في البدء أود أن اعترف أن الحوار مع ممثلي المجلس العسكري مضي هادئا في أغلبه. وأنهم انصتوا في صبر شديد ولساعات طويلة لكل ما أردنا أن نقول. وباختصار عرفوا جيداً ما نريد. ثم أصدروا مرسوما بما يريدونه هم، وهو عكس ما نريد. التقدم الوحيد - إن كان هذا تقدما- أن المجلس العسكري اعتاد في السابق أن يصدر مراسيم تعبر عن رؤيته وحده ودون حوار مع أحد، وفي هذه المرة تحاور المجلس مطولا ثم أصدر مراسيم تعبر عن رؤيته وحده وكأنه لم يسمع أحداً. وهكذا ولد المرسوم بقانون الخاص بانتخابات مجلس الشعب، وهو مرسوم جاء- وياللدهشة- متجاهلا لكل آراء كل الأحزاب وكل القوي السياسية. وكأن «قولوا ما شئتم وأنا أفعل ما أشاء» هو شعار الزمن الذي نعيش فيه. وعلي أي حال صدر المرسوم فما هي ملاحظتنا عليه؟ في البداية أود أن أقرر أن الملاحظات عليه جسيمة حيث تعتبره غير صالح للتعديل، وإنما يجب إعادة إصدار مرسوم آخر، أقصد آخر تماما، وليس مجرد تعديل هذه الفقرة أو تلك. ونبدأ بالقضية المحورية والخاصة بتخصيص نصف المقاعد للقوائم والنصف الآخر للفردي. والحجة التي ساقها ممثلو المجلس العسكري في الحوار هي أن الرأي الدستوري يقتضي ذلك. لكنني وبمعلوماتي الضئيلة، وبمعرفتي بنظم انتخابات في بلدان عديدة، أعتقد أن هذا الرأي الذي قيل أنه دستوري يمكن دحضه بمقولات وتطبيقات دستورية أخري، لتجري الانتخابات كلها بالقوائم فتغلق أبوابا عدة للفساد والبلطجة والانفاق المالي المجنون وللعصبيات القبلية والجهوية، التي ستفرز لنا ومرة أخري رموزا قديمة للنظام القديم ومعهم ممثلي تيارات الإسلام السياسي المتشدد بجميع أطيافها أي سيضعون الشراب القديم في آنية جديدة، ولكي أكون صريحا فإن الكثيرين يعتقدون بأن ما كان منذ الخطوات الأولي للمجلس العسكري باختيار رئيس لجنة التعديلات الدستورية والمحامي الوحيد العضو وهما ينتميان إلي تيار الإسلام السياسي أحدهما مستترا والآخر سافرا وعضوا في قيادة جماعة الإخوان، هو ذات ما يكون وربما ذات ما سيكون في التوجهات المقبلة. ومن ثم فإن هذا الكثير يعتقد أن الإصرار علي توجهات المرسوم بقانون هي الوجه الآخر لانحياز سياسي لجماعة سياسية هي جماعة الإخوان. وقد يخدع البعض في تصريحات أدلي بها بعض قادة الجماعة وحزبها يرفضون فيها هذا القانون، أما الحقيقة فهي أن الجماعة تقول كعادتها في أي موضوع محرج وعن عمد برأيين متناقضين أولها لإرضاء حلفائها من أهل التشدد السلفي والجهادي وهؤلاء يرفضون وبشدة ما سمي بالمبادئ المحددة لأسس الدستور لأنهم يريدون قانونا يأتي بمجلس شعب علي مقاسهم، ومن ثم ومن خلاله يصدرون دستورا علي مقاسهم. وخطاب آخر يتوددون به لنا وللقوي الليبرالية والتقدمية ويحاولون ايهامنا بأنهم معنا، وباختصار هم يركبون دراجتين كل منهما تسير في اتجاه عكس الأخري. ثم نأتي إلي ملاحظة أخري وهي الإصرار علي وضع حد أدني من الأصوات يتعين علي الحزب أن يحصل عليه من إجمالي الأصوات علي نطاق القطر. وأعرف أن النسبة ضئيلة وهي نصف في المائة، لكن انتخابات تجري في ظل تسيب أمني واستخدام للمال بلا قيود وبلا وسيلة للردع، وفي إطار خيمة من الشعارات الدينية يمكنها ترتفع بأصوات هائلة للناخبين سواء ذهب الناخب للصندوق أو احتضن الصندوق صوته وأصوات ألوف آخرين ممن لم يصوتوا أصلا. ولا اعتداد هنا بحديث عن رقابة قضائية ستجري في ظل انفلات