نعم ، انه الإسلام الذي يعرفه جموع المسلمين من ذوي القلوب النقية الصافية ، البعيدة عن البحث عن المنافع والمناصب التي يسعي المتأسلمون ، ممن يرتدون ثوب الدفاع عن الإسلام ، ويعتبرون أنفسهم دون غيرهم الأوصياء عليه ، وهي الفئة التي ابتلينا بها في عصور التخلف والردة الفكرية ، ممن يجعلون أنفسهم وسطاء بين العبد وربه ، ويتجاهلون- بسوء أو حسن نية - إن عظمة الإسلام تكمن في سهولة ويسر إدراك غاياته ومقاصده وقيامه علي الشفافية والوضوح ، والاتصال المباشر مع الله دون وساطة أو كهنوت، وانه دين " النية والقصد " الذي يعد الشرط المبدئي للحكم علي صحة السلوك والفعل ، وتحمل المسئوليات والتبعات وهو دين " العقل " الإقناع والاقتناع ، بل يعد العقل أهم ما في الصيغة الاسلامية من مقومات ومن ثم لا يرفض الإسلام منطق العصر عقلا وعلما ، وان زاد عليه دون تحيز أو تعصب قيامه علي الأخلاق والقيم التي تربي الضمير الإنساني ، وتستطيع أن تحول العلم ونتائجه إلي عمل إنساني يحفظ للإنسان توازنه الروحي والمادي ، و يعصمه مما قد يعصف به، ويفقده التوازن ويحول دون جمود الحياة وتخلفها ، ويسعي علي تنمية المجتمع وتحديث نهضته ، وتقدمه ، وهذا ما أدركه المسلمون في عصور ازدهارهم ، فكانت الحضارة الإسلامية ، وشمسها التي أشرقت علي الغرب والتي بها استطاع الغرب الدخول في عصر النهضة والتنوير ، والتحديث والحداثة ، بل وما بعد الحداثة ، كما ان هذا أدركه رواد التنوير في حياتنا المصرية والعربية والإسلامية ، ومن ثم نقول : إن تخلفنا ليس في الإسلام ولا من طبعه وطباعه ، و إنما من المسلمين الذين انحازوا للكسل والتواكل والخرافة والشعوذة ، فكان ما كان من تخلف دوره في كل المجالات ، وعلي كل الجبهات وهذا ما أدركه العديد من الزعماء ، فعبد الناصر يراه " ثورة وقوة روحية هائلة " وان شريعة الله هي دوما " شريعة العدل " وعندما حدث الصراع بينه وبين الإخوان في السنوات الأولي من قيام ثورة 1952 ، قال عبد الناصر " هم يقولون القرآن دستورونا ،ونحن نقضي علي الفساد وعلي الظلم الاجتماعي ، ونحارب الاستعمار فهل هذا الذي نعمله خروج علي القرآن ؟ أم أنها المزايدة الرخيصة باسم الإسلام والدفاع عنه؟ إذا كان من غير الممكن القيام بعمليات التنمية والتحديث دون وجود القدرات الإبداعية المتميزة والحرية والديمقراطية ، والدولة المدنية ذات المؤسسات القادرة علي التفاعل مع معطيات العصر ، فاننا نجد الإسلام الصحيح يؤكد هذه الحقيقة ، فيعطي العقل والعلم حقه ، ويري في الاجتهاد سنة الحياة ، ومن حق المجتمع أن يختار النموذج السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يحقق تقدمه ونهضته " فانتم " أعلم بأمور دنياكم " إذن لا دولة دينية ، ولا إمامة ، أو خلافة ولا مكان لحكام يرون أنهم " ظل الله علي أرضه " ، وإنما دولة مدنية دينها الإسلام الصحيح ، " التفكير والتأسيس " أما الوحدة والتماسك الاجتماعي فقوام قاعدته وأساسه " المواطنة " بمفهومها الواسع الشامل ، التي تؤكد الاندماج القومي بين كل عناصر المجتمع ، مهما اختلف الجنس أوالدين ، مواطنة تضمن المساواة في الحقوق والواجبات ، دون تفرقة أو تمايز أو التعامل مع الآخر وفق منطق الأقلية " أهل الذمة " ، كما يدعي " الجهلاء " وأثرياء البترودولار . وهنا نقول : إن الإسلام في روحه ومقاصده وغاياته يؤكد هذا التماسك ،ويري في التنوع ثراء ، وفي الاختلاف مدعاة للتكامل والتقارب " وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا " ويري في " النصاري " الأقرب مودة للمسلمين وفي مصر علي وجه الخصوص ، تجلت الوحدة الوطنية في أروع مظاهرها في كل الظروف والمواقف ، فالوحدة الوطنية كانت كما يقول عبد الناصر " سلاحنا في إجلاء الاحتلال عن أرضينا ، وأعظم دروعنا في صد عدوان 1956 ومن المسلمين والأقباط كل الشهداء في ثورة 1919 ، وفي كل الحروب التي خاضتها مصر وفي عام 1973 كان احمد بدوي قائد الجيش الثالث ، وكان " فؤاد غالي قائد الجيش الثاني ، وكان للكل عقيدته ، لكنه لم يعرف في القتال إلا الوطنية والقومية . باختصار : إن الإسلام الذي نعرفه هو إسلام النبي ( صلي الله عليه وسلم ) بقرآنه ، ودعوته بالحكمة والموعظة الحسنة ، إسلام الخلفاء الراشدين بعدلهم وزهدهم ، وحكمتهم ، إسلام من يحرصون علي تحقيق العدل الاجتماعي والوقوف ضد الأخطار التي تغزو الأوطان ، وتقدير ظروف الوطن في كل الأخطار والمحن. باختصار : الإسلام هو دين : - عقل ، لا دين التهويات والتحريفات ، والخوارق والكرامات ، والأشباح تظهر وتختفي. - بذل الجهد والإتقان والفكر لا دين الفهلوة والتواكل ، التخويف والمصادرة . - الوحدة والتماسك وحماية سلامة البشر لا دين القتل والإرهاب ، إزهاق أرواح الأطفال والتصفية الجسدية ، وإثارة الفتن الطائفية . - دستوره القرآن وسنة رسوله ، واجتهاد المستنيرين لا دين الفرق والشيع ، وإصدار الفتاوي المحققة للمغانم ، والمنافع الشخصية . - العدل الاجتماعي ، لا الإثراء علي حساب الشعب ، واستغلال البسطاء ، والارتزاق باسمه . - المسئولية الوطنية والاجتماعية ، لا دين الشماتة في محن الوطن ، وإقامة الأفراح لانتكاساته ، وتهريب الأموال واستثمارها في بنوك الأعداء ، والتآمر علي الأمة العربية والإسلامية . - وباختصار الاختصار ، هو الوضوح والشفافية لا دين التحالفات والأعيب ، والمداهنة ، واستغلال الظروف ، والتعامل بعشرات الوجوه مع أعداء الأمة للانتقاض علي انجازاتها ، وإقامة دولة تحمل زورا وبهتانا اسم الإسلام ، والإسلام منها براء. هذا هو الإسلام الذي نعرفه وتعرفه جموع المسلمين ، ولا يعرفه أدعياء الدين وان قلت أعداء الدين فلن يختلف الأمر شيئا .