عفواً محافظ الشرقٍية في مداخلة له مع احد البرامج التليفزيونية، وصف محافظ الشرقية الدكتور عزازي علي عزازي الذين تحفظوا علي استقبال رئيس الحكومة الدكتور عصام شرف للمواطن احمد الشحات الذي تسلق العمارة التي تقع بها السفارة الاسرائيلية وانزل العلم الاسرائيلي ورفع بدلا منه العلم المصري بانهم اعلاميون من خارج الصف الوطني .هكذا مرة واحدة يعيد محافظ الشرقية خطاب التخوين والاقصاء الذي ساد الحياة السياسية علي مدار اكثر من ستين عاما، وكان واحدا من بين الخطابات الاستعلائية التي قامت ثورة 25 يناير لتسقطه الي غير رجعة.ومع انني واحدة من بين من يتابعون بإعجاب كتابات الدكتور عزازي ومناقشاته في البرامج الفضائية الحوارية والتي تتسم عادة بالمنطق والعقل ومراعاة المصالح العامة، فقد جاءت تلك المداخلة عكس هذا المنحي تماما. هناك فرق يا دكتور عزازي بين موقعك كمتظاهر في ميدان التحرير وموقعك كمسئول في هذه الحكومة الذي يلزمك بما لا يلتزم به المتظاهرون الملتهبو المشاعر والعواطف والتي قد تقودهم العواطف الي افعال غير محسوبة، وهو ترف لا يملكه المسئول الحكومي، الذي هو ملزم بان يدعو المواطنين الي الالتزام بالقانون المحلي والدولي الذي يمنح السفارات حصانة من الاعتداء والعدوان، حتي لوكانت سفارة عدو لايرعي العهود والمواثيق، لكنه يحظي بحماية دولية واممية، لانحظي بها ولاتحظي بها اي من الدول التي يوجه عدوانه اليها، وليس تقرير الاممالمتحدة الاخير و الخاص بالعدوان الاسرائيلي علي سفينة الحرية التركية الذي برر الحصار المفروض علي غزة وقتل المتضامنين معها باعتباره دفاعا اسرائيليا مشروعا عن النفس سوي غيض من فيض! من المفهوم ان النقد الذي وجه الي دكتور عصام شرف يطول بطبيعة الحال محافظ الشرقية نفسه، الذي رحب بسلوك الشحات بوصفه بطلا قوميا من ابناء المحافظة ومنحه وظيفة وشقة، مع ان حق «الشحات» في شقة ووظيفة حق مشروع دون ان يعرض حياته للخطر و يتسلق السفارة ويسقط العلم الاسرائيلي ويرفع العلم المصري، شأنه في ذلك شأن ملايين العاطلين عن العمل، والعاجزين عن توفير احتياجات حياتهم الاولية، ولم يكن ما جري يوم الجمعة الماضي من اقتحام للسفارة الاسرائيلية في الطابق السادس عشر من المبني والقاء اوراقها الرسمية في الشارع ببعيد تماما عن الاحتفاء الرسمي بالشحات، ذلك الاحتفاء الذي قدم للعاطلين عن العمل حافزا لتكرار المشهد الذي انتهي نهايته المؤسفة لكن تداعياته الخطيرة المحلية والدولية لم تكتمل حلقاتها بعد التي كان ابسطها الاستنكار الدولي لان الحكومة المصرية لا تستطيع ان تحمي امن السفارات التزاما بتعهدات دولية .لقد كان ستر الله معنا كبيرا لان المقتحمين للسفارة يوم الجمعة الماضي لم يتمكنوا من الوصول الي الدورين السابع عشر والثامن عشر اللذين يتمركز بهما قوات امن خاصة مسلحة بطبيعة الحال، وكان يمكن ان يؤدي اقتحامهما الي كارثة محققة.والسؤال الذي كان ينبغي ان يكون حاضرا في ذهن اي مسئول رسمي، قبل ان يكون واردا لدي المتظاهرين الغاضبين، اليس لنا سفارة في اسرائيل ينبغي ان نخشي علي ابنائنا العاملين فيها ان يتعرضوا لدهم مماثل بدعوي المعاملة بالمثل؟ ألم يكن اجدر بكل مسئول حكومي ان يهتم بشرح الموقف الرسمي المصري الذي اصر علي لجنة تحقيق بشأن العدوان الاسرائيلي الهمجي علي السيادة المصرية وقتل ستة من جنودنا بدم بارد في سيناء وطلب تعويضات لاسر الشهداء، وتعديل بنود من المعاهدة المصرية_ الاسرائيلية لزيادة اعداد القوات المصرية المسلحة علي الحدود بين البلدين لمواجهة الجماعات الارهابية المسلحة وعمليات تهريب السلاح والمخدرات والبشر والتصدي لكل المحاولات التي تجري لجر مصر لمعارك غير محسوبة مع اسرائيل لاهداف ليس لها علاقة بالمصلحة المصرية؟ لاشك ان الحكومة اخطأت في قرار بناء الجدار العازل ، وفي توقيت صدوره، خاصة مع تصاعد الاجراءات التركية العنيفة تجاه اسرائيل لرفضها الاعتذار عن قتل تسعة من الاتراك كانوا علي متن السفينة مرمرة التي كانت متجهة للتضامن مع غزة المحاصرة، وبدا هذا الاجراء متناقضا مع الاحتفاء الرسمي بمتسلقي السفارة، لكن غاب عمن يعقدون المقارنة بين رد الفعل الرسمي المصري، ورد الفعل التركي، ان تركيا ليس لها حدود مع اسرائيل مثلنا، وانها لم تخض مثلنا اربع حروب معها، وانها لم يكن لديها ارض محتلة من قبل اسرائيل تريد تحريرها، وان ابقاء القضية الفلسطينية دون حل عادل لها، يؤثر علي الامن القومي المصري بشكل مباشر، وهو وضع لانظير له في الحالة التركية، هذا فضلا عن ان تركيا انتظرت اكثر من عام الي أن انتهت لجنة التحقيق الخاص بالسفينة من عملها لكي تخفض البعثة الدبلوماسية مع اسرائيل وتجمد العلاقات العسكرية معها. ويا دكتور عزازي الساحة السياسية مليئة بالآراء والمواقف المتناقضة التي يظن قائلوها انها تخدم المصالح العامة، ولعلك تتفق معي انه ليس من مصلحة بلدنا في هذه الظروف الانتقالية المكتظة بملفات معقدة وشائكة، ان نفتح لها معركة علي الجبهة الخارجية لتزداد الضغوط علينا وعلي القيادة السياسية التي لم تجد مفرا من اللجوء الي الطوارئ لمجابهة هذا الانفلات الامني الذي يتجاوز كل الاعراف والقوانين ليخسر التطور الديمقراطي المنشود إحدي معاركه. وياسيادة المحافظ كلنا مجتهدون من اجل مصالح عامة ، والثورة قامت لتسقط نظاما استبداديا، لا لتسقط الدولة، التي اذ لم نتمسك بحسم ، بقيامها بكامل ادوارها وفقا للقانون والدستور، فسوف نخسر جميعا، ولقد اثبتت الاحداث بعد نظر الذين تحفظوا علي موقفك وموقف رئيس الوزراء، لانهم ادركوا بوعي ومسئولية المخاطر الكارثية التي ترتبت علي ذلك، ولم يكن لا من الانصاف ولا من الديمقراطية ان تخونهم وتضعهم خارج الصف الوطني، فالديمقراطيون بحق يصونون الحق في الاختلاف، وينشدون الحرية لخصومهم قبل انفسهم.