أمني خطير، وانفاق مالي وفير، وتحويل المعركة الانتخابية إلي معركة دينية بحيث لا يستطيع الإشراف القصاني أن يمنع أيا من ذلك كله. وبطبيعة الحال سيضطر الحزب صاحب القائمة إلي أن يترشح في كل الدوائر ليكفل لنفسه تمثيلا في البرلمان.. ومن ثم سيرشح الحزب 252 مرشحا للشعب وعددا قريبا من ذلك للشوري، نجمع الاثنين ونضربهما في 1000 هي قيمة رسم الترشيح ثم في 1000 أخري هي رسم النظافة الذي تفرضه المحافظة ليكون المجموع ما يقارب من المليون. وهكذا نجد أنفسنا مطالبين بأن نسدد وفي الساعة الأولي من ساعات الترشح مليون جنيه لا نمتلك نحن منها شيئا. هذا بالإضافة إلي أن الأحزاب الجديدة والصغيرة تحتاج إلي أرقام لا تمتلكها من الكوادر الانتخابية القادرة علي المنافسة الحقة. وطبعا الترشح في المقاعد الفردية سيكون صعبا جدا هو الآخر فالدوائر ستكون واسعة بما يتطلب جهدا ومالا وعنفا غير مسبوق. ثم هناك ما يشبه السماح بالانفاق بلا سقف. فالقانون خال من أي نص عن سقف اقصي للانفاق وهو خال من ثم من أي نص لمعاقبة من يتاجر في الصوت الانتخابي بيعا أو شراء. ولسنا بحاجة إلي أن نفتح بهذا باب جهنم علي عملية الانتخابات كلها. فالانتخابات أساسها الديمقراطية والديمقراطية أساسها التكافؤ، فإذا خلت الانتخابات من التكافؤ في الانفاق فقد خلت من وصفها بأنها انتخابات أصلا. ومعلوم طبعا وحصرا من يملتك أنهارا من الأموال، ومن لا يمتلك أي قطرات منها. ويخلو القانون تماما من أي منع لاستخدام الدين في الدعاية السياسية، ومن أي عقوبة لمن يستخدمها، وقد شهدنا في فترة الاستفتاء علي تعديلات بعض مواد الدستور كيف استخدمت الشعارات الدينية فتحولت إلي سلاح لتمزيق الناخبين إلي اتقياء أنقياء يؤيدون الشريعة ويصوتون بنعم، وإلي أشرار معادين للشريعة يصوتون بلا. وإذا كان اللواء ممدوح شاهين قد صرح بأن الدعاية الدينية في الانتخابات ممنوعة، فقد أتاه الرد في ذات اليوم إذ وقف أحد الدعاة المنسوبين لجماعة الإخوان في مسجد بدمياط ليؤكد أن كل الليبراليين والعلمانيين كفار ولا يحق لمسلم حق أن يمنحهم صوته في الانتخابات وتمادي أحد السلفيين ليعلن أن المنادين للديمقراطية كفار ومن يصوت لهم كافر مثلهم وطبعا تصريحات اللواء لم تمنع ولن تمنع استخدام الشعارات الدينية في الانتخابات بما سيجعل الانتخابات القادمة ساحة لصراعات دينية لن تكون محمودة العواقب. وقد حاولنا أن نقترح ترتيبا للمرشحين في القوائم يكفل للمرأة وللمسيحيين بعض فرص في الفوز وذلك إذا أتوا في مواقع متقدمة في القوائم لكن اقتراحنا رفض وبإصرار. والنتيجة لذلك كله انتخابات ستجري تحت وطأة العنف، والانفاق غير المحدود، ومن خلال خيمة من الشعارات التي تتاجر بالدين، وسوف يتسابق المتاجرون بالدين في تصعيد متصاعد بغير حدود ليصل بهم إلي تكفير المنافسين الانتخابيين بما يضع العملية الانتخابية كلها في موضع الشبهات. وفوق هذا وذاك هناك عملية التصويت ذاتها فالمواطن مطلوب منه أن يصوت أربع مرات (شعب قوائم- شعب فردي- شوري قوائم- شوري فردي) وهو ما سيكون عسيرا علي الناخب الأمي. وباختصار إذا أردتم أن أحضر لكم نتيجة الانتخابات من الكنترول فهاكم إياها. لا مقاعد للشباب لا مقاعد للفقراء لا مقاعد يعتد بها للمرأة ولا مقاعد للمسيحيين وهذا منتهي الطعن في الديمقراطية والشفافية والتكافؤ. وكل انتخابات وانتم بخير.