يقول روسو: «كما أن الراعي أسمي من القطيع، فكذلك معظم الحكام، يشعرون بأنهم أسمي من شعوبهم».. وهذه النتيجة، وصل إليها الإمبراطور كاليجولا بصفاقته المقدسة، حيث قال: «إما أن الملوك آلهة، وإما أن الشعوب بهائم». فإذا كانت الأمة متخلفة، فأفراد الحكومة يشعرون بأنهم من جنس سماوي، وإذا كانت الأمة متقدمة، فأفراد الحكومة يشعرون بأنهم جزء من عقد اجتماعي، يتيح للمجلس التشريعي الموقر إزاحتهم من علي كاهل الناس» ويردد روسّو: «إن الأمة هي التي تصنع القانون، لا أن القانون يصنع الأمة». إن الإيمان بالحق الإلهي للحاكم معناه الإيمان بحق إلهي لكل وزير أو إداري صغير، ومن ثم فإن أي ضابط شرطة في قرية إنما يعمل بمقتضي تكليف علوي مثل الحاكم تماما.. ولو قال أحد: إن الروابط السياسية تقوم علي الرضا والاختيار والعقد الاجتماعي، فسرعان ما يقبض عليه كمثير للفتنة. وغالبا ما يصل الحاكم ومن معه بالمصادفة، وعلي أساس من الاغتصاب والتحايل، ويكون يسيرا علي الحاكم فرض سيطرته علي الجماعة.. إن جريمة «التمرد علي الحكومة والحاكم» كانت لدي الفراعنة واليونان والرومان بدعة وخرقا للنواميس، حتي لو كانت الحكومة ظالمة. ويفسر روسو انهيار الأخلاق زمن الحكم المستبد فيقول: «.. الحاكم الذي يصل بالتحايل يشبه قاطع الطريق، إذا وقعت بين يديه في غابة، فعليك أن تسلمه نقودك، ولكن إذا استطعت أن تخفيها عنه، فليس هذا عملا لا أخلاقيا، وإذا تمكنت منه وسرقته فيكون عملك أخلاقيا». ويقول روسو «بمجرد أن يوجد سيد للشعب، لا يصبح الشعب صاحب سيادة، وتنهار الأمة سياسيا» ويعترض روسو علي جروتيوس وزير لويس الثالث عشر، ويري أن جروتيوس لو انحاز إلي الشعب، لقال الحقيقة، غير أن قائل الحق لا يقتني ثروة، كما أن الشعب لا يمنح وزارة أو سفارة، ويري «سولون» «أحد آباء الديمقراطية»: «عندما توجد الأحزاب الثانوية الضعيفة «بفعل الحكومة» فإن هذا يحول دون ديمقراطية حقيقية، وعندما يقوي حزب «بانضمام الحكومة له» فلا يكون هناك دور للإرادة العامة للشعب، ويتحول الحزب المساند للحكم إلي ما يشبه تجمع الدهماء خلف مصالحهم عقب نجاح الثورة أو التمرد». ويقول روسو: «المشرع يلجأ إلي سلطة تقود بلا عنف وتقنع بلا حجة، وهذا هو السبب في أن آباء الشعوب وأنبياءهم، اضطروا إلي الالتجاء إلي السماء، وأن ينسبوا للآلهة حكمة هي - في الحقيقة - حكمتهم هم، حتي يقبل الناس الخضوع لقوانين الآباء والأنبياء، كما يخضعون لقوانين الطبيعة». إن الشعوب - كالأفراد - لا تكون مرنة إلا في شبابها، ولكنها عندما تشيخ يصعب إصلاحها، حيث تكون العادات قد استقرت وتأصلت، ويصبح الشعب كالمريض الذي يكره الطبيب.. ومع هذا فوجود حكومة ثورية نابعة من الشعب قد يحرك الماء الآسن.. ويري روسو: «أن الحاكم تتحكم فيه ثلاث إرادات: إرادته الخاصة التي تتجه إلي مصلحته الشخصية، وإرادة الشعب، والإرادة السيادية، والمفروض أن تكون إرادته الخاصة أقلها أهمية، وتسود الإرادتان الأخريان.. والحاكم يدرك - بالفطرة - أن «شعبا ضعيفا فقيرا بائسا لا يستطيع أن يتصدي لتسلط الحاكم..» وعندما تتحول البلاد إلي خراب، يقال: إن السكون يخيم عليها، كما يقول تاسيتوس في كاليجولا، وإن قليلا من الاضطرابات يعطي الأرواح حيوية، والأمر الذي يؤدي إلي ازدهار الأمة حقيقة هو «الحرية لا السلام»، وإذا رأت الأمة شيئا فلا معني لرفض الحكومة، لأنه عندما يوجد الأصل فلا محل لمن يمثله. كذلك يقرر فردريك انجلز: «أنه لا يمكن تصور سلطة بدون امتيازات مادية تساعدها علي فرض نفوذها علي الجماعة، وهذه الامتيازات - بالضرورة خصم من دخل الأمة».