وقفت فرحة وحائرة لا تعرف ماذا تقول، ولمن توجه كلامها، في حفل توزيع جوائز الأوسكار صباح الاثنين- الساعة الخامسة فجرا بتوقيت القاهرة- وحيث يفرق التوقيت كثيرا بيننا وبين أمريكا، أتحدث عن ميريل ستريب نجمة التمثيل الخارقة، والتي تمتلك من الموهبة والاجتهاد ما يفوق الكثيرات غيرها في كل مكان في العالم، ميريل حصلت علي «الأوسكار» في هذه الأمسية عن دورها في فيلم «المرأة الحديدية» الذي يدور حول شخصية وحياة مارجريت تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية السابقة والتي اشتهرت بأنها «أقوي رجل في بريطانيا» علي مدي سنوات حكمها التي امتدت لفترتين، وبرغم «عنصرية» هذا التعبير الذي يجرد المرأة الحاسمة والحازمة من صفة القوة، فإن تاتشر في سنوات حكمها اقدمت علي القيام بإصلاحات واتخذت قرارات أثرت كثيرا علي حياة بلدها وأوربا من خلال انتمائها لحزب المحافظين، ودافعت عن ما قامت به من وجهة نظرها المحافظة التي أثارت غضب الكثيرين ممن ينتمون للأحزاب العمالية والاشتراكية، وفي الفيلم استطاعت ستريب أن تتقمص شخصية تاتشر وأن تعيد إلينا تاريخ المرأة الحديدة في جانبين مهمين، أولهما القدرة التي استقبلت بها وجهات نظر المتخصصين في «تحويل» الممثل إلي الشخصية الدرامية المطلوب تقمصها، بمعني احترام وجهة نظر فناني الملابس والماكياج والديكور وكل هذه اللوازم المهمة للممثل ليتحول إلي الشخصية التي يختفي وراءها، أما الجانب الثاني، وأعتقد أنه الأهم، فهو الاجتهاد الشخصي للممثل في البحث وراء الشخصية وتعقبها، ثم الخروج بوجهة نظرها علي الشاشة- هي بالطبع وجهة نظر المؤلف والمخرج- ولكن اقتناع الممثل بالدور والشخصية يظل أمرا أساسيا وإلا لن تصل الرسالة إلي الجمهور، وقد اجتهدت ستريب كثيرا في التعامل مع الشخصية، وفي تقديم اضافات مهمة ومؤثرة منها مثلا محاولة تغيير طبقة صوتها لتصل إلي طبقة صوت تاتشر وأسلوبها في الحديث، وحين وقفت علي المسرح بعد أن حصلت علي الجائزة من بين أدوار أخري مهمة لممثلات آخريات مجتهدات وقادرات وموهوبات بدت هذه الممثلة العملاقة كأنها طفلة لا تعرف ماذا تقول، بدت سعادتها طازجة رغم ذكرها أنها رشحت من قبل للجائزة 17 مرة، وحصلت عليها بالفعل مرتين من قبل ولكن، لازالت مندهشة ولازالت متفاجئة بها ولازالت لديها المقدرة علي أن تكون بسيطة بلا أي تعقيد، سواء في ملبسها أو تسريحة شعرها أو كلماتها التي قالت ما لم يقله الكثيرون الذين حصلوا علي الجوائز وكتبوا بيانات لإلقائها في تلك اللحظات، قالت ستريب إنها سعيدة لعملها مع اصدقاء تحبهم طوال سنوات عمرها وأن صديقها المصمم الفني للفيلم زميل رحلتها الطويلة (حصل هو أيضا علي أفضل تصميم فني لهذا العمل) وأنها تشكر هؤلاء الزملاء والأصدقاء الذين أحسنوا الظن بها فأتاحوا لها فرصا عديدة للقيام بأدوار مهمة، كانت تؤكد علي معان مهمة وكبيرة منها أهمية التفاهم والمحبة بين زملاء العمل الواحد في الوصول إلي الإبداع، وحين نتأمل مسيرتها منذ أول أفلامها (كرامر ضد كرامر) مع الممثل الكبير داستين هوفمان نجدها فاجأت العالم بحصولها علي الجائزة عن الدور الثاني قبل أن تتقدم إلي الأدوار الأولي في كل اتجاه لتلعب دور المرأة الناضجة والمرأة الوحيدة والمرأة القادرة علي صنع الحياة، ومن بين أكثر الأدوار مأساوية كانت الابتسامة تنفذ إلينا في لحظة من اللحظات التي لا نتوقعها، ميريل ستريب بمسيرتها تقدم الدليل علي أن النجومية ليست في سحر العيون والقوام الممشوق وتغيير «اللوك» باستمرار، ولكنها بالقدرة علي الأداء الجميل، والاجتهاد الكبير الذي يحمل إلينا الشخصية متكاملة فتصلنا وتدفعنا دفعا للتفاعل معها، كل هذا نتاج ثقافة فنية لا تضع التجارة فقط في المقام الأول، ولا تتغاضي عن تقديم أعمال مهمة لأنها غير جماهيرية، أو تسقط قضايا الحياة من الحساب لأن أبطالها قد يكونون عبروا مرحلة الشباب وبالتالي لا يصلحون للبطولات السينمائية.. لو فكروا في السينما العالمية بهذا المنطق لما رأينا هذه الممثلة العملاقة أبدا ولا غيرها فالإبداع لا يحتكره جيل بمفرده وهو ما يدركه السينمائيون خارج مصر غالبا..