شعرية اليوميات في «إنجيل الثورة وقرآنها» عيد عبدالحليمفي ديوانه «انجيل الثورة وقرآنها» الذي يهديه الشاعر حسن طلب إلي «أرواح الشهداء.. أبطال ثورة الخامس والعشرين من يناير» الذين قدموا انتماءهم إلي وطنهم علي أي انتماء ديني أو طائفي ففاضت أرواحهم وهم يهتفون باسم مصر ، قبل كل ملة أو نحلة»، نري هذا التلاحم والتضافر الإنساني الذي قصده «طلب» في الإهداء بداية من افتتاحية الديوان التي يقول فيها : كفي الثورة الآن إيمانها فمعبدها الآن ميدانها وقرآنها اليوم إنجيلها وإنجيلها اليوم قرآنها يعتمد الشاعر علي ما يمكن أن نسميه ب «شعرية اليوميات» كأنه يريد أن يقدم سجلا لأحداث الثورة من خلال الشعر، حيث يشير إلي مفرداتها اليومية البسيطة في لغة مموسقة ، جزلة أحيانا وبسيطة في أحيان أخري - وإن طغي عليها الطابع الإنشادي- باللجوء إلي التقفية حتي وإن جاءت لغير ضرورة فنية، نلحظ ذلك في القصيدة الافتتاحية «الثلاثاء 25 يناير» والتي يقول فيها: تبارك الحلم الذي: لو لم نكن باليد أمسكناه راغ! تقدس اليوم الذي فيه تنادينا إلي الميدان لكن نحن لم نأت من الفراغ نحن تسلمنا من الذين ثاروا قبلنا الراية منقوشا علي قماشها البلاغ اسطورة واقعية وفي قصيدته «اسطورة واقعية» يرد الشاعر علي مروجي الشائعات ممن ينتمون إلي النظام الفاسد بأن الثورة جاءت باجندات أجنبية، وأن من قاموا بها «قلة مندسة» كما كان يروج الإعلام الحكومي وقتها، مؤكدا أن الثورة مصرية قلبا وقالبا في ذلك باستحضار أسطورة «البعث» المصرية من خلال شخصية «إيزيس». أسطورة الثورة في الميدان واقعية ساحتها ميداننا أبطالها أبناؤنا وقد روروها بالدماء الحرة الزكية ورفرفت ايزيس في فنائها فباركت ثوارها واصطحبت إلي الخلود شهداءها من أجل هذا كانت الثورة مصرية وعبر التداعي الحر للجملة الشعرية- الذي يصل أحيانا- إلي حد التقريرية يؤكد الشاعر علي هذا المنحي: مصرية تظل في الصميم منذ انتشرت كالنار في الحطيم.. من ميدانها الكبير في القاهرة الكبري إلي السويس والإسكندرية ثم أشع نورها عبر الضفاف المتوسطية حوادث متكررة ويستحضر الشاعر بعض الحركات الاحتجاجية التي سبقت ومهدت للثورة مثل «حركة كفاية» و«السادس من ابريل» و«حادثة مقتل الشاب خالد سعيد» علي أيد بعض افراد الأمن بالإسكندرية وكان للموقع الذي انشئ علي «الفيس بوك» تحت عنوان «كلنا خالد سعيد» أثر كبير في تحفيز الشباب للخروج إلي ميدان التحرير يوم 25 يناير، وكذلك «الجمعية الوطنية للتغيير» ، ولا تأتي أسماء هذه الحركات بشكل إشاري وإنما خصص الشاعر لكل واحدة منها قصيدة منفصلة قصيرة: فيقول في أولها تحت عنوان «كفاية» مشيرا إلي الرئيس المخلوع: أمضي ثلاثين من الأعوام لم يشبع ولم يقنع بما أمضي! كيف بمن ظل علي الكرسي طوال هذه الحقبة يبقي طامعا أيضا! فعندما قلنا : كفي! قال لنا: أنا.. أو الفوضي! فصدقت حبيبتي مع الذين صدقوا من المعاتبة أو الضعفي أو المرضي ويقول الشاعر علي لسان شباب 6 ابريل: نحن الذين اتهمونا أننا في الأصل كنا: مستهل الهرج والمرج! نحن من المصنع اشعلنا لكم شرارة الثورة قدنا هذه الحملة.. قلنا: فاحملوا الشعلة واصعدوا بها الدرج ولا تخافوا من غراب الحكم في سمائكم فهو كسيح كلما طار هوي وكلما مشي عرج! تلك رسالة كتبناها إلي من سيثور بعدنا تلك وصية إلي من دخل السجن ومن خرج ويشير الشاعر في قصيدة «هدم وبناء» إلي أن الثورة لم تأت من فراغ فلم تكن مجرد احتجاج أو تظاهر سياسي نابع من تفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، فقط، بل جاءت نتيجة لتراكم الوعي المعرفي بضرورة الحرية : لا نور كنور العقل.. ولا كحديث العقل حديث! لا.. ليس مجرد اسقاط نظام شاخ.. وليس مجرد : إحباط مؤامرة التوريث! هو إيمان بالعقل.. تبرك النقل لأهل النقل.. وإعلان بالحرب علي الجهل.. وإيدان بمغامرة التحديث هو سعي نحو طريق الحرية والعدل.. صلاة في محراب العلم لحمل الكل علي وصل سماء القول بأرض الفعل.. وسعي الثوار حثيث وعن وحدة المصريين في الميدان يكتب الشاعر مجموعة من البورتريهات التي تشير إلي «الوحدة الوطنية» مؤكدا أن ذلك يعد «بطاقة هوية» للقادم بعد ذلك في المستقبل: صرنا وما من أحد يعرف نصرانينا في ساحة الميدان من مسلمنا! شكرا جزيلا فهو قد أكسبنا الهوية الحق.. ولن نرجع.. إلا أن روينا أرضه من دمنا نكون اكسبناه ما اكسبنا فنحن لا نشعر أننا اكتشفنا فجأة أنفسنا فيه.. ولكن أصبح الميدان فينا إن تحركنا هناك.. أو هنا يوشك أن يصحبنا بقي أن نشير إلي شعرية الديوان بعد تكملة لدواوين سابقة للشاعر مثل «قال النشيد» والذي ضم مجموعة من القصائد التي كتبت بعد الانتخابات الرئاسية عام 2005، والتي قدم فيها «طلب» نقدا لاذعا لسياسات مبارك ووزارته، ولم تأخذ قصائده طابع المواربة أو الرمز، بل اتخذت الشكل الضارب في المباشرة في محاولة للوصول لحالة من كشف الفساد الضارب في أوصال المجتمع.