لم يكد العالم يبدأ في التأقلم مع الارتفاع الجنوني في اسعار النفط حتي تلقي صدمة جديدة من صعود اسعار مصدر آخر للطاقة الا وهو السكر. وترجع منظمة السكر العالمية هذا الارتفاع الي تراجع المخزون وقوة الطلب في روسيا متوقعة اتساع الفجوة بين الانتاج والطلب بايقاع ضعف توقعاتها السابقة هذا العام. ومما لا شك فيه ان موجات الجفاف التي ضربت انحاء عديدة في العالم والاعاصير التي اجتاحت الولاياتالمتحدة الفصل الماضي كلها ساهمت في انكماش مستوي الامدادات وارتفاع الاسعار خلال الاشهر الاخيرة. وقدرت المنظمة التي تتخذ لندن مقرا لها هذا العجز ب2.225 مليون طن في عام 2005 / 2006 ارتفاعا من تقديراتها البالغة 1.015 مليون طن في نوفمبر. وشهد العامان الماضيان تضاعف اسعار السكر الخام باكثر من ثلاثة امثاله في بورصة نيويورك لتقفز اسعار العقود الآجلة مؤخرا الي نحو 19 سنتاً للاوقية فيما يعد اعلي مستوياتها في 25 عاما وضعف متوسط اسعار السكر الخام طوال العقد الماضي. وساهم في ذلك تلف محاصيل السكر في تايلاند والبرازيل اللتين تعدان اكبر مصدري الخام نتيجة لسوء الاحوال الجوية. ومن اسباب ارتفاع تكاليف الخام ايضا هبوط المخزون للعام الثالث علي التوالي في 2005.يشار الي ان حجم العجز في امدادات السكر بلغ 3.726 مليون طن في 2004 / 2005. البرازيل أكبر المنتجين وتوقعت المنظمة في تقريرها ان يبلغ حجم انتاج السكر الخام في البرازيل اكبر المنتجين و المصدرين في عام المحصول الذي ينتهي ابريل المقبل 28.5 مليون طن مقارنة ب 26.7 مليون طن في العام السابق عليه. وتنبأت بصعود الانتاج الي 30.4 مليون طن في العام المقبل. وسوف تخصص البرازيل 50 % فقط من انتاجها للتصنيع في عام المحصول الجديد ارتفاعا من 48.9 % هذا العام مما يقلص حجم المعروض في السوق العالمي ويدفع الاسعار الي المزيد من الارتفاع. اما باقي الانتاج فسوف يخصص لصناعة الايثانول التي تحتل البرازيل فيها المركز الاول علي مستوي العالم. يشار الي ان الارتفاع القياسي في اسعار النفط شجع الدولة الامريكية الجنوبية علي تعزيز صناعة تحويل السكر الي الإيثانول الذي تستخدمه كوقود للسيارات علي نطاق واسع. وتستحوذ السيارات المرنة الوقود التي تسمح لقائديها بتنويع نسب الجازولين والايثانول التي يستخدمونها علي أكثر من 48 % من اجمالي مبيعات السيارات في البلاد. وتري منظمة السكر العالمية ان البرازيل ستواجه اختيارا صعبا هذا العام بين توفير الطلب المحلي المتزايد علي الايثانول وزيادة جاذبية اسعار السكر عالميا في ظل صعودها المتواصل. الطاقة وهنا تكمن المشكلة الحقيقية وراء ازمة السكر نظرا للتوجه المتزايد نحو تنويع مصادر الطاقة وعدم قصرها علي النفط وغيره من الوسائل التقليدية. فعلي سبيل المثال دعا الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش في العديد من المناسبات الي تعزيز الاستثمارات في مجال تصنيع الايثانول من اجل تقليص الاعتماد علي الواردات النفطية القادمة من الشرق الاوسط.