بعد انتهاء الضجة الواسعة التي عاشتها مصر علي مدي الاسبوعين الماضيين التي بدأت بتصريح لوزير الثقافة فاروق حسني حول الحجاب، وهي الضجة التي انتهت كما شاهدنا علي "فاشوش" كما يقول المصريون في امثالهم الشعبية. السؤال هو: ماذا استفدنا كشعب مما قيل ومما نشر حول تلك التصريحات التي لم تكن اصلا للنشر باعتراف الرجل عدة مرات بان رأيه الذي ادي للازمة جاء في سياق دردشة..! ولكن "نفسي اعرف" من الذي نفخ في النار وشعللها وولعها بذلك الشكل..؟! الشيء المؤكد هو خسارة واضحة.. وملموسة للجميع: الحكومة.. الصحافة.. مجلس الشعب.. وكذلك الناس.. حيث ضاع وقت الجميع فيما لا ينفع ولا حتي يضر. وإذا كانت الحكومة تهدف من وراء تلك الضجة ان تثبت للناس وللعالم الخارجي ان مصر تعيش ازهي عصور حرية الرأي والتعبير، فقد اساءت التقدير، كما ان الحكومة التي صرح رئيسها - بعد فوات الاوان - بان كل شخص له الحق في التعبير عن رأيه بحرية، ماشي، بس بعد ايه! بعد الهنا بسنة.. وأين كانت الحكومة، وأين كان الانسجام الوزاري المفترض وجوده في كل الأوقات..! لقد أمضيت الأسابيع الثلاثة الماضية في مهمات صحفية خارج مصر وكنت اخجل من كوني مصريا عندما كنت اقرأ تعليقات الصحافة والناس في البلاد التي زرتها..! هل يعقل ان يتجادل شعب يبلغ عدد سكانه أكثر من 70 مليونا من البشر حول الحجاب، وعما اذا كان ارتداؤه حلالا أم حراما في الوقت الذي نري دولة اسلامية كبري مثل باكستان تطلق صاروخا يستطيع حمل رؤوس نووية، بينما نحن لا نزال نناقش هذا الموضوع، وإيران تشغل الآن الرأي العام العالمي بأكمله حول برنامجها النووي.. ونحن نشغل الرأي العام حول مشكلة الحجاب..! ذلك كله يذكرنا بحواديت أهل بيزنطة الذين ظلوا يتناقشون حول طبيعة الجن والعفاريت وعما اذا كانت ذكرا أم انثي..! إلي ان استسلموا للغزاة وانهزموا وراحت دولتهم..! اننا امام مرحلة مهمة من حياتنا هي التي سوف تتقدم فيها الحكومة أو مجلس الشعب بالتعديلات الدستورية التي ينتظرها الشعب التي ترسم مستقبله، وحتي هذا الامر سمعنا ان نزاعا يدور الان بين الحكومة ومجلس الشعب حول من يحق له التقدم بتعديل مواد الدستور..! هل من الصعب ان نتعلم من تجارب الاخرين.. وان نترك الخناقات الجانبية جانبا، ألا يجب أن نخجل من انفسنا بعد ان حذفت اي جامعة مصرية من قائمة أحسن 500 جامعة في العالم..! وألا يجب ان نخجل من تصريحات حكومتنا التي مازالت تعلنها عن قرب توصيل مياه الشرب النقية لكل قري مصر..! وألا يجب ان نخجل من تكدس التلاميذ في مدارس صارت أشبه بعلب السردين بالاضافة الي انعدام العملية التعليمية.. او حتي التربوية. إننا في محنة حقيقية.. ومع ذلك فنحن مشغولون بالحجاب علي رأس المرأة.. إننا في أمس الحاجة الي تغيير ما بداخل الرأس وليس الذي علي الرأس. أرجوكم وارجو جميع العقلاء في هذه الامة ان يفعلوا شيئا، لمصلحة مصر.. والناس!!