نعم لا نمل من الكتابة في موضوع التعليم فهو بحق قضية حياة ومصير.. ولن نمل من ان نعاود فيه الكتابة مرات ومرات كلما دعت الحاجة الي ذلك.. وهذه الايام تطرح علي الساحة وفوق مسرح الاحداث ملامح لمشروع قانون جديد للجامعات يستهدف احداث نقلة نوعية في التعليم الجامعي.. ويطرح ولأول مرة قضايا جديدة تماما علي بيئة التعليم الجامعي عندنا وهو الامر الذي ازعج البعض وجعل البعض الاخر يوجه النقد لوزير التعليم العالي لانه كما يري هذا البعض لم يعط الفرصة لنوادي اعضاء هيئة التدريس لمناقشة مشروع القانون بشكل جاد وكاف وان ما يجري من مناقشات في هذا الصدد تكاد تكون في اطار القيادات الجامعية التي سوف تحرص علي عدم اغتصاب الوزير لمشروع القانون الجديد.. وكل طرف من الاطراف لديه مبرراته واسبابه التي يعتد بها.. فالوزير بحق يري ان قانون تنظيم الجامعات الذي صدر منذ حوالي 34 سنة لم يعد يحقق المتطلبات اللازمة في ظل المتغيرات المستجدة محلية واقليمية ودولية ولم يعد التعليم العالي لدينا في ظل هذا القانون الحالي قادرا علي المنافسة في الاسواق العالمية بل وحتي الاقليمية.. ولا يختلف احد مع هذا لاسيما ونحن نشاهد انخفاض مستوي مخرجات التعليم وعدم قدرتها علي الاندماج في اسواق العمل.. وافتقاد المهارات والقدرات المطلوبة للنهوض بالمجتمع ودفع قطاعات الانتاج والابتكار.. والبعض يري ان النظام الحالي ادي الي عدم اهتمام الاساتذة الجامعيين بالقدر الكافي كما ان هيمنة المجلس الاعلي للجامعات تنال من استقلالية وحرية الجامعات في ظل النظام القائم ايضا فضلا انه لا يمكن تصور انه لا يمكن تعديل لائحة او تعيين مدير الا بقرار من الوزير ويضاف الي ذلك ان نظام الاقدمية وحده مازال يسيطر علي الاداء الجامعي.. وهذا كلام جميل وهو يعطي لتعديل قانون الجامعات الحالي الف مبرر ومبرر وحتي بدون كل هذه الاسباب والحيثيات لان الدنيا قد تغيرت كثيرا عما كانت عليه من 34 سنة ونحن قد تغيرنا وجرت في النهر مياه كثيرة. فأهلا بالتطوير واهلا بقانون جديد للجامعات ولكن السؤال اي تطوير نريد واي قانون يناسب؟ تلك هي القضية.. ونحن بصددها امام احتمالات ثلاثة هي: الاحتمال الاول: ان نترك امر تحديد ماهية التطوير اللازم وتوجهاته ومحاوره وآلياته للحكومة وحدها ومن ثم يترك لها إعداد التشريع الجديد الذي يحقق ذلك.. علي طريقة ان الحكومة هي ماما وهي بابا وهي التي تعرف كل شيء. وهذا الاحتمال لا اعتقد ان الحكومة يمكن ان تسعي اليه ولا يمكن ان تريده.. لان ذلك ببساطة لم يعد مقبولا لاسيما بالنسبة لأساتذة الجامعات ايا كان النقد الذي يوجه لهم او بعضهم من انهم اهتموا بمكاتبهم واهملوا الجامعة.. او غير ذلك من اوجه النقد.. فلا يعقل ان تنفرد الحكومة باعداد التشريع بعيدا عنهم حتي لو كانت غاضبة منهم فالقانون في النهاية يجب ان يعرض عليهم وان يشاركوا في بلورته وتحديد توجهاته ومساراته وآلياته لانهم في النهاية هم الذين سيخضعون له ويقومون بتنفيذه. الاحتمال الثاني: ان ينفرد اساتذة الجامعات من خلال انديتهم بوضع