الا ان الولاياتالمتحدة تعتمد في هذه الصناعة علي المخلفات الزراعية مثل قش القمح اكثر من السلع الرئيسية مثل السكر والذرة. وهناك مخاوف من امتداد ازمة السكر الي غيره من السلع مثل الذرة وزيت النخيل التي تستخدم جميعها في انتاج الايثانول وغيره من مصادر الطاقة مثل زيت الديزل الثنائي الذي يصنع من مشتقات الزيوت النباتية. وشجع هذا المزارعين في جميع انحاء العالم اول المنتفعين من ارتفاع اسعار المحاصيل علي زيادة انتاجهم في ضوء التوقعات بزيادة الشهية العالمية لمثل هذه الانواع البديلة من الوقود. قطاع الحلوي اما علي جانب المتضررين اعربت شركات الحلوي عن قلقها من ارتفاع تكاليف السكر وغيره من المنتجات الزراعية مما يضر بهامش الربح. وعلي سبيل التوضيح توقعت شركة جنرال ميلز لصناعة الحلوي ان تقفزتكاليف المنتجات الزراعية وحدها بنحو 25 مليوناً عن توقعاتها السابقة. فقاعة يخطط اكبر اربعة مصدرين للسكر في العالم وهم البرازيل والاتحاد الاوروبي واستراليا وتايلاند لرفع سعتهم الانتاجية من الايثانول وغيره من بدائل الوقود خلال الاعوام المقبلة.الا انه نظرا لحداثة سوق الايثانول علي الساحة العالمية وافتقار معظم الدول للبنية الاساسية الضرورية لاستخدام هذا النوع الجديد من الوقود فلا يمكن التكهن بمدي استمرار قوة الطلب خاصة اذا بدأت اسعار النفط في التراجع. ويري بعض المحللين ومن بينهم ليوناردو بيكارا روكا احد خبراء منظمة السكر العالمية ان سوق السكر في طريقه الي استقبال فقاعة. واشار الي ان بعض الارتفاعات الاخيرة ربما كانت مبرراً نتيجة لتجاوز مستوي الطلب لحجم المعروض الا انه قال ان المستوي القياسي الحالي لاسعار السكر لن يجد تبريرا له علي المدي الطويل. واضاف ان انخفاض الانتاج هذا العام يعود الي اسباب مؤقتة منها الطقس السيئ في بعض الدول المنتجة و في حالة انتفاء هذه الاسباب يعود التوازن مرة اخري الي الاسعار. وتري شريحة اخري من الخبراء ان الايثانول واحوال الطقس يبرران من 12 الي 13 سنتا فقط من ارتفاع اسعار السكر. وعزوا النسبة الباقية من الزيادة الي صناديق الاستثمار والمضاربين البارزين اللذين حققوا مكاسب طائلة من المضاربة علي النفط وغيره من المواد الخام في 2004 و2005 وسط ايمانهم بان صناعة الايثانول ستجعل السكر علي رأس قائمة الخامات. ويدور الامل حاليا حول توجه المنتجين مرة اخري الي انتاج السكر الخام بدلا من الايثانول طمعا في الاستفادة من ارتفاع اسعاره مما قد يعود بها الي الخلف مرة اخري. السوق المحلي ولم يكن السوق المحلي بمنأي عن هذه الزيادة في اسعار السكر التي اشتعلت بدون مقدمات من 225 قرشا الي ثلاثة جنيهات ونصف للكيلو حاليا. ولان الشعب المصري كثير الاستهلاك للسكر حيث يستهلك ما يقرب من 2.3 مليون طن سنويا مقارنة بانتاج لا يزيد علي 1.1مليون طن تدفق المواطنون بقوة علي المتاجر لشراء الكميات المتاحة لتخزينها تحسبا لتفاقم الازمة. ورغم محاولة الحكومة احتواء الازمة من خلال زيادة دعم السكر بنحو 50 مليون جنيه لم يشعر المواطن بفارق كبير في مستوي الاسعار نتيجة لجشع واستغلال التجار اللذين اخفوا مخزونهم للمحافظة علي ارتفاع الاسعار رغم ان هذا المخزون قديم وقاموا باستيراده قبل موجة الارتفاعات في الاسعار العالمية. وفي مواجهة هذا الجشع دعت الجمعيات الاستهلاكية الحكومة للاعلان عن سعر موحد للسكر للحيلولة دون استغلال التجار للمواطن وحتي لا يؤدي هذا الاستغلال الي ارتفاعات في اسعار السلع الرئيسية الاخري.