن تتفجر، ثم جاءه شرف اختيار نجيب محفوظ له كي يمثله مع بناته في حفل جائزة نوبل، لتتوالي من بعد ذلك امواج أحلامنا التي اصطدمت مع ما نملكه من تخلف، فجاء من يطعن الشامخ العظيم في رقبته، فيحتاج الي من ينقل عنه أفكاره، وألا يوافقه علي كل ما يقول، فيختار محمد سلماوي، لأنه ليس روائيا بل كاتبا مسرحيا، فضلا عن قدرته علي إثارة اسئلة بسيطة تقتحم أصعب المناطق بأدق وأرق الكلمات معا. وفتحت كتاب سلماوي رئيس اتحاد الكتاب العرب، وهو دائما القادر علي ان يضيف الي كل مكان يوجد فيه دون انتظار شيء من أحد.. ووجدت الكتاب أقرب الي سيمفونية من المعاني تشرح من أضاف لنا ببصيرة نادرة معظم ما قابلنا من متاعب، وبكي بدموع سرية علي حبيبة مفقودة هي السيدة التي رمز لها بحرف "ع"، ولكن ذاكرة سلماوي تتبعت حديثه عن عين في أكثر من موقع في رحلته الادبية، فجاء ذكرها في كتاب سلماوي، وكأنها قادت الشوق المضطرم في قلب محفوظ اليها. وأنا كاتب هذه السطور أعلم جيدا "أن الموت لا يستطيع أن يفرق بين الأحبة". إن أشواق نجيب محفوظ الي الرحيل هي التي قادت أيامه الاخيرة، وإن جاء الطب بكل محاولات كريمة المظهر، إلا أن تلك المحاولات افتقدت القدرة علي فهم الروح التي تسكن الجسد، ولعلي عاتب بيني وبين نفسي علي الاستاذ الدكتور حسام موافي وهو من هو في علم امراض الباطنية، حين عجز عن تذكر حقيقة ان في مصر طب شيخوخة ممثلا في زميلته الاستاذة الدكتورة مديحة خطاب التي أوكلت اليها جمعية طب الشيخوخة في العالم مسئولية نشر هذا العلم بقواعده وتدريباته في الشرق الأوسط، وأعتب أيضا علي د.مديحة انها لم تسرع الي مستشفي الشرطة كي تفرض نفسها بما تملكه من علم علي زملائها هناك، فالعتب مشترك بين من لا يتذكر زميلة له، وبين الزميلة التي تعرف انها متخصصة في مجال كنا نحتاجه في علاج كاتبنا الكبير، ولكن ما يجعلنا ننسي العتب والعتاب هو ان نجيب محفوظ بارادته الحرة اراد ان ينتهي، ولم تكن محاولة الابقاء عليه سوي قهر بإرادته الخاصة. لقد عرف الرجل انه اكتمل، ولم يفقد للحظة الاخيرة دماثة خلقه ورقة طباعه، وكلمة "متشكر" والسؤال عن سعر كتاب "أحلام فترة النقاهة" في طبعته الجديدة. إن كتاب محمد سلماوي عن الرحلة الاخيرة لنجيب محفوظ هو ابداع لم نعرف له مثيلا في شفافية الوداع. وأثق أن كلمة "شكرا أيها المبدع الكريم" ستكون هي أول كلمة ينطق بها كل من يقرأ هذا الكتاب الرائع.