رغم قيامها علي الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ظهرت مبادرات عديدة في الايام الماضية طرحت عددا من الوثائق التي تتناول المباديء العامة الاساسية للدولة والحقوق الخاصة بمواطنيها والتي يمكن ان يكون عليها توافق مجتمعي وتمثل البنية الاساسية للنظام الديمقراطي الحر والعادل حتي تستعين به الجمعية التأسيسية التي سيتم انتخابها لاعداد مشروع الدستور الجديد. وقد اعلنت اربع وثائق في هذا الشأن هي وثيقة( المباديء والحقوق الاساسية)للدكتور محمد البرادعي وكذلك الوثيقة الصادرة عن جلسات الوفاق القومي والتي جمعت عددا من ابرز الشخصيات القانونية والحقوقية والسياسية في مصر بالاضافة الي وثيقة ( التحالف الديمقراطي من اجل مصر) والتي اعدتها احزاب التحالف الديمقراطي والبالغ عددها 28 حزبا واخيرا بردية(الاحكام الاساسية في الدستور) والتي توافقت عليها 27 منظمة حقوقية من المجتمع المدني ،،،وقد جاءت جميعها في اطار من شرعية الثورة وشعاراتها القائمة علي "الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية". واتفقت الوثائق الاربعة فيما بينها علي مجموعة نقاط منها ان الاسلام هو دين الدولة وان اللغة العربية هي لغتها الرسمية بالاضافة الي حرية العقيدة وضرورة استقلال القضاء كما نادت ايضا بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين شاملة الرعاية الصحية والتعليم والحد الادني للاجور. ولكن هذا الاتفاق لا ينفي وجود اختلافات واضحة بين هذه الوثائق سواء كانت جذرية او جزئية في نقاط قد اشتركت وتوافقت في جزء منها واختلفت في جزء اخر. اختلافات وقد خلت جميع الوثائق من اي اشارة الي الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة والتي تقوم علي مبدأ "المواطنة" الكاملة جاء ذلك واضحا في المادة التي تنص علي ان مباديء الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع في البلاد سواء في مادة(2) من وثيقة البرادعي او مادة(1) من الفصل الاول بوثيقة التحالف الديمقراطي والتي اضافت عبارة "مع حق غير المسلمين في الاحتكام لشرائعهم في الاحوال الشخصية" وهو ما يشير نوعا ما الي المواطنة وان كانت غير كاملة اما فيما يخص نظام الدولة فقد افتقدت الوثائق تحديده وما اذا كان برلمانيا ام رئاسيا ام مختلطا؟ اللهم الا أشارة وثيقة الوفاق القومي الي تزكية النظام الرئاسي البرلماني وكانت وثيقة التحالف الديمقراطي الاكثر دقة في الجزء الخاص بقبول التعددية الحزبية السياسية والتي توافقت فيها مع باقي الوثائق واختلفوا في شرط عدم قيام هذه الاحزاب علي اساس مرجعية معينة ،، حيث اشارت وثيقة التحالف الي رفض الاحزاب الدينية والعسكرية والفئوية. وبعد الاشارة الي الملاحظات البسيطة علي مجمل الوثائق نجد ان هناك ملاحظات خاصة بكل وثيقة علي حدا. وثيقة البرادعي تكونت هذة الوثيقة من 17 مادة شمل الباب الاول فيها 6 مواد بعنوان" المباديء الاساسية وقد جاءت مادة "1" خاصة بان البلاد جمهورية ديمقراطية دون اي تحديد واضح لنظام الدولة وما اذا كان برلمانيا او رئاسيا او مختلطا بينهما وفي المادة"2" كانت الاشارة الي ان مباديء الشريعة الاسلامية هي مصدرالتشريع الامر الذي يتنافي والمادة الاولي التي تؤكد علي المساواة وعدم التمييز بين جميع المواطنين في كل الحقوق وهو ما يعني ايضا غياب الدولة المدنية الحديثة فاعتبار ان الشريعة الاسلامية وحدها هي مصدر التشريع قد يستغله بعص دعاة الفتنة الطائفية والدولة الدينية علاوة علي التعارض الواضح مع المواثيق الدولية لحقوق الانسان والتي تشارك فيها مصر اما مادة"3" والتي تخص التعددية الحزبية بعيدا عن اي مرجعية فلم تشر الوثيقة الي نوع هذه المرجعية بوضوح لحسم الامر فكان من الاجدي ان تنص علي عدم قيام اي حزب سياسي واي نشاط سياسي علي اساس ديني او عرقي او حتي الجنس. اما الباب الثاني من الوثيقة " الحقوق الاساسية" والذي شمل 11" مادة فنجد مادة"3" والتي تشير الي الحق في الرأي والتعبير والتجمع السلمي تتناقض وقوانين معترف بها أصدرها المجلس العسكري بشأن تجريم الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية والاضراب عن العمل في ظل حالة الطوارئ ، الامر الذي يتطلب اولا ألغاءها حتي وان كانت هذه المادة متضمنة عبارة" دون الاخلال بحقوق الغير" باعتبارها