تصورات التطوير المطلوبة واقتراح التشريع اللازم لها علي طريقة نادي القضاة عندما وضع معالم التشريع ومواده وحاول ان تقوم الجهات المختصة باصداره علي النحو الذي وضعوه.. ثم حدث ما حدث. وهذا الاحتمال ايضا لا اظن انه الافضل او الانسب لانه لو ترك لكل فئة ان تضع التشريع الذي ينظم اعمالها دون ان تشارك جهات الاختصاص الاخري في هذا الشأن لجاءت التشريعات غير متوازنة بل وغير فعالة او ملائمة. الاحتمال الثالث: أن يشارك الطرفان أي الجهات المعنية واساتذة الجامعات الذين سينطبق عليهم القانون في وضع تصورات التطوير ومجالاته وآلياته.. وذلك له عدة صور يمكن ان يتم بها ومن خلالها ومنها علي سبيل المثال: 1- ان تقوم الحكومة بوضع مشروع القانون في ضوء التوجهات التي تسعي لتحقيقها من اجل نهضة حقيقية في الجامعات تنهض بالبحث العلمي وبالتعليم العالي.. وان تعرض هذا التصور علي اساتذة الجامعات ممثلين في كلياتهم او جامعاتهم او نواديهم وان تسعي بالفعل الي حوار حقيقي يضع الامور في الاتجاه الصحيح والمقبول والمناسب. 2- أن تختار كل كلية وكل جامعة لجنة من اساتذتها تتولي دراسة مشروع القانون ومناقشة ما تنتهي اليه مع الحكومة للتوصل الي مشروع متوازن ومقبول بالعقل والمنطق والحكمة. 3- أن تقوم وزارة التعليم باستطلاع آراء رؤساء الجامعات والقيادات الجامعية باعتبارها معبرة عن جامعاتها بالنسبة لمشروع القانون.. وان تكتفي بذلك. ولعل مناقشة مشروع القانون علي اوسع نطاق هو الاسلوب الافضل لان هذا التشريع يخص المجتمع في حاضره ومستقبله وينبغي ان يأتي استجابة لمتطلبات ومصالح هذا المجتمع.. والمجتمع ليس الحكومة وحدها وليس اساتذة الجامعات وحدهم.. وقد لا يكون مفهوما من وجهة نظر الاساتذة - أو بعضهم علي الاقل - لماذا لم يعرض مشروع القانون علي نوادي أعضاء هيئة التدريس لابداء الرأي فيه. كل ذلك ايها السادة من حيث الآليات والمنهج الملائم لوضع واقرار مشروع قانون جديد للجامعات اما وانه قد اصبحت هناك معالم لهذا التشريع او ملامح له فان السؤال بغض النظر عن كيفية وضعت تلك الملامح وهذا المشروع كيف نبدي الرأي ووفقا لاية معايير وضوابط لاسيما ان البعض يحذر من خطورة التغيير المفاجئ لقوانين الجامعات بدون الاعداد الكافي واللازم لذلك، السؤال مهم ايها السادة ولعلنا نضع هنا اطارا مختصرا للاجابة عليه علي ان نناقشه في الاسبوع القادم بمشيئة الله. 1- من المهم ان يتم تقييم مشروع القانون الجديد في ضوء الاهداف التي نريدها من التعليم الجامعي سواء بالنسبة للبحث العلمي او التعليم والتدريس. 2- من المهم كذلك ان يعالج التشريع الجديد نواحي ومجالات التصور القائمة في التشريع الحالي بالنسبة لجميع محاور التعليم الجامعي. 3- من المهم كذلك ان ننظر حولنا لكي لا نتخلف عن الاخرين في النهوض بالتعليم والمنافسة معهم والتعامل وفقا للمعايير الدولية في هذا الصدد. 4- من المهم كذلك ان يكون هناك توازن عادل بين ما نريد من الاساتذة وما نعطي لهم ماديا ومعنويا. كل القواعد سنعود لتفصيلها بمشيئة الله.