استعادة جهاز الشرطة أعادت جريمة الاغتيال الجماعي لجماهير النادي الأهلي «أو بشكل أدق ألتراس الأهلي» في استاد بورسعيد عقب مباراة «المصري والأهلي»، طرح قضية الشرطة المصرية وممارساتها القمعية ضد الشعب المصري، وقد يكون عديد من المصريين قد نسوا - أو لم يعرفوا أصلا - أن ثورة 25 يناير بدأت بدعوة للتظاهر والاحتجاج علي قمع الشرطة وعنفها ضد المواطنين يوم 25 يناير 2011، وتم اختيار يوم 25 يناير من القوي المختلفة الداعية باعتباره «عيد الشرطة»، ويوم فخرها واعتزازها والشعب المصري كله، عندما تصدت قوات الشرطة وبلوكات النظام في الإسماعيلية لقوات الاحتلال البريطاني ومنعت تقدمها واحتلالها لمديرية الأمن حتي نفدت ذخيرتها، وهو ما أجبر قائد قوات الاحتلال لتحية قائد الشرطة المصرية تحية عسكرية لحظة الاستسلام. وبدءا من 25 يناير 2011 وحتي موقف الشرطة في بورسعيد يوم الأربعاء الماضي (1 فبراير 2012) توالت الوقائع التي تضع الشرطة في موقع الاتهام والصدام مع الرأي العام، رغم أن ضباطها وجنودها هم أبناؤنا وإخواننا وآباؤنا وجزء أصيل من الشعب المصري، ومهمتهم هي توفير الأمن لكل المصريين. كانت مشكلة جهاز الشرطة قبل ثورة 25 يناير، أن نظام الحكم الاستبدادي القائم في مصر استخدم جهاز الشرطة الذي ينص الدستور علي أنه «هيئة مدنية نظامية.. تؤدي واجبها في خدمة الشعب، وتكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن، وتسهر علي حفظ النظام والأمن العام والآداب..» استخدمه كسلاح وقوة «عسكرية» منظمة لقهر الشعب المصري وإشاعة الخوف وحماية اللصوص الكبار في قمة السلطة وتزوير الانتخابات، وممارسة التعذيب والمعاملة السيئة في أقسام الشرطة والسجون والمعتقلات وأماكن الحجز، وأدت هذه الممارسات خاصة في ظل حالة الطوارئ التي تكاد تكون معلنة في مصر بصفة دائمة، إلي خلق فجوة بين الناس والشرطة ونمو نظرة عداء بين الطرفين، رغم الجهود والتضحيات التي قدمها ضباط وجنود شرفاء في جهاز الشرطة في تأدية دورهم الأصلي وهو توفير الأمن للمواطنين، واستشهاد عشرات منهم خلال قيامهم بتنفيذ واجباتهم، لقد حول نظام الحكم في مصر جهاز الشرطة من جهاز لخدمة المجتمع والمواطنين إلي جهاز لخدمة نظام الحكم والحكام. وبعد 25 يناير 2011 تصدت قوات الشرطة تحت إمرة وزير الداخلية «حبيب العادلي» ورئيس الجمهورية «حسني مبارك» للمتظاهرين والمشاركين في الوقفة الاحتجاجية بميدان التحرير - وميادين مصر الأخري - وقتلت المئات منهم بدم بارد، ثم اختفت تماما اعتبارا من يوم 28 يناير ومهدت بذلك لموقعة الجمل، ولغياب الأمن عن الشارع المصري وتنامي ظاهرة البلطجية والهجوم علي أقسام الشرطة وحرقها. وعندما عادت الشرطة إلي الشارع مرة أخري وسط ترحيب من الرأي العام الذي عاني من الانفلات الأمني، مارست إضرابا غير معلن وبدا أنها تعاقب المواطنين علي رفضهم لقمعها وممارستهم القهر ضد الناس. وفي عدد من الجرائم الكبري التي عاشتها مصر بعد الثورة مثل جريمة «مسرح البالون» وجريمة «ماسبيرو» وجريمة «السفارة الإسرائيلية» وجريمة «مجلس الوزراء» وجريمة «محمد محمود»، طالت الاتهامات جهاز الشرطة والمجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي أصبح شريكا في توفير الأمن الداخلي لمصر. ومع ذلك لا يمكن تحميل جهاز الشرطة وحده مسئولية كل هذه الجرائم وآلاف الضحايا الذين سقطوا - ومازالوا - خلال هذه الفترة، فالمؤكد أن نظام الحكم القائم حاليا هو امتداد لنظام حكم السادات ومبارك، لقد سقط رئيس الجمهورية «رئيس النظام» وعدد من معاونيه، ولكن النظام القديم مازال قائما بمنهجه وأسلوبه وسياساته وعديد من أشخاصه في كل المواقع التنفيذية. والمؤكد أيضا أن فلول النظام الذي حكم مصر طوال العقود الماضية مازالوا يملكون المال والنفوذ والسلطة ويخوضون معركة بقاء بكل عنف وضراوة لكي لا يقوم نظام جديد يؤسس لدولة مدنية ديمقراطية حديثة. والمجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي خلع رئيس الجمهورية السابق ووريثه وعددا من المعاونين لم يقم بثورة، وإنما خلع الرئيس السابق لكي لا يسقط النظام، أي ليضمن استمرار النظام القديم الذي هو جزء أصيل منه، فما قام به المجلس يوم 11 فبراير لم يكن ثورة ولكنه انقلاب «قصر» لحماية النظام. وهناك قوي سياسية وأحزاب مصرية إصلاحية قفزت إلي المقدمة بعد الثورة ليس لها مصلحة في استكمال أهداف الثورة، وتكتفي بأن تكون شريكة للمجلس الأعلي للقوات المسلحة في السلطة واستمرار جوهر النظام القديم. ويساند كل هؤلاء قوي إقليمية مثل السعودية وقطر ودول الخليج عامة، وقوي دولية مثل الولاياتالمتحدة وإسرائيل، يفزعها أن تتحول مصر من الاستبداد إلي ديمقراطية حقيقية ودولة مدنية حديثة. وبالطبع فالأحزاب والقوي الديمقراطية والشباب وائتلافاتهم مطالبون بمواجهة قوي الثورة المضادة جميعها، وفيما يخص جهاز الشرطة فالمطلوب استعادته من أيدي هؤلاء ليمارس دوره لمصلحة الشعب المصري، وقد يكون مفيدا لدعوة لعقد مؤتمر وطني تشارك فيه الأحزاب والقوي السياسية وائتلافات الشباب والنقابات وقيادات الشرطة وأصحاب المبادرة الوطنية لإعادة بناء الشرطة، يركز علي قضية دور الشرطة بعد الثورة والبرنامج المطلوب لإعادة بناء جهاز الشرطة وتغيير عقيدته ومنهجه وأسلوبه، هو الطريق لحل الأزمة.