جملة مطاطة يمكن ان تستخدم كمبرر لمنع هذا الحق وحرمان البسطاء منه بحجة تعطيل عجلة الانتاج، اما المادة"5" والتي تؤكد حق المتهم في محاكمة عادلة علنية امام قاضيه الطبيعي فتتطلب اولا قرارا بالغاء محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية.. وفي المادة"9" اشار الي حق التمتع بحرمة الحياة الخاصة بما تشمله من مراسلات ،الامر الذي يكشف معه مدي اهمية حل جهاز امن الدولة الذي عانت البلاد من مساوئه كثيرا واخيرا مادة"11" التي تؤكد علي عدم جواز الالغاء او التنازل او التعديل لمواد هذه الوثيقة وكأنها اعلي من الدستور وذات حصانة خاصة،الامر الذي يتعارض والفقه الدستوري في نظر البعض، والذي يقترح أن يكون تعديل مواد هذا الإعلان الدستوري بنسب معينة تصل إلي 180 أو85 %. وثيقة التحالف الديمقراطي ضمت "6" مجالات الجزء الاول منها بعنوان "بناء الانسان والقيم الاساسية للمجتمع" وبها "9" نقاط كان ابرز ماجاء فيها هو التشابه مع مادة"2" من دستور71والتعديل الدستوري الاخير والذي يؤكد علي مباديء الشريعة الاسلامية كمصدر للتشريع ولكن هذا لا ينفي ما نصت عليه ماده"4" من الفصل الاول والتي تقول بان المواطنة اساس المجتمع اما الجزء الثاني الخاص بالنظام السياسي والحريات العامة فقد اشارت مادة"2" منه إلي حرية تشكيل الاحزاب ولكن شريطة عدم قيامها علي اساس ديني او عرقي او عسكري الامر الذي افتقدته ويثقة البرادعي كما افتقدت ايضا حرية التكوين النقابي الذي اشارت اليه وثيقة التحالف. واختلفت وثيقة التحالف ايضا عن البرادعي في مادة"4" من الفصل الثاني والتي تمنح الحق في التنظيم والتظاهر والاضراب والاعتصام مع مراعاة سلامة المجتمع وان كان يؤخذ علي هذه الماده احتواؤها علي عبارة" عدم الاخلال بالامن العام" فهذه الكلمة عائمة وغير واضحة اما مادة"7" من نفس الفصل فقد اشارت الي شغل منصب المحافظين بالانتخاب المباشر لمدة محددة قابلة للتجديد لمرة واحدة ،الامر الذي لم تشر اليه وثيقة البرادعي وماده"8" الخاصة بحق الطلاب في النشاط السياسي من خلال الاتحادات الطلابية. وفي الفصل الثالث الخاص بالقضاء اتفقت الوثيقة مع وثيقة البرادعي فيما يخص المحاكمات المدنية للمدنيين وعن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية كان الفصل الرابع والذي نادي بالعدالة الاجتماعية وسياسات محاربة الفقر والحد من الفوارق بين طبقات المجتمع والحد الادني للاجور وربطه بالاسعار ولكنه افتقدت تحديد اليات تحقيق ذلك من خلال الضرائب التصاعدية علي سبيل المثال. وثيقة الوفاق القومي سعت هذه الوثيقة لتحقيق عشرة اهداف منها الحرية والمساواة بين مختلف شركاء الوطن في كل الحقوق، بالاضافة الي ان الكرامة هي اساس الحياه مع حرية العقيدة والرأي والتعبير وتنظيم وتوازن سلطات الدولة ،، جاء ذلك من خلال ثلاثة جوانب الاول للمباديء الحاكمة والثاني للحقوق والحريات الاساسية والثالث للضمانات الدستورية ، وقد اتفقت في مادة"2" من الجزء الاول مع وثيقة التحالف الديقراطي فيما يخص مباديء التشريع لغير المسلمين، ومع وثيقة البرادعي فيما يخص التعددية الحزبية، وانفردت هذه الوثيقة بالاشارة الي حظر توريث السلطة بشكل واضح وفي مادة"1" من الجزء الثاني اشارت الوثيقة الي عدم جواز تعرض اي انسان للتعذيب او المعاملة المهينة ولم تشر بوضوح الي قانون الطواريء الذي يصاحب تطبيقه شيوع التعذيب. واتفقت مع وثيقة التحالف فيما يخص حرية النقابات والا تحادات ووقعت الوثيقة في نفس خطأ وثيقة البرادعي فيما يخص عدم جواز الغاء او تعديل اي من موادها لتصبح لها نفس الحصانة فوق الدستورية المرفوضة. بردية حقوق الانسان شملت ست مواد في مجملها منها كفالة الدستور لتنوع مصادر التشريع ،الامر الذي اختلفت فيه مع وثيقة البرادعي لانها حددت الشريعة الاسلامية فقط بينما تقترب نوعا ما من راي وثيقة الوفاق والتحالف فهما اشارا الي حق غير المسلمين في اللجوء لشريعتهم فيما يخص احوالهم الشخصية بينما تركت هذه البردية المجال اوسع للتنوع واتفقت مع باقي الوثائق فيما يخص التعددية الحزبية وفي مادة"5" رغم اجازتها امكانية تعديل موادها ،الامر الذي رفضته تماما وثيقة الوفاق والبرادعي الا انها اشترطت لتنفيذ ذلك مرور عشرين عاما علي اعتمادها حتي وان كان التعديل مطلبا للاغلبية البرلمانية.